خبر بين انتظار ومراوحة- هآرتس

الساعة 12:33 م|20 نوفمبر 2012

 

بقلم: عاموس هرئيل

كان ذلك يوما آخر من الانتظار في قطاع غزة. وفي حين كان المبعوثون الاسرائيليون يتباحثون بصورة غير مباشرة مع حماس في القاهرة بوساطة المصريين في طرق احراز هدنة، استمر السحق الجوي لأهداف تابعة للمنظمات الارهابية في القطاع وقُتل أكثر من عشرين فلسطينيا. وانتظر في أنحاء النقب كله في عصبية أخذت تزداد عشرات آلاف الجنود النظاميين والاحتياط قرار المستوى السياسي هل ندخل أم لا؟.

في اليوم السادس من عملية "عمود السحاب" لم تُقدم الاجابة بعد. ان التقارير من القاهرة متفائلة نسبيا لكنها جزئية. ويبدو انه أُنجز هناك تقدم ما. وان زيارة الامين العام للامم المتحدة بان كي مون للمنطقة قد تساعد على ضبط آخر للنفس يتجاوز نافذة الزمن التي حددتها اسرائيل. ان هدف الوسطاء هو التوصل الى اتفاق عام على وقف اطلاق النار أولا والبحث في شروط أكثر تفصيلا بعد ذلك. فاذا لم يتم احراز تسوية فان اسرائيل تهدد مع كل ذلك بغزو بري للقطاع في مدة يوم أو اثنين.

تعلقت الأنباء الطيبة نسبيا أمس بانخفاض آخر سُجل لقوة اطلاق القذائف الصاروخية على الجنوب لليوم الثاني على التوالي. ان هذا التباطؤ لاطلاق الصواريخ قد يعبر عن صعوبة أخذت تزداد لدى الفصائل الفلسطينية في اطلاق قذائف صاروخية بصورة منهجية بسبب اصابة سلاح الجو الدائمة لخلايا اطلاق الصواريخ. وينحصر جزء كبير من اطلاق الصواريخ الآن في المدى القصير الذي هو أقل من 20 كم وقد يشهد هذا على أزمة ايضا.

يُقدرون في الجيش الآن ان الفلسطينيين خسروا وقت العملية ثلث قدرتهم على اطلاق الصواريخ الى مدى 40 كم على الأقل بعد ان دُمر أكثر القدرة على الاطلاق لمدى 75 كم. لكن اطلاق النار عاد واشتد في ساعات المساء بعد اغتيال مسؤول الجهاد الاسلامي الكبير بوقت قصير. فما يزال تخفيف التهديد جزئيا في أحسن الحالات.

كيف تؤثر التطورات الميدانية في ارادة حماس لاستمرار القتال؟ يقول ضباط الاستخبارات للساسة ان المنظمة لا تريد ان تنتقل المواجهة العسكرية الى عملية برية لكنهم يذكرون في نفس الوقت أنهم لا يلاحظون علامات انكسار حقيقية في الجانب الفلسطيني.

أهمية عنصر الزمن

أطلق الجيش الاسرائيلي أمس توثيق زيارة رئيس الاركان بني غانتس للوحدات المتدربة في الجنوب باعتبارها جزءا من تهديد غزة. وقال ضابط رفيع المستوى أمس في حديث مع صحفيين ان القوات مستعدة للعملية.

حينما تنتهي هذه العملية سيكون وقت لاستيضاح دقيق يُبين كيف تطورت العملية الى آلة المعركة الساحقة التي يهدد بها الآن المستوى السياسي. ومع ذلك يجب ان نُذكر بأن كتلة القوات التي تُحشد أمام عدسات التصوير هي عنصر مهم في الضغط النفسي على حماس وأنه ما يزال من الممكن ان يستقر الرأي في نهاية الامر ايضا على عملية محدودة تدخل في اطارها الى القطاع القوات الأكثر تدربا واستعدادا فقط.

لكن الجيش الاسرائيلي بانتظاره الطويل ينحرف عن واحد من الدروس المهمة التي قدسها منذ كانت حرب لبنان الثانية. ففي كل نقاش داخلي في الجيش وفي كل لقاء مع صحفيين بعد الحرب، أكد الضباط الكبار أهمية عنصر الزمن. ودعوا مرة بعد اخرى الى وجوب تقصير أمد القتال. ولا يجوز بأي حال من الاحوال المراوحة والانتظار. فاذا استقر الرأي على عملية عسكرية فانه يُحتاج الى اظهار قوة قوية جدا قدر المستطاع وتوالي العمل بعدها.

