سورية تستحق ما هو أفضل بقلم علي عقلة عرسان
أشار الأخضر الإبراهيمي في تقريره أمام الجلسة المغلقة لمجلس الأمن الدولي في يوم الاثنين 24 أيلول/ سبتمبر إلى أن " الأوضاع في سوريا تتفاقم وتشكل خطورة، وتمثل "تهديداً متزايدا لأمن المنطقة"، وعلى الأمن على السلم في العالم.. وهذا الوضع من اختصاص مجلس الأمن." ونقرأ في هذه الإشارة التي أكدها بان كيمون والإبراهيمي معاً من نيويورك، تمهيداً لتحرك أو إنذاراً خفياً به، وهو مما سبق التلويح به في اجتماع سابق لمجلس الأمن الدولي ولم يُتَّخَذ في ضوئه واستناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة قرار حول الفصل السابع من الميثاق يهدد بالعقوبات الدولية ومن ثم باستخدام القوة العسكرية القسرية.. وما تلك الإشارة الآن إلا عامل ضاغط يؤخذ في اتجاهات عدة.
وعن مهمته قال الإبراهيمي، بحذره المعهود في التعامل مع الأزمة السورية نظراً لتعقيدها ولكثرة اللاعبين فيها ولإخفاق جهود سابقين عليه في معالجتها، "إن لديه أفكاراً وليس لديه أي مشروع متكامل يطرحه الآن، وسيعود إلى المنطقة ويزور عدة بلدان ممن لها دور فاعل ومصلحة في الأزمة، ليستكمل رؤيته للحل"؟!.. إذن يدرك الإبراهيمي جيداً أن النقاط الست التي وضعها سلفه كوفي عنان، واتفاق جنيف الذي أقرته الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن هما محور التحرك نحو حل الأزمة السورية، وأن ذلك لم يمت ولم يتم تجاوزه، وأنه أكثر من «عناصر في حقيبة أدواته»، وأن هذا الأساس هو الذي سيبني عليه تحركه مع تعديلات بسيطة " أفكار" استقاها من خلال اتصالاته ومشاوراته ولقاءاته الرسمية مع الأطراف السورية المعنية ووقوفه على معطيات في أرض الواقع. وما مطالبته بتوجيه دعم دولي للمعارضة السورية في الداخل بأطيافها" مؤتمر الإنقاذ وسواه وسواه.."، وعدم حصره بالمعارضة السورية في الخارج واعتبارها كل المعارضة أو كل عوامل القوة والحسم فيها، سوى أفكار مضافة وقراءة دقيقة لمعطيات واقعية على الصعيدين: الداخلي في سورية والخارجي الدولي المؤيد لأطراف الأزمة فيها.
ويتقاطع هذا مع مؤتمر بعض أطياف المعارضة السورية في الداخل الذي انعقد يوم الأحد 23 أيلول في دمشق وحمل اسم "المؤتمر الوطني لإنقاذ سورية" – وهو في واقع الأمر مؤتمر لجزء من المعارضة وليس مؤتمراً وطنياً سورياً بالفمهوم الشامل يحضره كل من يعنيه إنقاذ الوطن وأولئك كثير وكثير وكثير- وأكد على "الحل السياسي، ورفض التدخل الخارجي والتسلح، ووقف القتل والعنف، وعلى التغيير الشامل بما في ذلك أسقاط النظام، وكل ذلك من خلال التحرك السلمي."، ونقطة التقاطع الأهم هي في وقف الاقتال والعنف والخيار السلمي. وتأتي رعاية كل من الصين وروسيا للمؤتمر بشكل شبه معلن، وحضور سفراء من بينهم سفراء روسيا والصين وإيران والجزائر، ودعوة ممثلين لبعض الدول الأوربية لجلسة الافتتاح، وإلقاء سفير روسيا الاتحادية كلمة في الافتتاح.. يأتي كل ذلك ليؤكد وجود جهد سياسي باتجاه الحل السياسي وتوفر أوراق جديدة بيد الروس والصينيين يرفعونها في مجلس الأمن الدولي بوجه الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعرب الذين يتبنون جهات معارضة ترفض الحوار وتذهب إلى الحسم العسكري وإقامة مناطق حظر جوي .. إلخ"، وأهم تلك الأوراق بلورة توجه معارضة سورية في الداخل نحو حل سياسي سلمي سوري لا يستعين بالخارج ولا يلجأ إلى العسكرة.
