خبر « خِرافُ » غزّة لا تخشى سَاطور « الجلاد »

الساعة 05:33 م|25 أكتوبر 2012

وكالات

حينما بدأ رشَاد الجَملَة، عمله كـ"جزار"، في قطاع غزة، قبل نحو 30 عامًا، كانت "الخراف"، هي الضحية الأولى لسكينه الحادة، و"ساطوره" الثقيل، خلال موسم تقديم الأضاحي، في أيام عيد الأضحى المبارك.

لكن الحال تغير اليوم كثيرًا، حيث أنقذ "مخلوق" آخر، الخراف "المسكينة"، من حد سكينه، لدرجة أن رؤية "خروف" يساق إلى "مذبحه"، تصيب الناظر بالدهشة والتساؤل.

فسكان قطاع غزة، يفضّلون اليوم، تقديم "العجول" كأضاح خلال العيد، حيث يشترك كل 7 أشخاص في أضحية واحدة، تقسّم فيما بينهم.

الجَملَة الذي ورث مهنة "الجزارة" أبًا عن جد، كما يقولون، يشير إلى أن تقديم العجول كأضاح لم يكن موجودًا مطلقًا حينما بدأ عمله كجزار، في ثمانينيات القرن الماضي.

ويضيف قائلاً لمراسل وكالة الأناضول للأنباء: "عندما كنت أذهب مع والدي وأنا صغير لذبح الأضاحي، لم أكن أرى سوى الخراف تذبح".

ويستطرد: "كان والدي يذبح في اليوم أكثر من 60 خروفًا أما البقر والعجل لم أره قط في تلك الأيام".

أما اليوم، فإن الجملة، يذبح، برفقة أولاده، قرابة 40 عجلاً في أيام العيد، بينما لا يذبح في مقابلها سوى خروف واحد أو اثنين على الأكثر.

ويفسّر الجملة هذا "الانقلاب" الكامل في عادات الأهالي إلى عدة عوامل، أهمها: "تغير الأنماط الغذائية لدى السكان، الذين اعتادوا على لحوم البقر، وباتوا ينفرون من لحوم الضأن الدسمة".

ويكمل: "ارتفاع لحوم الأغنام دفع الناس نحو لحوم البقر، ورويدًا رويدًا اعتادوا عليها، ولم يعودوا يستسيغون لحوم الضأن، كما في السابق".

ومن الأسباب المهمة كذلك - حسب الجملة - رغبة السكان في إرضاء أكبر عدد ممكن من الأقارب والمعارف، وهذا ما توفره أضحية العجل، التي تعطي لحمًا بكمية تقترب من ضعف ما يعطيه الخروف من لحم.

وأردف: "عملية توزيع اللحوم بين الأهل والجيران والمعارف تسبب الكثير من الإحراج فحجم الخروف الذي يزن حيًا (60 كيلوجرامًا) لن يعطي أكثر من 20 كيلوجرامًا من اللحم الصافي، أما الحصة الواحدة في العجل، فتعطي المضحي قرابة الـ 40 كيلوجرامًا من اللحم الصافي".

وتابع يقول: "كما أن سعر كيلو لحم الخروف يتراوح ما بين 7-8 دولارات، أما كيلو العجل فيصل إلى 5-6 دولارات".

ويوافق ياسر عبد الغفور، الناشط الحقوقي، القاطن في مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، على كل ما قاله "الجزار" الجملة، حيث اختار كغيره من سكان قطاع غزة، أن يتقاسم مع آخرين "عجلاً".

يقول عبد الغفور: "كمية لحم الخروف لا تكفي الأهل والمعارف، كما أن جزءًا منهم لا يستسيغون طعمها".

كما أن الاشتراك بـ(حصة في عجل) تريح المضحي، من عناء تفاصيل عملية الذبح، وتوابعها، فهناك من سيتولى عنه كل هذه الأمور.

ويقول عبد الغفور لمراسل وكالة الأناضول للأنباء: "كان أبي قديمًا يضحي بخروف، لكن اليوم غالبية الناس هنا يضحون بالعجول، وأعتقد أنها أفضل".

وتحتفل غالبية البلاد الإسلامية غدًا الجمعة بعيد الأضحى المبارك.

ويقول مراسل وكالة الأناضول في قطاع غزة، إن عمليات ذبح العجول، تتحول إلى ما يشبه "الاحتفالية"، حيث يحضره المضحون إلى المنزل، فيما تتجمع أعداد كبيرة من السكان لمشاهدة عملية الذبح.

وقد تشهد عملية الذبح بعض الإشكاليات نتيجة قوة العجل، ومحاولاته للفرار، وقد يلحق كذلك إصابات خطرة بالجزار.

ويفسر مدير دائرة التغذية في وزارة الصحة الطبيب عدلي سكيك ظاهرة التحول من الإقبال على لحوم الضأن، إلى لحوم الأبقار بقوله: "الناس قديمًا كانت تبذل مجهودًا كبيرًا في أعمالها مما يعمل على حرق الدهون أما اليوم فبسبب توفر وسائل الراحة، وما ينتج عنه من تكديس الدهون في الجسم فقد دفع هذا الناس إلى تغيير عاداتهم".

وأكد سكيك لمراسل وكالة الأناضول للأنباء، أن تناول لحم الخروف بشكل مفرط يسبب بعض المشاكل في عملية الهضم فيبدأ الجسم في الانتفاخ والحموضة الزائدة، بالإضافة إلى ترسب الكولسترول في جدار الشرايين مما يعمل على تصلبها على المدى الطويل.

وأضاف: "تناول لحم الخروف قد يتسبب في الإصابة بالذبحة الصدرية أو جلطة القلب وانسداد شرايين المخ وانسداد شرايين الكلى وبالتالي ستؤدي إلى الوفاة".

وأشار سكيك إلى أن لحم البقر لا يحتوي على نسب عالية في الدهون وهي لحوم حمراء تفيد الجسم ولا تسبب أمراضًا مثل لحوم الضأن.

كما نبه سكيك المسلمين خلال أيام العيد، إلى ضرورة "عدم شرب مرق لحم الخروف الذي يحتوي على نسب عالية من الشحوم والدهون التي تسبب آلامًا في المفاصل وتسبب أيضًا مرض النقرس".

وكانت مسألة ذبح العجول المسمنة، التي لم تبلغ العامين من العمر، تثير جدلاً فقهيًا، لكن مديرية أوقاف غزة أفتت الأسبوع الماضي بجواز ذبحها.

وقال مدير مديرية أوقاف غزة أسامة سليم في بيان صحفي أصدره: "أكد عدد من كبار العلماء في قطاع غزة في البيان الفقهي التوضيحي لهذه المسألة أنه إذا دعت الضرورة ورفعاً للحرج عن الأمة، فالأضحية بالعجول المسمنة وافرة اللحم التي لا تتميز عما بلغ السنتين من العجول غير المسمنة تجزئ عمن لم يجد ذات السن المنصوص عليها".

واستشهد العلماء في فتواهم بقوله تعالى في الآيتين القرآنيتين: "فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم" وقوله "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها".