خبر دعوة للتحقيق في غارة إسرائيل على الغاز المصري ..فهمي هويدي

الساعة 01:55 م|06 نوفمبر 2012

كل ما هو مطلوب الآن أن يفتح ملف التحقيق في قضية الغارة الإسرائيلية على مكامن ثروة الغاز الهائلة التي تقع داخل الحدود المصرية. فالأمر أجل من أن يسكت عنه وأخطر من أن يتم التهاون فيه.

(1)

هو خبر طيب لا ريب، ان تشير التقارير العلمية إلى أن منطقة شرق البحر المتوسط تحفل بثروة هائلة من الغاز الطبيعي، وأنه يتم الإعلان عن اكتشافات في تلك المنطقة تجاوزت احتياطاتها 1,22 تريليون متر مكعب قدرت قيمتها الحالية بنحو 220 مليار دولار، لكن المفاجأة في الأمر أن تقع تلك الثروة في داخل حدود مصر الاقتصادية، وان يتم الاكتشاف لحساب بلدين هما إسرائيل وقبرص. والمؤسف، بل الصادم والمفجع، ألا تحرك مصر ساكناً، وأن تقف متفرجة على ما يجري، بل وأن تبدي استعداداً لتمريره وغض الطرف عنه.

رويت القصة في الأسبوع الماضي، واستندت فيما ذكرت إلى تقارير وشهادات لثلاثة من أهل الاختصاص بالموضوع، هم الدكتور نائل الشافعي خبير الاتصالات المصري المقيم في نيويورك، والدكتور خالد عبد القادر عودة رئيس قسم الجيولوجيا بجامعة أسيوط والسفير إبراهيم يسري مدير الشؤون القانونية الأسبق بوزارة الخارجية، وهو من سبق ان رفع مع آخرين قضية فسخ عقد بيع الغاز الطبيعي المصري لإسرائيل.

خلاصة المعلومات الأساسية في القضية أن ثمة جبلاً غاطساً في شرق البحر المتوسط يرتفع أعلى قاع البحر بنحو ألفي متر، يعرفه الجيولوجيون باسم إراتوستنيس. وهو العالم السكندري الذي كان ثالث أمناء مكتبة الإسكندرية في عصرها الذهبي (نحو 200 سنة قبل الميلاد) وكان أول من أشار إلى خصوصية تلك المنطقة في شرق المتوسط، التي تمثل سفوح الجبل. ومنذ الستينيات بدأ التنقيب في المنطقة ومسحها جيولوجياً، إلى ان تحدثت التقارير، التي ذاعت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، عن أنها تضم احتياطات من الغاز هي الأكبر في العالم، وأنها تبشر بنقلة كبرى يمكن ان تحدث في المنطقة المحيطة، لا تقل أهمية عن النقلة التي حدثت في منطقة الخليج اثر اكتشاف النفط فيها خلال القرن الماضي.

(2)

في ختام مقاله الأسبوع الماضي وقفت عند السؤال: ما العمل؟ لم يكن ذلك هو السؤال الوحيد، لكنني اعتبرته عنواناً لقائمة الأسئلة الفرعية التي ينبغي أن تثار عند فحص القضية. ولا أظن أننا يمكن أن نختلف حول أهمية التثبت من المعلومات الأساسية الخاصة بالموضوع. وأبرزها ما يتعلق بموقع الاكتشافات التي تم الإعلان عنها وما إذا كانت تدخل حقاً في نطاق المنطقة البحرية الاقتصادية الخالصة لمصر. إذ المعلوم أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقعة في عام 1982 قدرت الحدود الاقتصادية البحرية بمسافة 200 ميل بحري. وإذا ما ثبت ذلك فإننا نصبح بإزاء عدوان صريح على حدود الملكية المصرية، يزعم للغير حقوقاً وأطماعاً في محيط الغير بالمخالفة للقانون الدولي.

أدري أن من يسرق وطناً لا يجد غضاضة ولا يستغرب منه أن يسرق بئراً، لكننا نتحدث عن تحرير الوقائع من الناحية القانونية لإثبات الحقوق، إلى جانب ذلك فإن جهداً يتعين أن يُبذل لتحديد حجم الاحتياطيات من الغاز الكامنة في تلك المنطقة وما هي الدول التي لها ان تستحوذ عليها أو تتشارك فيها. صحيح أن إسرائيل تتصرف في الوقت الراهن كما لو أنها الجهة المسيطرة والمسؤولة عن حقول غاز المتوسط، بدليل أنها منخرطة فعلياً في عمليات بيعه وتصديره، إلا أن ذلك يُعدّ من قبيل الاغتصاب والقرصنة الذي أرادت به أن تقيم أمراً واقعاً تفرضه على الآخرين، مستلهمة في ذلك خبرتها و«نجاحاتها» في اغتصاب فلسطين وتهديد الأرض المحتلة.