وهذا توجه يتقاطع ايجابياً مع رغبات شرائح كثيرة وكبيرة من السوريين ضاقت بالعنف والاقتتال ولا يجوز إغفالها بأي حال.. وهو توجه ينتهي في نهاية المطاف إلى تفاوض أو تفاهم على التغيير وتداول السلطة بالأسلوب الديمقراطي.. وهذا يعني الحوار مع النظام بوصفه طرفاً معنياً على الأقل.. وهو ما ترفضه معارضة الخارج وبعض الأطراف من المعارضة في الداخل وتحرض على رفضه جهات خارجية. وهو في الوقت ذاته النهج الذي تقره النقاط الست التي وضعها كوفي عنان وأقرها أو بنى عليها اتفاق جنيف الذي وافقت عليه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ولا يوجد بديل رسمي معلن في مجلس الأمن لهذا التوجه حتى الآن.. ومن ثم ينبغي أخذ هذا بعوامله ومقوماته وتفاصيل وروافده بالاعتبار كأحد المؤشرات ذات البعد القائم في أطياف من المعارضة السورية في الداخل.
كما تتقاطع هذه المؤشرات مع ما ركَّز ويركِّز عليه التوجه الصيني الروسي الذي يكرر ثوابته في كل مناسبة، وكان آخرها ما قاله السفير الروسي في دمشق عظمة الله كولمحمدوف من: "ضرورة إيجاد حل سلمي للأزمة في سوريا وبأيدي السوريين أنفسهم بعيدا عن أي تدخل خارجي بما يتضمن وقف التمويل والتسليح وإيواء "المجموعات المسلحة المتضمنة مرتزقة أجانب".. وقد جاء ذلك في كلمته في جلسة افتتاح مؤتمر المعارضة المشار إليه بدمشق. ولا أظن أن الرباعية التي تضم مصر وتركيا وإيران والسعودية تخرج علناً على الأقل عن جوهر ومدار الحل السياسي السلمي الذي أقره مؤتمر دول عدم الانحياز ومؤتمر منظمة دول العالم الإسلامي.. وهو ما ينبغي أن يتوصل إليه السوريون بأنفسهم من دون تدخل خارجي".
وفي مفارق تقاطع هذه المواقف والتوجهات والمؤشرات التي تبدو في الأفق السياسي ويجدر أخذها بالاعتبار بوصفها عوامل تساهم في تحديد توجه فاعل نحو حل للأزمة السورية، يبقى السؤال: كيف يتم ذلك ومن خلال أية آليات؟ لا يمكن أن يتم ذلك بالنوايا الحسنة على كثرة الحديث عنها، ولا بشميم عِرار نجد من موقع ما في الأرض، ولا بقوى سحرية طاغية تفعل فعلها، ولا بضغوط وإيحاءت ولا حتى بأوامر.. من دون يقين الأطراف العربية والدولية المعنية بضرورة التوجه نحو حل لا يستند إلى القوة وكسر العظم وفرض الغلبة، لأن ذلك إذا فرض اليوم " حلاً" فهو النار تحت الرماد.. ولا يمكن الوصول إلى قناعة بذلك من قبل الأطراف المعنية مباشرة بالاقتتال إلا بارتفاع درجة المسؤولية الوطنية وحيوية الضمير والوعي الوطني والقومي والإنساني بأن الشعب والبلد قد تحملا ما لا يطاق، وليس من الوطنية ولا العقلانية ولا الإنسانية في شيء الاستمرار في مسلسلات القتل والتدمير واستنزاف سورية بأيدي أبنائها وبأيدي من يدعي أنه يساعد أبنائها على الوصول إلى حرية وديمقراطية دولة مدنية وحياة كريمة وأمن واستقرار .. فليس في قتل سورية والسوريين حياة لها ولهم على أي وجه. وعندما يرفع لأولئك جميعاً ومن الجهات كلها درجة المسؤولية وولوعي إلى أعلى أو المستويات العليا في سلم القيم ووالاعتبارات يبدأ التوجه عملياً نحو الحل السياسي السلمي