بقلم: كريم سجادبور وبليك هونشيل / صحيفة "واسنطن بوست"
منذ أشهر عدة، تهدد إسرائيل بضرب منشآت إيران النووية وتحثها الولايات المتحدة على ضبط النفس. إذا نُفذت عملية مماثلة، ماذا ستكون ردة فعل واشنطن؟
يستمتع الرئيس أوباما بعشاء هادئ مع زوجته ميشيل وابنتيه ساشا وماليا في مقر البيت الأبيض إلى أن يتلقى اتصالاً عشية أحد أيام الخميس من شهر أكتوبر.
يخبره رئيس الأركان جاك ليو أن 24 طائرة مقاتلة إسرائيلية اخترقت الأجواء الأردنية وهي تتوجه على ما يبدو إلى إيران. يبدو أنها ستدخل الأجواء الإيرانية عن طريق العراق خلال 85 دقيقة تقريباً.
فيصرخ أوباما بكل هلع: “يا للهول! أخبرني نتنياهو أنه سيؤجل العملية”.
خلال 45 دقيقة، يستدعي الرئيس الخبراء الأمنيين للاجتماع في غرفة العمليات. يُبلغ وزير الدفاع ليون بانيتا الفريق بأن محاولات التواصل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فشلت حتى الآن، لكنَ القادة العسكريين الإسرائيليين يقومون بإبلاغ البنتاغون بآخر المستجدات عن المواقع التي تستهدفها إسرائيل.
يستعرض بانيتا الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة: إقناع نتنياهو بإلغاء العملية أو إسقاط الطائرات.
فيصرخ نائب الرئيس بايدن فوراً: “إسقاط الطائرات ليس خياراً وارداً بأي شكل! أخبروا نتنياهو بأن رئيس الولايات المتحدة يريد التحدث معه الآن!”.
خلال دقائق، يمكن سماع صوت نتنياهو عبر مكبر الصوت على الهاتف، فيرفض فوراً أي محاولات لإلغاء المهمة.
يقول نتنياهو بصرامة: “سيدي الرئيس، لم أستطع الانتظار فترة أطول. أنا مسؤول عن أمن الشعب اليهودي”.
بينما يشرح نتنياهو العملية، ينظر أوباما إلى خارطة الشرق الأوسط الإلكترونية الواسعة على جدار غرفة العمليات. تشير معلومات الطائرات الإسرائيلية إلى أنها تقترب من إيران.
يقول نتنياهو: “سيدي الرئيس، آمل أن نتمكن من الاعتماد على دعمكم الكامل”.
يخفي وجه أوباما امتعاضاً شديداً. يصمت الرئيس للحظات عدة قبل أن يجيب: “تعلمون أنني أحترم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها لكن يجب أن أقوم بما يصب في مصلحة الولايات المتحدة”.
يأمر بانيتا حينها رئيس القيادة المركزية الأميركية، الجنرال جيمس ماتيس، بتفعيل “عملية درع الخليج” لوضع القوات العسكرية الأميركية في أنحاء الشرق الأوسط في أعلى مستويات الجاهزية الدفاعية استعداداً لأي رد إيراني.
يجول أوباما في الغرفة ثم يسأل: “ماذا نقول للإيرانيين؟ سيفترضون أننا وراء العملية”.
سرعان ما تتحدد خطوط المعركة. سوزان رايس (سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ومستشارة مقربة من أوباما وقد تكون بديلة هيلاري كلينتون في منصب وزيرة الخارجية) هي أول من يتدخل عبر اتصال بالفيديو فتقول: “يجب أن نوضح أن الإسرائيليين تحركوا من دون علمنا. يجب أن نحث إيران على ضبط نفسها بينما نعمل نحن على ضبط إسرائيل”.
ثم يقول مدير وكالة الاستخبارات المركزية ديفيد باتريوس: “عذراً، لكن إذا وجهنا لهم تلك الرسالة سيظنون أنهم يستطيعون الرد من دون أن نتحرك للتصدي لهم. يجب أن يقتنع الإيرانيون بأنهم إذا ردوا على العملية، فستشارك الولايات المتحدة في هذه الحرب وستنهيها بشكل سريع وحاسم”.