يتفرع عما سبق سؤال آخر عن ترسيم حدود مصر البحرية الاقتصادية، سواء فيما خص الجهة التي تتولى هذه العملية أو ما خص اتفاقات الترسيم الجزئية التي حدثت، ذلك انني فهمت مما اجريته من اتصالات ان وزارة البترول والثروة المعدنية في مصر ليست لها علاقة بهذه العملية، وقيل لي إن هيئة العمليات بالقوات المسلحة هي التي تتولى الترسيم، ثم تبعث به إلى وزارة البترول لكي يتولى خبراؤها التحرك في الحدود المرسومة. وهو ما يثير بدوره عديداً من علامات الاستفهام والتعجب حول أسباب انفراد هيئة العمليات بتلك المهمة. ذلك ان هناك فرقاً بين ان تكون القوات المسلحة طرفاً في العملية وبين ان تنفرد بها مستبعدة الجهات الفنية الأخرى التي ينبغي أن يكون لها كلمة في الموضوع. والحالة التي نحن بصددها نموذج يشهد بأن ترسيم الحدود البحرية مع الجيران مهمة أكبر من ان تنفرد بها القوات المسلحة.

الثابت ان مصر وقعت اتفاقية لترسيم الحدود مع قبرص اليونانية في العام 2003. لكن تلك الاتفاقية لم تحدد نقطة البداية من الشرق مع إسرائيل، وكانت نتيجة ذلك أن إسرائيل قامت في العام 2010 بحفر حقل «ليفياثان» على السفح الجنوبي لجبل إراتوستنيس، حيث اعتبرت قبرص ان لإسرائيل حقاً في تلك المنطقة، رغم ان ملكية السفح ثابتة لمصر منذ 200 سنة قبل الميلاد، وهو يبعد مسافة 190 كيلومتراً في حين يبعد عن ميناء حيفا مسافة 235 كيلومتراً.

الأمر يتجاوز إعادة النظر في اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص التي كانت مدخلاً لإهدار حقوق مصر في غاز شرق المتوسط، لأن التعامل الجاد مع الموضوع يقتضى إعادة ترسيم حدود مصر في المنطقة الاقتصادية البحرية بين مصر وإسرائيل وقطاع غزة، كذلك الحدود الاقتصادية الخالصة لتركيا واليونان المقابلة للساحل الشمالي من الإسكندرية للسلوم، ولا بأس من ترسيم الحدود مع جمهورية شمال قبرص التركية، وهو جهد لا شك أنه سوف يحظى بتأييد ومساندة من تركيا.

(3)

اعتمد في استخلاص هذه النقاط على دراسة الدكتور خالد عبد القادر عودة والدكتور نائل الشافعي. وعلى التقرير الذي أعدته لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى. وقد لاحظت اتفاقاً بين الأطراف الثلاثة على ضرورة إجراء مجموعة من التحقيقات لاستشكاف ملابسات التفريط في حقوق مصر والاستهانة بمقومات وعناصر أمنها القومي. من تلك التحقيقات ما يلي:

ـ تحري ملابسات إعلان الحكومة المصرية إنهاء التعاقد على إمداد إسرائيل بالغاز الطبيعي في 22 أبريل من العام الحالي وبين إعلان شركة ATP للنفط والغاز الأميركية بعد ثمانية أيام فقط (في 30 نيسان/أبريل) عن بدء تطويرها لحقل «شمشون» البحري لحساب الحكومة الإسرائيلية وما يثير الحيرة في هذا الصدد ان التزامن بين القرارين لا يمكن أن يكون مجرد مصادفة. وأن الحكومة المصرية التزمت الصمت حينذاك، رغم أن حقل «شمشون» يقع داخل الحدود المصرية. أيضاً لا بد أن يستوقفنا أن إسرائيل سكتت بدورها عن إلغاء عقد الغاز مع مصر رغم انه يمثل نحو 43٪ من احتياجاتها. وهو سكوت ليس مألوفاً ومريب أيضاً، الأمر الذي يثير السؤال التالي: هل تمت العملية من خلال صفقة بين الطرفين، بمقتضاها سكتت الحكومة المصرية على عدوان إسرائيل على حقوقها، كما سكتت الحكومة الإسرائيلية عن فسخ مصر لعقد إمدادها بالغاز؟

