خبر السوريون ومخاطر مرحلة الباتريوت.. علي عقلة عرسان

الساعة 03:20 م|27 نوفمبر 2012

ينشر حلف شمال الأطلسي بطاريات صواريخ باتريوت على الحدود التركية السورية، حماية لها من عدوان سوريكما قيل!؟ وكأن سورية تُعدُّ لعدوان على تركيا، أو أنها في وضع يمكنها من أن تشن عدواناً على أحد، وهي التي تغرق في دماء ودمار منذ أشهر.؟! وبمقدار ماهي واهية تلك الذريعة بمقدار ما هو خطرها شديد على أرض الواقع في منطقة مشتعلة لا ينقصها صب الزيت على النار. ونصب تلك الصواريخ على طول تلك الحدود السورية – التركية الممتدة إلى ما يقارب تسعمئة كم سيزيد من تصاعد العنف وحدة التوتر من جهة وسيفتح المنطقة على احتمالات انتشار نار الفتنة فيها من جهة أخرى، بما لا يساعد على إطفاء الحرب المشتعلة في سورية بل يجعلها تتجذر وتمتد ويضاف إلى نارها نار، ويجعل الحل السياسي ومهمة الأخضر الإبراهيمي ومشروعه للحل الذي سيقدمه الخميس 29/11/2012 في مهب الريح.

ومن الواضح أن المشروع يقلق إيران وموسكو والعراق، على الرغم من أن خطره في مراحله الأولى هذه في الدولة سورية.

-        فموسكو تعتبر نصب بطاريات صواريخ الباترويت نوعاً من زحف لمشروع الدرع الصاروخية الأطلسية على حدودها ومناطق مصالحها الحيوية، وتراه خطوة في المشروع الذي يسعى الأطلسي لإقامته في تركيا منذ سنوات، بذريعة ردع إيران ودرء  خطرها عن دول الحلف؟!". ونشر تلك الصواريخ في إطار مشروع الأطلسي الكبير هو من وجهة نظر موسكو نوع من حصار لها، وتمدد من الأطلسي نحو روسيا الاتحادية لتهديد أمنها ومصالحها وتعزيز مكانة الحلف، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، في الدول التي يستقطبها في آسيا الوسطى على الخصوص، من تلك التي كانت في حلف وارسو المنتهي وجوده بانهيار الاتحاد السوفييتي في تسعينات القرن العشرين.. ولم يستطع حلف شمال الأطلسي أن يطمئن روسيا حين قال أمينه العام أندرس فوغ راسموسن إن "نشر هذه الصواريخ سيعزز قدرات الدفاع الجوية لتركيا بهدف حماية شعبها وأراضيها، وسيساهم في وقف تصعيد الأزمة على الحدود الجنوبية الشرقية لحلف شمال الأطلسي". بل زاد تأكُّدها من أن الحلف يعمل على مشروع الدرع الصاروخية الذي تقاومه، وأن بعض أطرافه المتشددة في موقفها من الأزمة السورية فرنسا التي أعلن وزير خارجيتها لوران فابيوس "أن باريس تؤيد نشر صواريخ باتريوت دفاعية في تركيا قرب الحدود مع سوريا، وليس هناك سبب لرفض طلب أنقرة"..
تريد أن تضرب عصفورين بحجر " سوريا وروسيا" من خلال تأييد طلب تركيا؟! وفي هذا السياق السياسي يمكن أن نقرأ التصريح الشديد اللهجة لرئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيدف الذي قال، قبيل زيارته لفرنسا، إنه يرى في التدخل بالقوة " التدخل الفرنسي"، لتغيير نظام الحكم في بلد آخر " سورية"، مخالفة صريحة للقانون الدولي، ولا يرى في ذلك عملاً حضارياً..

-        وإيران ترى في نشر تلك الصواريخ تهديداً مباشراً من الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل لكل ما يتصل بأمنها وملفها النووي ونفوذها في مضيق هرمز الذي يمر عبره سيل الطاقة من " نفط وغاز" نحو الغرب، وتتمركز فيه وحوله قوات أميركية ضخمة هي عماد استراتيجية الدولة الأعظم في تلك المنطقة، من أجل تأمين مصالحها وحماية حلفائها ومواجهة تمدد نفوذ الصين نحو مصادر الطاقة فيها، ونفوذ روسيا وسعيها القديم للوصول إلى المياه الدافئة بالتعاون مع إيران على الخصوص.. ومن تلك الممرات والمناطق الاستراتيجية تعزيز الولايات المتحدة الأميركية وجودها وأساطيلها في الشرق، وتستمر في تأمين مصالحها الحيوية في الخليج العربي وهيمنتها عليه وعلى ثرواته كافة، ودفعه ليكون بمواجهة إيران أو إلى تمويل مواجهتها لإيران باوكالة؟! ويدخل موضوع صواريخ الباترويوت لتركيا في هذا الوقت وفي هذه المرحلة بالذات في توازنات وخلفيات خفية أو مسكوت عنها وفي حسابات من يضعون الحسابات لمواجهات طائفية، عريضة وسقيمة ومدمرة، وفق محور أو "هلال شيعي" ومحور سني، مما تدأب جهات على الترويج له وإعداد الحطب لمواقده!!.