تقول كلينتون: “أتفق مع ديفيد. يجب أن يفهم الإيرانيون أنهم لا يستطيعون استغلال أي شرخ بيننا وبين الإسرائيليين”.
خلال ساعات، يعج موقع “تويتر” بتقارير عن وقوع تفجيرات في أنحاء إيران المختلفة. يمكن نسبها جميعاً إلى مصدر واحد: الجماعة المعارِضة الإيرانية “مجاهدي خلق”. تعلن أبرز المنشورات الإعلامية أنها لا تستطيع التأكد من صحة ما حدث بينما تلتزم وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية الصمت.
بعد بضع ساعات، بينما تغط واشنطن في النوم، تؤكد قناة “العربية” السعودية التقارير التي تحدثت عن وقوع تفجيرات هائلة في إيران.
تُلمح صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية إلى إطلاق عملية عسكرية إسرائيلية في إيران وتتحدث عن ضوابط الأمن القومي ولكنها لا تعرض تفاصيل إضافية. يبدو أن إحدى الطائرات فُقدت لكن يرفض المسؤولون الإسرائيليون التعليق على الموضوع.
وفي الوقت الذي يطل فيه الصباح على واشنطن، تكون أسعار النفط قد ارتفعت بنسبة 20 في المائة لتصل إلى 110 دولارات للبرميل الواحد.
في الساعة السادسة والنصف صباحاً، يلتقي أوباما في المكتب البيضاوي بالمستشار البارز ديفيد أكسيلرود ورئيس الأركان السابق رام إيمانويل الذي قَدِم من شيكاغو.
يقترح أكسيلرود أن يوجه البيت الأبيض رسالة مفادها أن إيران هي التي جلبت هذه المشكلة لنفسها.
فيسألهما أوباما: “ماذا سأقول عندما تسألني الصحافة إذا كنت أعلم بهذه العملية مسبقاً؟”.
يجيب إيمانويل: “لا تقل شيئاً في هذه المرحلة”. ثم يكتب بضع عبارات على مذكرة ويمزق الورقة ويسلمها إلى أوباما. يضيف إيمانويل: “عند الاقتضاء، يمكن أن نسرّب أنباء مفادها أننا حصلنا على بعض التحذيرات. لكن يجب ألا ننكر الأمر فوراً إذا تبين أن العملية قد تنجح فعلاً”.
فيهز أوباما رأسه ويقول: “الناخبون لا يهتمون بنجاح الاعتداء بل يهتمون بسعر البنزين”.
في الساعة الثامنة صباحاً، يُصدر البيت الأبيض تصريحاً مستوحى من مسودة إيمانويل: “تراقب الولايات المتحدة الأحداث عن قرب في إيران. تملك إسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها ولا يزال الالتزام الأميركي بالأمن الإسرائيلي ثابتاً”.
بعد التدرب مطولاً على هذا السيناريو، يكون المرشح الجمهوري للرئاسة ميت رومني مستعداً للرد بطريقة صارمة وفاعلة.
أثناء الحملة في بالم بيتش، فلوريدا، يتعهد رومني في ذلك الصباح بتقديم “دعم ثابت” لإسرائيل ويهاجم “سياسات التهدئة التي يطبقها أوباما لأنها لم تترك أي خيار آخر أمام رئيس الوزراء نتنياهو عدا اتخاذ تدابير استثنائية”.
ثم يظهر مستشار رومني، دان سينور، ليستكمل الهجوم على الرئيس على قناة “سي إن إن” (CNN): “أقوى حليفة لنا في العالم، إسرائيل، تواجه خطراً وجودياً وأوباما لا يزال يقود من وراء الكواليس”.
يعبّر مستشار آخر لرومني، وهو السفير السابق في الأمم المتحدة جون بولتون، عن المواقف نفسها على قناة “فوكس نيوز”: “بدلا من أن يؤدي الرئيس دوره كقائد حقيقي، ترك باراك أوباما مهمة حماية الأمن القومي على عاتق إسرائيل. يدين الرأي العام الأميركي بالامتنان إلى رئيس الوزراء نتنياهو ويجب أن نستعد لإنهاء المهمة”.