صدر الجيش الاسرائيلي عن افتراض انه بذلك سيتم احراز أقصى تأثير في العدو وان طول الاجراءات العسكرية من غير احراز الأهداف يفضي الى ضغط دولي على اسرائيل والى وضع نهاية أقل حُسنا بالنسبة الينا. والى ذلك لما كانت المنظمات الارهابية في الجانب المعادي ليست شريكة في تسوية مكتوبة فان كل ما ينشأ بعد انقضاء الحرب هو تسوية غير مباشرة وغير رسمية يكون عنصر الردع فيها مهما بصورة مميزة.

ليس هذا ما يحدث الآن على حدود القطاع، بالعكس، ان اسرائيل تعود الى فترات الانتظار التي سُجلت في حرب لبنان الثانية، ويبدو ان الانتظار خاصة يسحق بالتدريج انجازات العملية. ان الجيش الاسرائيلي يقول كل الكلام الصحيح بين حرب وحرب، لكن حينما تأتي الجولة التالية يتبين له ان اللاعبات الاخرى – حماس والمستوى السياسي في اسرائيل بقدر لا يقل عنها – غير مستعدات للعب بحسب السيناريو الذي تم تهيئته لها سلفا. ويقوم في مركز التردد السياسي الخوف من الخسائر: وهو كابوس ان تحل محل صورة النصر في اغتيال احمد الجعبري بصاروخ من الجو في أول ايام القتال، سلسلة جنازات عسكرية في اسرائيل في اليوم العاشر. وفي هذه الاثناء يتخطى المستوى السياسي هاتين المادتين.

لا يعتبر "سور واقٍ" غزي يُحتل القطاع كله به من جديد احتمالا واقعيا. ومع عدم وجوده يمكن الحديث عن اجراءات أصغر تزيد في ظاهر الامر الثمن الذي تدفعه حماس. لكن يبدو ان كل يوم انتظار للبشائر من القاهرة قد يُضعف الانجاز الاسرائيلي من بدء العملية ويزيد المخاطرة: بوقوع حادثة كحادثة كفر قانا (اصابة أبرياء في عملية "عناقيد الغضب" وفي حرب لبنان الثانية) وحادثة كفار جلعادي (قتل 12 مظليا احتياطيا بصاروخ كاتيوشا في تلك الحرب) أو مجرد صاروخ غراد يدخل بصورة ما من خلال منظومة القبة الحديدية ويصيب مكانا مليئا بالناس في الجبهة الاسرائيلية الداخلية.

تحدث رئيس الاركان أمس مع القادة عن النابض المتوتر للوحدات على حدود القطاع الذي ينتظر أمره بالعمل. وقد يظل النابض متوترا زمنا محدودا وله في الاثناء تأثير ما ايضا في الجانب الاسرائيلي. ويمكن ان نرى أفضل مثال على ذلك في صورة مصور صحيفة "هآرتس" ايلان إسياغ من مفترق يد مردخاي في ليلة أول أمس حيث يظهر فيها جنود لُونت وجوههم بألوان تعمية يتناولون عشاءا متأخرا. وقد صُبغت الوجوه لأن الجنود كانوا يوشكون ان يدخلوا القطاع الى ان تلقوا أمر الغاء في آخر لحظة، وهكذا اذا لم توجد حرب فلنمضِ لنأكل شيئا ما في ذلك المكان.

يبدو ان هذا جزء من الظاهرة الغريبة لحرب تجري على مبعدة مترين عن البيت لا في صحراء بعيدة في مكان ما. ما نزال بعيدين عن ذلك لكن اذا بدأت هذه الصور – صور الغاء الأوامر العسكرية المكررة وتغيير المهمة في آخر لحظة – اذا بدأت تتكرر فلن يكون من الممكن تجاهل شبه بقضية لبنان. فآنذاك في 2006 أتعب عدم وجهة الحكومة والحيرة في هيئة القيادة العامة القوات في أقصى السلسلة الطويلة إتعابا كبيرا وأفضى ذلك في نهاية الامر الى تآكل كبير في قدرة الوحدات على العمل.