خبر هذه ليست (عاصفة) فلسطين ..رشاد أبو شاور

الساعة 11:19 ص|07 نوفمبر 2012

 (العاصفة) الفلسطينية، الجناح العسكري لحركة فتح، دشنت أولى عملياتها البشارة، في اليوم الأول من عام1965، واعدة بتحرير فلسطين، كل فلسطين، بالكفاح المسلح.

العاصفة لم تحرر فلسطين، ولكنها زرعت بذرة الكفاح المسلح، وهبت تلكم العاصفة على الفلسطينيين في كل أماكن شتاتهم في بلاد العرب، وفي العالم، وداخل فلسطين المحتلة عام 1948، فأيقظتهم من سباتهم، وكان بيانها الأهم الذي لم يقل: نحن أقوياء بأنفسنا، بتمسكنا بحقنا، بإدارة ظهورنا لوعود الأنظمة العربية الكاذبة.

لم تحرر العاصفة فلسطين، ولكنها بعكس ما ينجم عن العواصف الطبيعية.. زرعت في نفوس الفلسطينيين الثقة بقدرتهم، وحين لحقت الهزيمة الثانية بالعرب في حزيران 67 نهض شعب فلسطين بمقاومته، ومنح الأمة الأمل، وشق طريق المقاومة العربية الرافضة للهزيمة، وجاءت حرب الاستنزاف التي خاضها جيش مصر العظيم بعد أن لملم أشلاءه كما في أسطورة أوزيريس.

تلكم هي عاصفة الشعب الفلسطيني التي اجتاحت رياحها الاحتلال الصهيوني المطمئن إلى رثاثة الأنظمة العربية، وتخاذلها وارتباطها، وتبعيتها.

لم يكن صدفة أن تظهر فصائل فلسطينية في مطلع الستينات، وأن تبرز منظمة التحرير الفلسطينية التي أسسها القائد الكبير أحمد الشقيري، بدعم ورعاية مصر الناصرية.

مناسبة حديثي هذا سماعي لخبر يقول بأنه تم إنشاء (عاصفة) أعلنت عنها جهة سورية (معارضة) مسلحة، مدعية أن هذه العاصفة عاصفة فلسطينية تشارك في صفوف المعارضة السورية المسلحة، وأن ميدان عملها سيكون مخيم اليرموك تحديدا، وغيره من المخيمات الفلسطينية الصغيرة على الأراضي السورية!

في ذات الوقت سمعت عن ما يسمى تنسيقية (مخيم اليرموك)، الذي هو لمن لا يعرف عنه شيئا.. يقع جنوب دمشق، مجاورا للقدم، والميدان، والذي لا يفصله عن الحجر الأسود سوى شارع الثلاثين، ويمكن التوجه منه إلى الغوطة الشرقية وبعض قراها، وإلى طريق المطار، وطريق الشام الأردن الدولي، فهو إذا موقع استراتيجي هام لمن يعملون على استثمار موقعه هذا، إن هم نجحوا في بسط نفوذهم عليه.

محاولات اختراق مخيم اليرموك بدأت في وقت مبكر، بهدف الاستحواذ على (الورقة) الفلسطينية، وتوظيفها في وجه الدولة السورية.

لكن المخيم استعصى على المستهينين بخبرات أهله، ومناضليه، ومقاوميه، وتراثهم النضالي.

اختار من خططوا لتوريط الفلسطينيين مناسبة تشييع جنازات شهداء المحاولة الثانية للعبور إلى فلسطين من الجولان، وانحرفوا ببعض الناس في المسيرة، بعملية مدبرة، محرضين على مهاجمة (الخالصة)، البناء الذي يضم عدة مكاتب، وروضة أطفال، وشؤون اجتماعية، ومركزا صحيا للجبهة الشعبية القيادة العامة، ووقع اشتباك دموي جرى فيه ذبح، نعم ذبح، مناضل محرر بطل في العقد السادس من عمره، بعد محاولة حرق المكاتب تماما، بكل من فيها!

لم تتوقف محاولات توريط مخيم اليرموك، فقد جرت عمليات اقتحام سريعة بالسيارات المحملة برشاشات الدوشكا، وبعناصر من مقاتلي المعارضة ، وذلك بغرض جر الجيش السوري للاشتباك معهم في شوارع وأزقة المخيم، بهدف توريط الفلسطينيين، واستخدام المخيم الفلسطيني، ودماء الفلسطينيين، للتشهير بالحكم في سورية.

أقل ما يقال في هذا السلوك، وهذه الممارسات، أنها منحطة أخلاقيا، وتنم عن عقلية لا تتورع عن الاتجار بأقدس المقدسات لتوظيفها تكتيكيا، وفي خدمة سياسات ضيقة الأفق.

