خبر حلم الرئيس أوباما الثاني .. علي عقلة عرسان

الساعة 10:09 ص|09 نوفمبر 2012

 

 

ليس مكابرة مني ولا عناداً ولا تطرفاً تأكيد القول بأنني لا أثق بالسياسة الأميركية، ولا أطمئن إلى الشعارات البراقة التي يطلقها ساسة أميركيون، ولا بالكلام المفعم بالمشاعر الذي يقارب الإنساني ويغري بتمثله وحضوره، ويعزف على أوتار " قيم الاعتماد على الذات والحرية الفردية والوحدة الوطنية."، وعلى " مثلنا العليا: الديمقراطية والحرية والفرصة والأمل الذي لا يضعف.. فهذه هي روح العبقرية الحقيقية لأمريكا – أن أمريكا بإمكانها أن تتغير.." مما نسمعه في كثير من المناسبات.. ذلك لأنني لمست ترجمة ذلك وأمثاله من الشعارات والكلام البراق دماء ودماراً على الأرض واستباحة للإنسان وحياته وحقوقه في عدوانية مدمرة، وعنصرية عمياء شرسة، ونزوع استعماري أميركي للهيمنة والسلب والبطش لا يحده حد، وممارسات ضد شعوب وبلدان وحركات تحرر تمتلك مشروعية الحلم بالعدالة والحرية والاستقلال كما يحلم بها ويحاول أن يستعيدها ويسعى إلى تعزيزها رؤساء أميركيون وشخصيات أميركية من مستويات مختلفة وفي مراحل زمنية عدة.. وقد اقتنعت بعمق بأن كل ما هو جوهري وجذري و" مبدئي" في السياسة الأميركية تنغرس جذوره في عنصرية المؤسسين وفي إبادتهم للهنود الحمر بوصفهم " كنعانيين"؟! حسب ثقافة الكراهية التي رافقتهم إلى العالم الجديد، وفي العبودية والتمييز العنصري والعذاب والعدوان، ولم يتخلص ذلك كله بعد من التغذي على تلك الركائز المريضة المشبعة بثقافة ليست من الثقافة في شيء، تلك التي جعلت من الحلم الأميركي مغامرة ورحلات صيد للبشر، تشترط النجاح بأية وسيلة لتكرس مشروعية الفعل وعدالته أياً كان وأياً كانت نتائجه، ولترفعه أنموذجاً يحتذى به و" فييتنام والعراق وأفغانستان من بعض النماذج الكثيرة المثيرة". أقول هذا مع تأكيدي على علو شأن أشخاص أميركيين ناضلوا وما زال بعضهم يناضل من أجل الإنساني والعادل ومن أجل الأفضل، ولسان حالهم اليوم يؤكد على " إننا نستطيع.." جملة الرئيس أوباما المحببة أو المفضلة.. ومنهم مارتن لوثر كينغ وتشومسكي وآخرون كثر.. ممن "استطاعوا" جزئياً ولكنهم دفعوا الثمن ولم يغيروا الماء والتربة والهواء والمناخ الذي يغذي الحلم الأميركي في جذوره العميقة ليكون مغامرة إنسانية بكل معنى الكلمة أكثر منه مقامرة بشرية بكل أبعاد الكلمة.

هناك خيرون ونوايا طيبة لدى كثيرين في تلك الأرض التي ما زال يتصاعد منها أنين العبيد تحت سياط الأسياد وصبيب دم الهنود الحمر في الغابات وعلى الطرقات، والدمع في طريق الدموع ذي الأفي كم طولي بُعْداً.. وهناك فعلاً طموح نبيل ساطع لدى أولئك الأشخاص وغيرهم، ولكن هناك خلل جذري عميق في المعايير وسلالم القيم من جهة، وفي سطوة كبيرة لمؤسسات ونزعات عنصرية حاكمة بالمال والقوة والعرف، وهي من يقرر ويرسم السياسات البعيدة ويضع الاستراتيجيات والبرامج، ويفرض التحركات في نهاية المطاف من جهة أخرى. وتلك المؤسسات والنزعات والقوى متجذرة في المجتمع الأميركي وحاكمة من حيث النفوذ في المؤسسات والسياسات، وتستطيع أن تلجم الطموح الخيِّر وتكسف الشموس الساطعة للأنفس الطيبة.. وهي من يقف بوجه إرادة التغيير المُثلى التي يريد أصحابها من ورائها أن يكون الحلم الأميركي إنسانياً بالمعنى الروحي – الخُلُقي العميق وبالمعنى والبعد العالمي الذي يتوافق مع معايير الشعوب الروحية والخلقية والثقافية ومع مصالحها وتطلعاتها وأحلامها.