لقد بدأت نغمة الاحتجاج على المشروع تتصاعد في الفضاء السياسي وعلى أرض الواقع، ويبقى نشر بطاريات صواريخ الباتريوت تلك، في المرحلة الحالية على الأقل، لصيقاً بالشأن السوري ومؤثراً في الأزمة الخانقة المتصلة به، ومؤسساً لمرحلة خطرة جداً من مراحل تلك الأزمة. وقد بدأ العمل في تنفيذ المشروع فعلاً بعد موافقة حلف شمال الأطلسي رسمياً على طلب من تركيا تضمن ذلك. وهو مشروع جزء من مشروع سياسي كبير موجه للمنطقة، وذي جوانب أمنية وعسكرية في هذا الجزء منه المتصل بالباتريوت في تركيا، وموجه تحديداً وبصورة معلنة ضد سورية كما هو معروف، لتحقيق أهداف تتصل بالحرب الدامية الجارية فيها منذ أشهر.. وقد جاء تبيانٌ لبعض الأهداف العسكرية والأمنية من وراء ذلك وهي متصلة بموضوع منطقة الحظر الجوي أو المنطقة الآمنة، مما كانت تتداوله وتعمل عليه في مواقع عدة، منها مجلس الأمن الدولي، دولُ الأطلسي القيادية: " الولايات  المتحدة وفرنسا وبريطانيا" بالتنسيق والتشاور مع تركيا وجامعة الدول العربية وأطراف سورية معنية.

