خبر ينبغي النزول عن « عمود السحاب »- هآرتس

الساعة 12:31 م|20 نوفمبر 2012

 

 

بقلم: آري شبيط

كان اليوم الاول من عملية "عمود السحاب" مشحونا بالانجازات. فقد تمت تصفية القائد العسكري لحماس وتم القضاء على منظومة الصواريخ البعيدة المدى لحماس وأُصيبت المنظمة الفلسطينية المتطرفة بصدمة. وكان اليوم الثاني من عملية "عمود السحاب" ايضا ناجحا: فقد تم البرهان على قدرة القبة الحديدية وتم البرهان على صمود الجبهة الداخلية الاسرائيلية وتم البرهان على انه حتى اسرائيل 2012 تتمتع بقدر جيد من الشرعية الدولية والوحدة الداخلية. ان الأخوة الاسرائيلية والدعم الامريكي والتفهم الاوروبي والصمت التركي والتعاون المصري جعلت اسرائيل مساء السبت في وضع استراتيجي جيد كثيرا. وقد تمت ادارة عملية نتنياهو – باراك – غانتس العسكرية في الـ 48 ساعة الاولى بصورة أفضل من حرب لبنان الثانية و"الرصاص المصبوب"، ودُرست دروس فينوغراد ودروس غولدستون وتم استيعابها. وأعادت اسرائيل بناء قدرتها على الردع من غير ان تُسبب قتلا فلسطينيا جماعيا ومن غير ان تُزعزع النظام الاقليمي. فلو ان العملية انتهت قبل اربعة ايام لكانت الرسالة التي تُستوعب في غزة وبيروت ودمشق وطهران رسالة حادة واضحة وهي ان لاسرائيل استخبارات ممتازة وقدرة جوية ساحقة وتصميم قيادة وشجاعة مدنية ودعما دوليا مفاجئا. وانه لا يحسن الاحتكاك بها ويفضل تمكينها من ان تحيا حياتها من غير تحرش بها ومن غير اثارتها من مكمنها مرة اخرى.

لكن اسرائيل في هذه المرة لم تقف في الوقت كما كانت الحال في 2006 وفي 2008 ايضا، فهي لم تنجح في انهاء اللعبة حينما كانت نتيجة اللعبة تميل لمصلحتها. وعلى ذلك فان انجازات "عمود السحاب" المدهشة قد أخذت في الايام الثلاثة الاخيرة تنسحق في حين ازدادت تأثيراتها السلبية حدة. ان القدرة على ضرب حماس العسكرية من الجو قلّت بصورة كبيرة أما اصابة المدنيين الأبرياء فاتسعت بصورة شديدة. والقدرة على مُدافعة الصواريخ الفلسطينية ضعفت في وقت ثبتت فيه قدرتها على جعل مليون مواطن اسرائيلي يعيشون في بؤس زمنا طويلا. تبين لحماس بعد ان خرجت من الصدمة الاولى ان وضعها ليس يائسا وان الزمن في مصلحتها. وستكون مجزرة اخرى غير متعمدة في غزة إن عاجلا أو آجلا. وستتصدع إن عاجلا أو آجلا القبة الحديدية السياسية التي تتمتع اسرائيل بها. وسيسير بنيامين نتنياهو واهود باراك في نهاية الامر في طريق اهود اولمرت وعمير بيرتس ويغرقان حتى عنقيهما في الوحل.

وهكذا فان الاختيار الذي تواجهه اسرائيل بعد خمسة ايام قتال هو نفس الاختيار الذي واجهته في الاسبوع الثاني من حرب لبنان الثانية وفي الاسبوع الثاني من عملية "الرصاص المصبوب" وهو هدنة صعبة أو حرب برية سيئة. وهذا الاختيار هو بقدر كبير اختيار بين الطاعون والكوليرا. لكن الكوليرا أفضل من الطاعون. لن يكون انتصار في قطاع غزة ولن تكون هزيمة لا لبس فيها لحماس. ولما كان الامر كذلك فان التوصل الى تسوية غير كاملة على الحدود الجنوبية أفضل من التورط في عملية برية كثيرة الدماء لا يستطيع أحد ان يعلم ماذا ستكون آثارها.

توجد مطالب لا يجب على اسرائيل ولا تستطيع الهوادة فيها. فيجب ان تكون التهدئة في غلاف غزة مطلقة ولا يجوز ان يُعاد بناء القدرة الصاروخية الحماسية. ويجب على حكومة هنية ان تضبط المنظمات الاسلامية المتطرفة وان تضمن ألا تصبح منطقة الجدار منطقة تحرش، لكن يجب على اسرائيل في مقابل هذه المطالب ان تعرض سلسلة مقابِلات مهمة وهي فتح مصري للمعبر بين قطاع غزة وسيناء مثلا. وتخفيف مراقب للحصار البحري مثلا. واعتراف فعلي بسيادة سلطة حماس وشرعيتها في غزة ما لم تستغل سيطرتها لمهاجمة اسرائيل. فاذا كان مخطط انهاء "عمود السحاب" مخططا يحفظ الحاجات الامنية لاسرائيل وكرامة الفلسطينيين والمصريين والاتراك ايضا فهناك احتمال لصدور الحلو من المر. ومع تصريف الامور بصورة صحيحة قد تفضي النتيجة غير الواضحة للعملية العسكرية خاصة الى انشاء توازن مصالح جديد ومستقر (نسبيا) يمنح الجنوب عدة سنين من الهدوء.

لن يكون من السهل ان تُروج بين الجمهور الاسرائيلي هدنة تشتمل على انجازات مهمة لحماس. لكن توسيع العملية مصحوب بأخطار سياسية واقليمية واخلاقية عظيمة. ولذلك يجب على نتنياهو وباراك وليبرمان ان يتذكروا ما حدث لأسلافهم بعد ان أضاعوا لحظات رحمة سابقة مكّنت من انهاء مبكر لحروب سابقة. وحتى لو انتقد كثيرون الحكومة لأنها لم تمضِ الى النهاية فلا ينبغي للحكومة ان تمضي الى النهاية لأنه لا ينتظرنا أي شيء جيد في تلك النهاية. حسبُنا. حان الوقت للنزول عن "عمود السحاب" والعودة الى ارض الواقع.