أقدم هذا الكلام على ما أحببت أن أبدأ به من كلام بمناسبة فوز الرئيس بولاية ثانية، لأشير إلى الرئيس أوباما الثاني استناداً إلى تجربة الرئيس أوباما الأول، وأعني بهما الشخص ذاته، الرئيس باراك حسين أوباما في دورة رئاسية مضت وأخرى يقف على عتبتها بتفاؤل وتستمر أربع سنوات. لقد أعجبتني شجاعته، وشدني إليه ماضيه البعيد والقريب، أي اصوله الإفريقية ونضاله مثل غيره ضد العبودية، وقرَّبه إليَّ إصرارُه على التغيير وتكرار:" إننا نستطيع" رغم أنه حُجِّم ولُطِم أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة وموقع، لا سيما بعد خطابه في جامعة القاهرة ووعده بدولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، واضطرّ إلى التراجع عن وعود قطعها مثل وعده بإغلاق معتقل "غوانتنامو"، ووضع حد للاستيطان الصهيوني في فلسطين، وإلى التنازل عن نصرة قضايا عادلة تعهد بنصرتها ولو جزئياً ومنها قضية الشعب الفلسطيني.. أقول شدني كلامُه اليوم إلى التبصر أكثر بالإنساني المُلْجَم في أقواله وأحواله وأفعاله، رغم أنه انتفش وانتعش فيه الغرور الأميركي بعد القضاء على بن لادن فمشى على خطا المؤسسات الصهيونية والعنصرية – الاستعمارية الأميركية في إقامة شرق أوسط كبير، " حلم شمعون بيريس"، أو شرق أوسط جديد نسخة بوش الإبن المطورة من مشروع بيريس وهما السيئا الذكر، ثم مضى على سلم غرور القوة ليأخذ بدمير سورية بقصد تغييرها، فهي قلب المشروع الشرق أوسطي وعقدته وعقبته الكأداء ومن يعيق السير على طريق تحقيقه.

لقد شدني صدق الرئيس وعزمُه في خطابه يوم الأربعاء في السابع من تشرين الثاني/نوفمبر 2012 بعد فوزه بالرئاسة للمرة الثانية، كان مبتهجاً وصادقاً وبليغاً، وأشفقت عليه من أحلامه أو أوهامه وأشفقت منه ومن غروره ومن المؤسسات التي تحكمه، فهو يريد بقوة ويتوجه إلى الأميركيين بحزم، في يوم انتصاره، قائلاً: " دعونا نقاوم غواية السقوط مجدداً في نفس التحزب والدناءة وعدم النضج الذي سمم سياستنا لوقت طويل."؟! فهل هذا مطلب يُرتجى تنفيذه من رئيس تحكمه مؤسسات وسياسات وقوى تجذر ذلك الداءُ فيها وترسَّخ في نهج عملها، ومن شعب لا يكاد يعرف ما الذي تفعله إداراته المتتالية وسياساتها العدوانية من " دناءة " بدول العالم وشعوبه، وبأفراد وجماعات من البشر فيه، حتى باسم حقوق الإنسان والحريات العامة والتحرير والتقدم.. إلخ؟! وما تقوم به من جرائم في سجون غوانتنامو وأبو غريب وباغرام والسجون السرية والطيارة في أنحاء من العالم.. وتلك مجرد شواهد على تلك السياسة الأميركية "المسمَّمَة بالدناءة"؟! وهل يستطيع الرئيس أوباما الثاني أن يغير فعلاً في العمق بعد النصر الذي اعتبر أنه " ليس وحده التغيير الذي نسعى إليه – إنه فقط فرصتنا لنحقق ذلك التغيير."؟! ويريد أن يشاركه المنتصرون بفوزه " في عملية إعادة خلق هذه الأمة"، أي الأمة الأميركية؟! ولكن كيف؟؟ إذا كانت "إعادة الخلق" ستتم طوبة طوبة على الأسس ذاتها المستقرة منذ 221 سنة كما أشار، فسيكون هذا النوع من " إعادة الخلق" إعادة تشحيم للمحرك والعجلات لتسير المركبة بسرعة أكثر ويسر أوضح، ولا يوجد في هذا تغيير جوهري هذا فضلاً عن كونه فعلاً يخلو تماماً من " إعادة الخلق" التي تعني الكثير جوهرياً وجذرياً. وإذا كان يدخل في عملية " إعادة خلق الأمة"، وفق تعبير الرئيس، استرداد الحلم الأميركي بمفاهيمه ومعانيه وآفاقه التي وضعها وسار عليها " الآباء المؤسسون" فذاك استرداد للكارثة التي عانى منها أميركيون وشعوب أخرى في العالم.. فالحلم الأميركي فردي وأناني ومغامر وطَموح وتحرري.. لكن على المستوى الشخصي الذي ينتشر قليلاً ليضم المجموعات القريبة التي تشارك الفرد في صفات وتطلعات ومصالح، ولكنه استباحي ولا يعنيني أن يكون إباحياً، وهو لا يقيم حقاً ولا وزناً لسواه، ولا ينظر حامله إلى الآخر إلا من خلال مصلحة ذاتية متورمة وطمع وجشع وميكيافلية متطرفة، ويأخذ بازدواجية متنقلة حسب المصالح والمنافع والسياسات والأهداف، وحامل ذلك الحلم مصاب "بشَوَص أو حَوَل" عندما يتعلق الأمر بالآخرين لا سيما من غير الشركاء والحلفاء؟! فأي حلم أميركي يريد الرئيس أوباما الثاني أن يستعيد يا ترى؟! أعرف أن هذا الجسد الأساس للحلم الذي يتحدث عنه أميركيون كثر ليس هو حلم الأميركيين والأميركيات جميعاً، فهناك من يتلخص حلمه في كسب لقمة العيش والتخلص من القهر والاستغلال، والتوصل إلى امتلاك سكن من دون ملاحقة مميتة وخوف متلاحق.

إنني أوافق الرئيس أوباما، بل أؤيده بصورة شبه تامة، إذا كان الحلم الأميركي الذي يسعى لاستعادته ويطلب من المنتصرين به وله أن يشاركوه السعي والعمل من أجل استعادته، هو كما قال، ذلك المتصل بـ " تلك الحقيقة الجوهرية – أنه من بين كثيرين، نحن واحد؛ أننا ونحن نتنفس نتمنى، وأينما واجهنا سوء الظن والشك وأولئك الذين يقولون لنا إننا لا نستطيع، سنرد بذلك العهد الإيماني الذي يلخص روح شعب: نعم نستطيع.". وهو الحلم الذي مثل له "بآن نكسون كوبر التي تبلغ من العمر 106 أعوام، لقد ولدت بعد جيل واحد فقط من العبودية؛ وهي فترة لم يكن فيها سيارات على الطريق أو طائرات في السماء؛ وعندما لم يكن بمقدور شخص مثلها أن يصوت لسببين – لأنها كانت امرأة وبسبب لون بشرتها.. والليلة، أفكر في كل ما رأته عبر القرن الذي عاشته في أمريكا – لوعة القلب والأمل؛ النضال والتقدم؛ الفترات التي قيل لنا فيها أننا لا نستطيع، والناس الذين قاوموا بهذا العهد الإيماني الأمريكي: نعم نستطيع.. هذه لحظتنا.".. إذا كان ذلك كذلك فتلك استعادة لحلم تاريخي إنساني نضالي عادل ومشروع، إنه حلم التحرر من أشكال الظلم والعبودية والقهر والتمييز العنصري وأحكام القوة المتغطرسة والهيمنة المميتة، ومن ثم فهو حلم الجميع وليس حلم الأميركيين فقط.. وهو ما تتمنى الإنسانية كلها أن تضفيه الولايات المتحدة الأميركية على نفسها في العمق الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي والأمني.. إلخ" لترتاح هي في العمق الاجتماعي الفقير البسيط ويرتاح العالم من شرور وويلات ومآس تسببها السياسة الأميركية له؟ فهل يستطيع الرئيس أوباما الثاني أن يحقق ما عجز عن تحقيقه الرئيس أوباما الأول؟! نتمنى أن يستطيع، وأن يناصره أميركيون وأميركيات كثر من أجل بلوغ هذا الهدف الحلم.. لكي ننعم نحن في الوطن العربي على الخصوص، وفي بلدان العالم الإسلامي وبلدان العالم النامي بصورة عامة بشيء من الأمن والطمأنينة والراحة والسلام.

والله من وراء القصد.