خبر الانتخابات الإسرائيلية بين الصراع الاقتصادي والتصعيد الأمني..حلمي موسى

الساعة 09:52 ص|15 أكتوبر 2012

دخلت إسرائيل معركتها الانتخابية بإعلان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تقديم موعد الانتخابات. وصار واضحاً أن الانتخابات ستجري ما بين أواخر كانون الثاني ومطلع شباط وهو أمر سوف يحسم قريباً مع عودة الكنيست إلى دورتها الشتوية. ويؤمن كثيرون في إسرائيل أن الدافع الأساس لإجراء الانتخابات المبكرة اقتصادي في أساسه مع أبعاده الاجتماعية التي حالت دون موافقة عدد من أعضاء الائتلاف على تمرير الميزانية العامة المتضمنة تقليصات بعيدة المدى. ولكن أغلب المراقبين يرون أن معركة الانتخابات لن تجر في إسرائيل على أرضية اقتصادية وإنما على أرضية أمنية سياسية.

وبديهي أن نتنياهو الذي كان على مرّ السنين الفائتة «السيد إيران» عبر تركيزه على الخطر النووي الإيراني واعتباره خطراً وجودياً أوصل هذا الهاجس إلى ما يشبه الاستحواذ. ومعلوم أن ذلك أثار خلافات مع الإدارة الأميركية التي رأت أن هناك أساليب أقل عنجهية يمكن سلوكها لضمان تحقيق الأهداف ذاتها. بل أن البعض في إسرائيل انتقد نتنياهو لتركيزه على الشأن الإيراني واعتبر أن التركيز أضرّ بالمطالب الإسرائيلية وأبعد فرص وضع خطوط حمراء حقيقية.

ويختلف كثيرون في إسرائيل مع بعضهم البعض حول الحجم الذي ستحتله إيران في المعركة الانتخابية الجارية. ويرى كثيرون أنه رغم ميل نتنياهو للتركيز على هذا الأمر مستخدماً رصيده الذي سجله لدى قسم كبير من الإسرائيليين بأنه وضع الشأن الإيراني على رأس سلم الاهتمامات العالمية. غير أن بعض معارضيه يصرّون على أن إثارة الموضوع الإيراني كمكسب سوف يجرّ على نتنياهو انتقادات حادة، خصوصاً لجهة إضراره بالعلاقات مع الإدارة الأميركية.

وربما لهذا السبب ينظر آخرون إلى مصلحة نتنياهو في إثارة الشأن الأمني الملموس والمباشر مع كل من المقاومة في قطاع غزة والمقاومة في لبنان. ويشهد على ذلك تكثيف عمليات الاغتيال التي ينفذها الجيش الإسرائيلي ضد مقاومين داخل قطاع غزة وما تجره من ردود فعل فلسطينية يمكن أن تقود إلى تصعيد. كما تشهد على ذلك الفعاليات الإسرائيلية في لبنان والتي قادت حزب الله إلى إظهار جانب من قدراته بإرسال الطائرة من دون طيار لتسجيل هدف ردعي في شباك الأمن الإسرائيلي.

ورغم أن قاعدة التعامل العسكري الإسرائيلي مع كل من قطاع غزة ولبنان تفيد بفعل كل شيء عدا شن الحرب، إلا أن خبراء في إسرائيل لا يستبعدون أيضاً وقوع الحرب. ففي غزة تحاول إسرائيل طوال الوقت الإيحاء بأن عمليات الاغتيال التي تنفذها هي إشارة لواقع أن هناك محاولات أكثر من جانب جهات مقاومة في القطاع لتنفيذ عمليات. وأن هذه المحاولات تغطي السعي لإطلاق صواريخ متفرقة من القطاع أو محاولات تنفيذ عمليات عبر السياج الأمني أو حتى تنفيذ عمليات عبر الأراضي المصرية في سيناء.

ويهدد قادة عسكريون إسرائيليون بأنهم لا يرون مجالاً للخروج من حالة التصعيد المتواتر هذه إلا بعملية برية واسعة في القطاع تضمن أطول فترة ممكنة من الهدوء لسكان مستوطنات غلاف غزة. وتزايدت هذه التهديدات على وجه الخصوص بعد مشاركة حماس والجهاد الإسلامي في الجولة الأخيرة للقصف الصاروخي رداً على الاغتيالات وهو ما اعتبرته إسرائيل محاولة لتغيير قواعد اللعبة. غير أن المعلقين يعتقدون أنه رغم التهديدات، وبسبب حساسية الوضع الإقليمي، من الصعب جدا تنفيذ إسرائيل تهديداتها بعملية برية واسعة في القطاع وستبقى تدور في محور قواعد اللعب السابقة القائمة على محدودية الفعل ورد الفعل. ويصعب تخيّل حدوث تغييرات جوهرية في القطاع تقود حماس أو قوى مؤثرة أخرى هناك إلى تغيير هذه الصورة في فترة قريبة.

غير أن هذا ليس حال الجبهة الإسرائيلية مع لبنان. فاللعبة هناك تدار على نطاق أوسع إقليمياً ودولياً. وليس صدفة أن المراسل العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل يعتبر حزب الله العدو الأشدّ تعقيداً لإسرائيل حالياً ليس فقط لاعتبارات وسائل القوة وإنما أيضاً للظروف اللبنانية والإقليمية. وقد هدّدت إسرائيل مراراً بأنها جاهزة للعمل في لبنان إذا تحقق واحد من اثنين أو ثلاث: نقل أسلحة استراتيجية كصواريخ بعيدة المدى أو مضادات متطورة للطائرات أو تنفيذ حزب الله لعمليات ضد إسرائيليين في الخارج أو على الحدود.

غير أن التهديد الإسرائيلي ردعي وتحذيري الطابع وليس فقط لاعتبارات إقليمية. ومن الجائز أن نجاح حزب الله مؤخراً في إرسال طائرة متطورة إلى العمق الإسرائيلي عرض طرف خيط القدرات التي يمتلكها الحزب. والواقع أن المعلقين الإسرائيليين يشهدون على أن حزب الله، ورغم فوارق القوة مع إسرائيل بالمعنى الشامل، خلق نوعاً من توازن الردع الذي يحول دون إسراع إسرائيل في الضغط على الزناد. وبمعنى ما، فإن تعبير «كي الوعي» الذي كثيراً ما استخدمه نائب رئيس الوزراء الحالي موشي يعلون عندما كان رئيساً للأركان، ينطبق أيضاً على القيادة الإسرائيلية. فقد احترقت أصابع الإسرائيليين في حرب 2006 وهو ما يجعلهم يترددون حتى في إطلاق التهديدات الفعلية رغم صراخهم عن «عقيدة الضاحية» وعدم الخوف من «تقرير غولدستون» لبناني.

ولكن هذا التقدير لا يغفل واقع أن الصراع يدار بذكاء على الجبهة اللبنانية من الجانبين والضربات توجّه على شكل تلميحات ورسائل وبعيداً عن الوجه والمناطق الحساسة. فالأمر، من الجانبين، لا يحتمل المزاح والخطر كبير. ومع ذلك وكما في السياسة أبداً لا يمكن دوماً الاعتماد على المنطق، فأحياناً للحماقة مكان.