خبر عودة الى عقلية المنفى .. معاريف

الساعة 11:31 ص|14 نوفمبر 2012

بقلم: ندف هعتسني

(المضمون: من مجتمع شجاع، واع، ورائد وصلنا الى الشلل. كلما تعززنا ماديا، هكذا فقدنا الثقة بالنفس. زعماؤنا لا يتوقفون عن اطلاق التصريحات الوجودية، ولكنهم لا يتجرأون على أن يعملوا ما كان سيعمله كل رئيس قبيلة منذ زمن بعيد - المصدر).

من فجر مولد الشعب اليهودي منح نفسه لقب "الشعب المختار". ومع الشعب المختار يترافق بالطبع الفهم بأن هذا هو شعب اختير من بين كل الشعوب. وبالفعل، من يدرس سلوك هذا الشعب في العشرين سنة الاخيرة، ولا سيما منذ الحدث الذي سمي "فك الارتباط"، يصل الى الاستنتاج بان الاختيار معنا: لا يوجد أي شعب آخر يتصرف مثلنا – يمتص، يتعرض للضرب، يهان، يُخدع ولا يفعل شيئا.

منذ عهد الكارثة تلقى مفهوم "انت اخترتنا" معنى جديدا وتراجيديا. نتان الترمان، ما كان يمكنه الا ينفجر أمام هذا الاختيار الغريب للشعب المختار، في قصيدة "من بين كل الشعوب" حين كتب: "إذ انك اخترتنا من بين كل الشعوب، من النرويج، التشيكيين، البريطانيين. وفي مسير أطفالنا نحو المشانق، اطفال يهود، اطفال اذكياء، يعرفون بان دماءهم لا تعد بين الدماء". غير أن صرخة ألترمان عن اختيار الشعب المختار في أن يذبح وجهت نحو العالم، نحو الرب وفقط ليس نحونا أنفسنا. والجواب الذي وجده هذا الشعب للخيار الفتاك به كان الانبعاث القومي وقبل كل شيء – التحرر من عقلية المنفى.

وها هو، في عملية مشوقة وباعثة على الاكتئاب جعلنا هذه الميزة ميزة لا يفكر بها اي مجتمع وشعب – عدنا الى لحظة الكف في المنفى. من مجتمع شجاع، واع، ورائد وصلنا الى الشلل. كلما تعززنا ماديا، هكذا فقدنا الثقة بالنفس. زعماؤنا لا يتوقفون عن اطلاق التصريحات الوجودية، ولكنهم لا يتجرأون على أن يعملوا ما كان سيعمله كل رئيس قبيلة منذ زمن بعيد.

مثلما في كل المتلازمات النفسية الشالة، فان الخصي وربط اليدين يأتيان عندنا من الداخل أيضا. وقد بدأ هذا بانتقاد داخلي سام على انجازات 1948 و 1967. واستمر بالادعاء باننا نستفز أمم العالم وهؤلاء سينتقمون منا، وبسخافة وكأن ضبط النفس هو دوما قوة ونحن بصفتنا أقوى، ملزمون بان نتجلد وان نمتص. ويترافق هذا مع تآمر داخلي مستمر لمن يتهموننا كل الوقت، من داخلنا، ويرتبطون باعدائنا في كل العالم.

لقد بلغت العملية الهدامة ذروتها في أيلول 1993 مع التوقيع على اتفاقات اوسلو والقمة الثانية في صيف 2005 في الهرب من قطاع قطيف. فالضعف العقلي انضم الى ضعف جسدي شديد ومتطرف. حقنا أنفسنا بحقنة شالة، تقودنا الى أن نتصرف ككيان نزل عن الخط وفقد الرغبة في العيش. لا يوجد شعب في العالم كان سيدخل الى داخله منظمة المخربين لياسر عرفات ويواصل السماح للسلطة الاجرامية لمواصلي دربه التحريض والوجود. لا يوجد شعب كان سيشتري الادعاء بان الهرب من غوش قطيف سيقطعنا عن المشاكل مع الفلسطينيين، ولا سيما لا يوجد مجتمع، وبالاخص المجتمع الذي يتمتع بأفضلية عسكرية، يوافق على أن يترك ثلث سكانه تحت رعب وهجوم مستمرة؛ بالصواريخ، بالقذائف، وبالدراما اليومية وكأن هذه قوة طبيعية جبارة لا يمكن عمل شيء ضدها. في المزاج الحالي عندنا، ما كانت لتقوم دولة اسرائيل. فهذا لم يكن في أي مرة الزمن الصحيح. لقد اضطررنا الى ادخال عرفات لانه كان الشريك للسلام، والزمن يعمل في غير صالحنا. اقتلعنا مستوطنات غوش قطيف إذ هكذا حققنا القطيعة والسكينة. والان يوجد مرسي واوباما، وبالطبع ايران في الخلفية. توجد جولات وتوجد تهدئة، ودوما هذا ليس الزمن الصحيح، وبالطبع "سنعرف" كيف نعمل بقوة عندما يأتي الوقت المناسب. وهذا الوقت لن يأتي لان الشلل حُقنا به في أجهزتنا العصبية. في تاريخ العالم كانت مجتمعات قوية فقدت نفسها حتى الجنون وهبطت من على مسرح التاريخ. اذا لم نصحو فهذا سيكون مصيرنا أيضا.