خبر عن الشجاعة والصراحة -يديعوت

الساعة 11:11 ص|05 نوفمبر 2012

عن الشجاعة والصراحة -يديعوت

بقلم: دوف فايسغلاس

ان كل من أجرى ذات مرة حديثا سياسيا مع ناس من الحياة العامة فلسطينيين انتبه الى الهاوية الفاغرة بين الكلام الذي يُقال همسا في الغرف المغلقة وبين الذي يُسمع علنا؛ ففي حين يكشف أكثر المتحدثين الفلسطينيين في مقامات سرية عن اعتدال مع تفهم عميق للواقع وتفريق واضح بين المرغوب فيه والموجود وبين الحلم والواقع، يصدر عنهم على الملأ كلام مختلف، يناقض احيانا الحديث الخاص ويبلغ حد القطيعة مع الواقع.

أبو مازن زعيم فلسطيني مختلف باطنه كظاهره. ويتميز بأنه لا يحجم عن ان يقول بصورة معلنة وعلى الملأ كلاما يهمس به أكثر زملائه؛ وليست مواقفه جديدة بالضرورة لكنها ظاهرة وليست عنده "حقيقة مهموسة".

عرفنا ذلك ولم يكن ذلك لأول مرة في حزيران 2003. كانت الانتفاضة الثانية آنذاك في ذروتها؛ وكان ارهاب المنتحرين يضرب اسرائيل وكانت اسرائيل تضرب الفلسطينيين بأشد من ذلك بأضعاف. وتحفظ أكثر القادة الفلسطينيين الذين تحدثنا اليهم في ذلك الوقت في أحاديث خاصة وبصورة صارمة من ارهاب المنتحرين ونددوا بالقائمين به لكن ذلك كان "همسا" دائما. وفي العلن سُمي ارهاب المنتحرين القاسي "كفاحا مسلحا"، وقام رئيس الوزراء الفلسطيني أبو مازن وحده آنذاك – وهو "اللاشريك" الدائم لحكومة اسرائيل الحالية – قام في مدينة العقبة في مؤتمر شارك فيه رئيس الولايات المتحدة جورج بوش والملك الاردني عبد الله ورئيس الوزراء اريئيل شارون، وأمام وسائل الاعلام وفي حضور ملايين المشاهدين والمستمعين في أنحاء العالم قال انه لن يكون حل عسكري للصراع وانه "سيوقف الارهاب على الاسرائيليين في كل مكان يوجدون فيه". وقال ان الارهاب يناقض التراث الفلسطيني والتراث الاسلامي ووعد قائلا: "سنستعمل جميع الموارد كي نوقف الانتفاضة العسكرية. ان الهدف واضح وهو انهاء مطلق للعنف والارهاب، وعمل صارم على مواجهة التحريض على العنف والكراهية".

هذا ما قيل لا اليوم، بعد سنين من الهدوء والتهدئة النسبية، بل في ذروة العنف والعداء بين الاسرائيليين والفلسطينيين. ولم يكن يوجد جديد في جوهر الخطبة، فأكثر الفلسطينيين الذين تحدثنا اليهم في تلك الايام الفظيعة كانوا يعتقدون اعتقاده وأدرك أكثر الفلسطينيين ان الارهاب فظيع بالنسبة لاسرائيل وفظيع أكثر من ذلك بأضعاف بالنسبة للفلسطينيين. وقد أدركوا وعلموا وهمسوا وعبر أبو مازن عن ذلك الامر بصوت جهير. وكرر ذلك في يوم الجمعة الأخير وبنفس الحزم في مقابلة صحفية مع التلفاز الاسرائيلي بقوله انه ما بقي يتولى منصبه فلن يكون ارهاب ولن تكون انتفاضة مسلحة، وقال في جزم "لا نريد استعمال القوة أو السلاح".

وقال أبو مازن في شأن طلب العودة الفلسطينية الذي يبدو انه الأصعب من عناصر الصراع، قال بصوت جهير كلاما "يهمس به" فلسطينيون آخرون وهو انه لن يكون حق عودة. فهو من صفد وهو يريد ان يزورها لكن لا يريد ان يسكن فيها. فصفد في دولة اسرائيل وفلسطين بالنسبة اليه هي قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. يُعرف أبو مازن نفسه بأنه "لاجيء يسكن رام الله" لكنه يعود ويؤكد ان غزة والضفة وشرقي القدس هي فلسطين بالنسبة اليه وان "جميع الأجزاء الاخرى هي اسرائيل". وهو يقول بصوت جهير صاف ما يدركه ويعرفه أكثر الفلسطينيين وهو ان طلب العودة لن يتحقق الى الأبد. فهو مرفوض من الجمهور كله في اسرائيل ومن أكثر المجتمع الدولي ولا يستطيع الفلسطينيون تطبيقه. ليس حق العودة قائما بالفعل إن لم يكن بصورة نظرية. ان طلب العودة هو بمنزلة حلم أو فكرة وليس هو من عالم الواقع.

لم يجدد أبو مازن في واقع الامر شيئا بل عبر فقط بصوت جهير وبشجاعة وصدق عما هو معلوم أصلا لأكثر الجمهور الفلسطيني ويستحق لذلك التقدير والاجلال. فهو شخص شجاع صريح. فما الذي يجب ان يفعله بعد كي يُعترف بأنه "شريك"؟.