في نهاية الفترة الصباحية، تسرّب وسائل الإعلام تفاصيل إضافية عن الاعتداء. يُقال إن الضربة تسببت بأضرار واسعة في منشآت إيران النووية في ناتانز وأراك وأصفهان وفي مواقع الرادار ومراكز القيادة والتحكم أيضاً، لكن لم يتضح بعد حجم الأضرار الشاملة ولم تَرِد أي معلومات عن عدد الضحايا.
تبدأ لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية بتداول مسودة قرار لطرحها أمام الكونغرس الأميركي وهي تعبّر عن دعم مجلس الشيوخ غير المشروط لإسرائيل. بحلول فترة الظهر، يوقّع عليها 99 سيناتوراً (مع تسجيل اعتراض راند بول وحده).
كذلك، تُصدر جماعة “جي ستريت” الليبرالية تصريحاً يعبّر عن “مخاوفها” من تحرك إسرائيل بشكل استباقي.
تدين الصين وروسيا إسرائيل وتحثانها على ضبط النفس وتدعوان إلى اجتماع طارئ في مجلس الأمن. في المقابل، تعمد المملكة العربية السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة إلى إدانة التحرك الإسرائيلي، ولكنها لا تعبّر عن تضامنها مع طهران (كانت الوثائق المسربة عن وزارة الخارجية الأميركية على موقع “ويكيليكس” منذ عام 2010، قد أشارت إلى دعم تلك الدول لشن اعتداء عسكري على منشآت إيران).
بعد ذلك، يعجز نتنياهو عن التواصل مجدداً مع أوباما فيخبر بايدن أن العملية كانت “حاسمة وناجحة”، وقد شهدت سقوط حد أدنى من الضحايا الإيرانيين: “بصراحة، كان يجب أن ننفذ هذه العملية منذ فترة طويلة”.
لكن سرعان ما تشير أول مجموعة من الصور عبر الأقمار الاصطناعية إلى أن منشأة فوردو النووية الواقعة خارج مدينة قُم على عمق 300 قدم تحت الأرض ربما صمدت في وجه تلك العملية.
وما لم تقم إسرائيل أو الولايات المتحدة باعتداء إضافي، قد تتمكن إيران من متابعة تخصيب اليورانيوم بوتيرة سريعة نسبياً.
ثم يعرض التلفزيون الإيراني الرسمي صوراً للضحايا، منهم نساء وأطفال (مع أن موقعاً إلكترونياً تابعاً للمعارضة يكشف لاحقاً أن تلك الصور تعود في الواقع إلى ضحايا الزلزال الأخير في شمال غرب إيران). يتعهد القائد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، بالانتقام قائلاً: “إن دم نسائنا وأطفالنا في رقبة الشيطان الأكبر ودميته! لقد وقّع الكيان الصهيوني على وثيقة وفاته!”.
عند إغلاق البورصة، ترتفع أسعار النفط بنسبة 40 في المئة تقريباً، وهو أعلى ارتفاع يُسجَّل خلال 24 ساعة في التاريخ. تجري قناة “سي إن إن” مقابلات مع الأميركيين على محطات البنزين في الولايات المتأرجحة مثل فلوريدا وأوهايو، فيحمّل معظم الناخبين إيران، لا إسرائيل ولا أوباما، مسؤولية ارتفاع الأسعار.
عشية يوم الجمعة، تتسرب معلومات من داخل الحكومة الأميركية والجيش الأميركي تفيد بأن الولايات المتحدة لم تكن تعلم بالتحرك الإسرائيلي مسبقاً.
ينجح أوباما في ترك فريق الأمن القومي لفترة كي ينضم إلى عائلته لتناول عشاء سريع. تتحدث ساشا وماليا عن فروضهما المنزلية.
تقول ماليا: “لا أحب مادة الفيزياء. إنها معقدة جداً”.
فيجيبها أوباما: “أفهم شعورك تماماً يا عزيزتي. أنا أواجه بعض المشاكل المماثلة أيضاً!”.