خبر رعب السلاح الكيماوي- هآرتس

الساعة 09:32 ص|11 ديسمبر 2012

 

بقلم: تسفي بارئيل

في بلدة الباب، التي تقع على مسافة 35 كيلو متر من الشمال الشرقي من حلب، يسيطر الجيش السوري الحر. ولعل هذه ليست بشرى طيبة لمواطنيها. ففي نهاية الشهر الماضي قرر 80 متطوعا من بين مواطني البلدة اقامة "شرطة آداب"، هدفها معالجة أعمال السطو، الهدم والاغتصاب التي تنفذها قوات الثوار في البلدة. واضطر المبادرون الى القوة الجديدة الى خوض مفاوضات مع قادة الكتائب المختلفة التي تسيطر في البلدة، وذلك لان كل كتيبة تدار بشكل مستقل وكل قائد كتيبة ينتمي الى تيار سياسي أو ديني آخر. وعرض المبادرون الى تشكيل الشرطة أن تقدم كل كتيبة مجموعة صغيرة من المتطوعين، يرتدون ملابس مدينة بحيث لا يرتبط بكتيبة محددة أو بتيار ما، ويظهرون كمن يعملون باسم كل الكتائب المقاتلة من أجل كل مواطني البلدة. وطريقة العمل بسيطة: عندما تتبين هوية المجرم، يستدعى أمام المحكمة المحلية، واذا رفض أو اختفى، تخرج الشرطة للبحث عنه ومصيره يكون في أيديها. لم توافق كل الكتائب على المشاركة في المبادرة وعشرات المتطوعين يتحركون في شوارع البلدة ملثمين خوفا من انتقام "مقاتلي الحرية".

ليست هذه هي المبادرة الاولى من نوعها، التي يتخذها المواطنون ضد مقاتلي الجيش السوري الحر. في دمشق، في حلب وفي حمص، يعمل مواطنون مسلحون كحماة للاحياء، لمنع أعمال السلب والنهب او المس الجسدي بالمواطنين. كما تحاول هذه المجموعات السيطرة على النظام المدني، معاقبة اصحاب المخابز الذين يستغلون الوضع ويرفعون اسعار الخبز، مرافقة النساء والبنات في طريقهم الى المدرسة أو السوق، وطرد المتاجرين بالبشر ممن يصلون كي يغروا النساء بالفرار الى مخيمات اللاجئين التي يظهر لاحقا أنها بيوت دعارة.

وهكذا بينما تتراكم في الغرب المعطيات عن اعداد القتلة (نحو 45 الف) والنازحين (نحو نصف مليون)، وعندما تدور المباحثات المضنية بين المعارضة وبين الدول الغربية والدول العربية على الطريقة الانجع والاسرع لانهاء الازمة في سوريا- في داخل الدولة تعج الحياة تحت الارض لملايين البشر، الذين لا يشاركون في عملية اتخاذ القرارات. فهم لا يقاتلون ويضطرون الى الانتظار بقلق يومي الى أن يتخذ أحد ما خطوة حقيقية كي تعود حياتهم اليهم.

وهذا انتظار يمزق الاعصاب، لانه حتى بعد ان تشكل في الشهر الماضي ائتلاف حركات الثورة السورية، تتردد دول الغرب في كيفية الانتقال الى المرحلة التالية. وكان توحيد الحركات الثورية هو مطلب الولايات المتحدة وكذا شرطا أساسيا لمواصلة تأييد المعارضة، ولكن عندما طولب الغرب بتزويد السلاح والذخيرة يبدو أن فرنسا وحدها هي المستعدة، بحذر، لدراسة الفكرة بجدية.

واشنطن تخشى، وعن حق، من أن يصل السلاح الذي يرسل الى سوريا الى ايدي منظمات معارضة اسلامية متطرفة، كتلك التي توشك هي نفسها على تعريفها كمنظمات ارهابية. هكذا هي مثلا منظمة "جبهة النصرة"، التي أعلن زعماؤها الملتحون والمعتمرون للعمامات السوداء ويرفعون الاعلام السود، بان في نيتهم اقامة امارات اسلامية في سوريا. وهم لا يتعاونون مع الجيش السوري الحر، ولهم كتائب خاصة بهم تسمى بالاسماء التقليدية الاسلامية، والاشتباه هو أنهم فرع سوري لمنظمة القاعدة العراقية.

يوم الاربعاء، عندما ستصل هيلاري كلينتون الى لقاء الدول الصديقة لسوريا في المغرب، فانها ستعلن أغلب الظن عن هذه المنظمة كمنظمة ارهابية، بالتوازي مع اعتراف واشنطن المتأخر بائتلاف الثورة السورية كممثل وحيد لسوريا.

اعتراف أم لا، فان المشكلة التي تقض مضاجع الدول الغربية واسرائيل هي مخزونات السلاح الكيماوي لبشار الاسد. ولكن عندما تبشر كتائب الجيش السوري الحر، العصابات المسلحة ومنظمات القاعدة كل يوم بنجاح آخر وبسيطرة اخرى على قواعد الجيش السوري، فليست مسألة الاستخدام الذي سيقوم به الاسد او لا يقوم به للسلاح هي التهديد الاساس. المسألة الاستراتيجية الان هي من بين المنظمات المسلحة، التي لا تعمل بالتنسيق، ستسيطر أولا على هذه المخزونات.

بحث مشوق أجرته اليزابيت اوباجي من معهد الحرب في الولايات المتحدة يشير الى أن الادارة الامريكية لا يمكنها أن تميز بين المعتدلين والمتطرفين في اوساط المنظمات الدينية المختلفة العاملة في سوريا. وفجأة يتضح الخطر الحقيقي وهو ليس نظام الاسد، الذي يقتل جنوده كل يوم عشرات الاشخاص بل من سيأتي مكانه. ليس طبيعة الديمقراطية السورية، ولا طبيعة الدولة ايضا هما ما يشغل حتى الان بال الدول الغربية بل، مثلما في العراق، سلاح الدمار الشامل.

لم يعد احد منذ الان يتحدث عن اقامة مناطق آمنة للمدنيين الفارين، ولا عن خطوات سياسية لتغيير الحكم. فالرئيس اوباما كان قاطعا وواضحا حين قال انه اذا استخدم الاسد السلاح الكيماوي فسيكون هذا مبررا للتدخل العسكري. وطالما أنه يقتل مواطنيه بحقن يومية محددة سيواصل الغرب التلوي بلسانه، ولكن السلاح الكيماوي بات أمرا آخر. ولكن ماذا اذا اصبح الجيش السوري الحر أو "جبهة النصرة" أرباب البيت؟