ـ التحقيق في ملابسات الانسحاب المفاجئ لشركة شل من امتياز شركة المتوسط المصري (نمييد) الممنوح لها في شمال شرق البحر المتوسط، الذي يشمل السفح الجنوبي لجبل إراتوستنيس في شهر مارس عام 2011. بعد مضي سبع سنوات على إعلان الشركة في شهر فبراير عام 2004 عن اكتشاف احتياطيات للغاز الطبيعي في بئرين على عمق كبير في شمال شرق البحر المتوسط. وحديث الشركة عن انها ستبدأ المرحلة الثانية من عملية الاستكشاف ـ التي تستمر أربعة أعوام ـ لتحويل المشاريع المكتشفة إلى حقول منتجة. لم يكن الانسحاب مفاجئاً فقط لكنه كان مريباً بدوره أيضاً، لأن الشواهد دلت على ان الشركة ظلت تعمل في المنطقة لمدة سبع سنوات، وأنها حققت نتائج إيجابية مبشرة جراء النجاحات التي حققها الحفر، إلا انها تخلت عن دورها بعد كل تلك الجهود والتكاليف، الأمر الذي يشي باحتمال التواطؤ مع إسرائيل لكي تستولي على الموقع نفسه الذي توقعت مصر أن تتحول آباره إلى حقول منتجة.

ـ التحقيق في تقاعس البيروقراطية المصرية عن متابعة الرسائل والاتصالات التي وجهتها كل من اليونان وتركيا إلى القاهرة، لاتخاذ موقف إزاء التغول الإسرائيلي والتواطؤ القبرصي معها الذي استهدف نهب الغاز الواقع داخل الحدود البحرية المصرية. وقد بلغ ذلك التقاعس حداً دفع بعض المسؤولين المصريين إلى الإعلان عن تمسكهم باتفاقية ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية مع قبرص، رغم ما فيها من إجحاف، بل إن وزير البترول المصري السابق صرح ذات مرة بأن الاكتشافات القبرصية للغاز لا تقع ضمن الحدود البحرية المشتركة. وهو تصريح تكذبه الخرائط، فضلاً عن أن الموضوع خارج عن اختصاصه.

(4)

أنهي هذه الجولة بالتأكيد على عدة نقاط هي:

ـ إن ما حدث من جانب إسرائيل في موضوع الغاز يمثل عدواناً على السيادة المصرية، وإخلالاً باتفاقية السلام المبرمة مع مصر.

ـ إن مصر من حقها ان تطالب إسرائيل وقبرص بحقها ونصيبها من الغاز المستخرج من بئري «ليفياثان» و«افروديت» الواقعين في سفح الجبل الغاطس إراتوستنيس بالتداخل مع المنطقة البحرية الاقتصادية المصرية التي تمثل جزءاً من امتياز شركة شمال شرق المتوسط المصري (نيميد) وقد منح لشركة شل عام 1999 وانسحبت منه الشركة بعد ذلك.

ـ إن الاتصالات الدبلوماسية والتحكيم الدولي خياران متاحان لمصر لكي تحصل على حقوقها أو لكي تثبتها عند الحد الأدنى.

ـ إن بوسع مصر ان توسع دائرة التحرك بالتعاون مع تركيا لإقامة محور يضم لبنان وغزة وقبرص التركية للحفاظ على حقوق تلك الدول والاطراف في الثروات الاقتصادية الموجودة في باطن شرق البحر المتوسط. وإنشاء ذلك المحور ضروري لمواجهة محور إسرائيل ـ قبرص اليونانية.

ـ اثبتت التجربة ان ثمة ضرورة عاجلة لأن تسعى مصر لامتلاك القدرة على تصوير أراضيها ومياهها عن طريق قمر صناعي خاص من تصميمها، وهو مشروع يستحق اكتتاباً شعبياً يؤسس لنواة وكالة الفضاء المصرية.

إن النخبة المصرية مشغولة بمعاركها وحساباتها وحصصها، ولا اعرف ان كان بينها من هو مستعد لأن يفكر في مستقبل الوطن وما يحيط به، لكنني أزعم أن هناك ضرورة لتقصي حقائق هذه القضية، لأننا إذا لم نعرف بعد إلى أين نحن ذاهبون، فينبغي ألا يستكثر أحد علينا أن نفهم ما يجري حولنا وفى محيطنا.