وفي تقرير قدمه الباحثان الأميركيان: المقدم إيدي بوكس، وهو ضابط في سلاح الجو الأمريكي، وجيفري وايت.. وهما باحثان من معهد واشنطن للأبحاث الاستراتيجية، قدماه إلى وزارة الدفاع الأميركية والجهات الأخرى صاحبة القرار السياسي، وقد جاء فيه: [[ من الممكن أن ينجح أحد الخيارات التي جرى مناقشتها مؤخراً - والمتمثل في استخدام نهج بري مبتكر يقوم على استخدام بطاريات صواريخ "باتريوت" - إذا دُمج مع ثلاث طائرات أمريكية رئيسية: طائرات "نظام الإنذار والسيطرة المحمول جواً E-3 " وطائرات "Rivet Joint RC-135" و طائرات "نظام رادار الهجوم على الهدف والمراقبة المشتركة E-8". فسوف تقوم هذه الطائرات التي تُعد بمثابة "عيون وآذان"، والتي كانت حاسمة في نجاح مهمات الحظر الجوي في كل من ليبيا والبوسنة والعراق، بمهامها خارج تغطية الدفاع الجوي السوري. وبإمكان وحدات الصواريخ من طراز "باتريوت" المتمركزة في تركيا والأردن الوصول إلى سوريا ومنح قوات "الجيش السوري الحر" قوس حماية على بُعد 40-50 ميلاً من الحدود. وتسيطر قوات "الجيش السوري الحر" بالفعل على معظم المناطق الواقعة داخل هذا القوس الافتراضي، ومن المقرر أن تُشكل منطقة حظر جوي على طول الحدود الواقعة تحت الحماية في الوقت الراهن حيث تكون المعارضة أكثر نشاطاً. ومن المسلّم به أن صواريخ "باتريوت" قد صُممت في الأصل لغرض "الدفاع عن نقطة محددة"، وليس لغرض تنفيذ مهام الحظر الجوي. ولكن إذا ما اقترنت هذه الصواريخ برادار محمول جواً ومزود بنظام توجيه وتحكم مناسب فضلاً عن رادار "باتريوت" للتحكم في إطلاق النار وصواريخ PAC-2 فسيكون بمقدورها ردع الهجمات الجوية السورية في المنطقة المحمية أو ربما حتى القضاء عليها تماماً. ويمكن لقوس صواريخ "باتريوت" تغطية مدينة حلب وأجزاء من محافظة إدلب في الشمال وحتى مدينة درعا في الجنوب.. وبالإضافة إلى إمداد قوات "الجيش السوري الحر" بأسلحة مضادة للطائرات منخفضة التقنية، فمن شأن استخدام صواريخ "باتريوت" أن ينشئ دفاعاً جوياً رائعاً ومتعدد المستويات.]].
إن هذه الخطة التي تأتي مواكبة للإعلان الفرنسي – البريطاني، الأميركي ضمناً، عن تسليح المعارضة، " الائتلاف"، بأسلحة نوعية متطورة، منها مضادات للطائرات والدروع وغير ذلك، ستؤدي إلى عنف غير مسبوق في العلميات العسكرية الجارية على الأرض السورية بين الجيش والمسلحين والتنظيمات التي تقاتل على الأرض في سورية، وهي عمليات يدفع تكاليفها الباهظة "دماً ودماراً ومعاناة وفقداناً للأمن وضائقات اقتصادية"، الشعب السوري بفئاته كافة، لا سيما الفئات والطبقات الفقيرة والكادحة من أبنائه، يدفعها الفلاحون وأصحاب الحرف والعمال الذين يسعون لتأمين لقمة العيش لأسرهم، ويدفعها الصغار والطلاب وذوو الدخل المحدود وكل من لا يملك إلا وطنه " التراب والتاريخ والذكريات ومقومات الحياة في أبسط تجلياتها"، ولا ينتمي انتماء العيش والمصير إلا لهذا الوطن" سورية" العروبة والإسلام والحضارة. ومَن يعدون ويستعدون للمرحلة القادمة، مرحلة الباترويوت وتوابعها، من سوريين وغير سوريين، يدركون جيداً فداحة العبء الواقع على المدنيين بصورة خاصة وعلى السوريين بصورة عامة.. ولكن كل من يده في النار من السوريين خاصة، أياً كان موقفه وموقعه ومشاعره وتطلعاته وأسبابه، ويتطلع إلى خلاص ولا يجد إلى الخلاص سبيلاً، عليه أن يبدأ المراجعة الذاتية بشجاعة وعقلانية ومسؤولية مع ذاته وأقرب الناس إليه ليجد منافذ وسبلاً إلى الخلاص.. هناك من يرى خلاص البلاد بالخلاص من بعض مكوناتها البشرية والأيديولوجية، ولا أظن أن أحداً من الأطراف السورية يستطيع أن يجتث الطرف الآخر بشرياً واجتماعياً وعقائدياً وثقافياً إلا إذا فكر بجنون واعتمد على واستباح كل شيء وباع نفسه للشيطان وسلم وطنه ونفسه وقياده لأعداء نفسه ووطنه وشعبه.. لذا أرى أن على من يحب سورية ويدعي أنه يقاتل ويعاني من أجل شعبها ووجودها وكرامتها واستقلالها والحفاظ على وحدتها أرضاً وشعباً وعلى سيادتها ومقومات وجودها ومستقبلها، عليه أن يعيد النظر في خياراته ووسائله وأدواته المؤدية إلى تحقيق أهدافه قبل فوات الأوان، وأن يتراجع عن ركوب موجة المجهول المهول فيفكر بأنه الأعلى والأبقى، بينما لا يبقي ولا يذر حتى من ذاته وقيمه ومقوماته الذاتية، الفكرية والاجتماعية والثقافية، حين يعمد إلى الاقتتال حتى المحو والامحاء.

إن الذين يعبثون بأمن المنطقة من خارجها، وبسورية من الخارج، أو من داخل يعتمد على خارج.. ويستندون إلى حسابات أياً كانت معطياتها.. عليهم أن يدركوا جيداً أنهم خاسرون إذا كانوا ينتمون  لسورية انتماء عضوياً واعياً وصادقاً وصحيحاً، لأن سورية هي التي تخسر، وحين تخسر فلا رابح أبداً. لا يهمني اليوم ما يقوله وما يفعله وما يمكن أن يقوله وأن يفعله الاستعماريون والأعداء والمتاجرون بالسلع والقيم والدم البشري.. فأولئك تهمهم تجارتهم، ولكن ما يهمني ويعنيني أن أتوجه إلى من يدفعون الثمن ويتحملون الأعباء الراهنة والمستقبلية لكي يضعوا حداً للخطر القادم الذي يفوق كل خطر مضى.. خطر مرحلة الباتريوت وما يبنى عليها.

وإن غداً لناظره لقريب.

دمشق في 27/11/2012