لم تتوقف محاولات توريط الفلسطينيين، بل والعبث بدمهم، فتوالت اغتيالات كبار ضباط جيش التحرير الفلسطيني، واقتناصهم وهم يعودون في إجازات من معكسراتهم في قطنا، وداريا، وغيرهما، أو وهم يغادرون بيوتهم متوجهين إلى عملهم في المستشفيات الفلسطينية، وهؤلاء أطباء يحملون رتبا عسكرية، دون أن تكون لهم أية علاقة بما يجري في سورية. لماذا اغتيال ضباط جيش التحرير الفلسطيني، ولمصلحة من بالضبط؟ هل يخفى هدف ضرب جيش التحرير الفلسطيني صاحب الدور البارز في معارك تشرين 73، والدفاع عن بيروت عام 1982؟!

قبل بضعة أيام دخلت مجموعات محمولة بسيارات دفع رباعي مسلحة بالدوشكات في شارع فلسطين، قدمت من حي التضامن الملاصق للمخيم، واشتبكت مع وحدات من الجيش السوري، ووقع ضحايا من أبناء الشعب الفلسطيني الذين تقع بيوتهم على مقربة من حي التضامن، وبهذا تحققت بعض أهداف من خططوا لتوريط الفلسطينيين في مخيم اليرموك.

كان لا بد أن ينظم الفلسطينيون أنفسهم في لجان شعبية، ويحموا مخيمهم، وأن يضعوا مجموعات في مداخل المخيم، تحول دون اختراقه، وتتصدى لمن يحاول اقتحامه، وذلك بهدف النأي بالنفس عن ما يجري في سورية، وحتى لا يكون الفلسطينيون طرفا منحازا، علما أن واجبهم أن يكونوا مع سورية الوطن، ومع الشعب العربي السوري الذي عاشوا معه منذ نكبة عام 48، ومنحتهم حكوماته المتتالية كل الحقوق التي يتمتع بها الشعب السوري، والمواطن السوري، باستثناء حق الانتخاب، وحمل جواز السفر السوري، مع تأمين وثيقة سفر تتيح للفلسطيني السفر والعودة إلى سورية.

منذ أيام تصاعد التوتر حول المخيم، وجرت محاولات لاختراقه بالترافق مع الإعلان عن تشكيل (عاصفة) فلسطينية، وتنسيقية مخيم اليرموك، وجرت هجمات شرسة على (الخالصة) الواقعة في الجهة الجنوبية من المخيم، والتي تعود للجبهة الشعبية القيادة العامة، وعلى بعض أطراف المخيم لاختراقه وفرض أمر واقع بتقسيمه، والإيحاء بأن الفلسطينيين منقسمون بين موالين للنظام، ومعادين له انحازوا للمسلحين المعارضين!

يوم الأحد الماضي 4 الجاري سقط في المخيم23شهيدا من اعتداءات المسلحين الذين حاولوا اقتحام المخيم من منطقة (يلدا) وحي التضامن، والحجر الأسود، وهؤلاء جميعا يتحركون في الغوطة الشرقية.

لقد بات المخيم هدفا، ولذا كان لا بد من تشكيل لجان شعبية تسيطر على مداخل المخيم الرئيسة، وترصد كل محاولات الاختراق، وتدافع عن المخيم، وهذا اقل ما يتوجب على الفصائل الفلسطينية أن تفعله، وهو يقع تحت عنوان: حماية المخيم، ورفض التورط في الصراع الدائر في سورية، الذي لم يعد سرا أن هناك من يغذيه بالسلاح والمال، ولوجستيا: السعودية، وقطر، وتركيا، برعاية المايسترو: أمريكا.

أقل ما يفعله الفلسطيني في سورية أن يقف على الحياد، فسورية تستحق منه الحفاظ على وحدتها، وعلى وحدة شعبها الوطنية، ورفض التدخل في شؤونها الداخلية من قوى الشر والتآمر التي تهب من بلادها رياح السموم التي عصفت دائما بأحلام ملايين العرب، ولم تكن سوى أرض للتآمر على أقدس قضايا الأمة، وفي المقـدمة منها قضية فلسطين.

هذه (العاصفة) كاذبة، حتى لو جندت فلسطينيين مجهلين، أو حاقدين، ولا بد أن تفضح فهي جزء من مؤامرة أكبر ترمي لتفجير الصراع بين الفلسطينيين في سورية، كأنما لا يكفينا الصراع بين غزة ورام الله، وتغييب قضيتنا على مدى سنوات منذ انقلاب حماس وهيمنتها على قطاع غزة بتشجيع من قيادة الأخوان المسلمين الدولية!

في الدفاع عن مخيم اليرموك، وبقية مخيماتنا الفلسطينية في سورية غير مقبول أي موقف يدعي الحياد، لأنه في الجوهر لعب بدم أهلنا، وبقضيتنا، وهو عمل انتهازي مدان، وتخل عن الواجب والانتماء.