المنطقي.. ولا يكون ذلك إلا بجلوس ممثلي الأطراف المعنية إلى طاولة عمل وبحث وتفاوض وتبادل رأي.. وهذا هو الذي يحكم التوجه نحو الحل السياسي – السلمي ويرشده ويسيره نحو بلوغ الهدف الرئيس المنشود. أما في حال التوجه إلى سوى ذلك، أي إلى الحسم بالقوة فإن حواراً من نوع ما يستمر، وهو حوار بالرصاص والقنابل والمدافع والصواريخ والطائرات والسيارات المفخخة.. إلخ، وهو أمر قائم في متاريس الأزمة السورية حالياً، ولن يوصل الأطراف المتقاتلة إلى حسم إلا على حساب سورية وشعبها وقوتها ومكانتها وعمرانها ودماء أبنائها وحريتهم المرتبطة بمستوى أمنهم ومعيشتهم واستقرارهم، وبكرامتهم حيث "يتشردون في مخيمات، ويجود عليهم الخيرون بالمعاناة وبالهراوات والإهنات أيضاً"؟!! وذلك ما ترفضه ا مؤتمر بعض أطياف المعارضة السورية في الداخل الذي انعقد يوم الأحد 23 أيلول في دمشق وحمل اسم "المؤتمر الوطني لإنقاذ سورية" – وهو في واقع الأمر مؤتمر لجزء من المعارضة وليس مؤتمراً وطنياً سورياً بالفمهوم الشامل لكل من يعنيه إنقاذ الوطن وأولئك كثر كثر كثر- وأكد على "الحل السياسي ورفض التدخل الخارجي والتسلح، ووقف القتل والعنف، وعلى التغيير الشامل بما في ذلك أسقاط النظام وكل ذلك من خلال التحرك السلمي.". وتأتي رعاية كل من الصين وروسيا للمؤتمر بشكل شبه معلن، وحضور سفراء من بينهم سفير إيران والجزائر ودعوة ممثلين لبعض الدول الأوربية لحضور جلسة الافتتاح، وإلقاء سفير روسيا الاتحادية كلمة في الافتتاح.. يأتي كل ذلك ليؤكد وجود أوراق جديدة بيد الروس والصينيين ترفعها في مجلس الأمن الدولي بوجه الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين والعرب الذين يتبنون " المجلس الوطني ـ استانبول"فقط، أبرزها توجه معارضة سورية في الداخل نحو حل سياسي سلمي سوري لا يستعين بالخارج ولا يلجأ إلى العسكرة. وهذا توجه يتقاطع مع رغبات شرائح من السوريين ولا يجوز إغفاله، ويرمي في نهاية المطاف إلى تفاوض أو تفاهم على التغيير وتداول السلطة.. وهذا يعني الحوار مع النظام.. وهو ما ترفضه معارضة الخارج وبعض الأطراف من المعارضة في الداخل. وهو النهج الذي تقره النقاط الست التي وضعها كوفي عنان وأقره اتفاق جنيف الذي وافقت عليه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، ولا يوجد بديل رسمي معلن في مجلس الأمن لهذا التوجه حتى الآن.. ومن ثم ينبغي أخذ هذا التوجه السوري المعارض بالاعتبار كأحد المؤشرات.
لعروبة ويرفضه الإسلام، ما ترفضه الوطنية والقومية السليمة والإنسانية ذات الأسس الأخلاقية والقيم السامية المرعية التنفيذ، وهو ما ينبغي أن ترفضه الأطراف والقوى التي تدعي كلُّها حرصاً على سورية وشعبها وحباً لها ونصرة لشعبها، وحرصاً مماثلاً أو أشد على أمن المنطقة والسلم العالمي، فتعمد إلى إبداء رغبة صادقة في الحل والمساعدة، وتقوم بعمل حثيث يجنيب سورية وشعبها هذا المصير المحزن والمؤلم.. هذا إذا لم تكن مصالح بعضها المرتبطة باكتشافات الغاز الضخمة في شرق المتوسط، وتحدياتها المميتة، وصراعاتها الاستراتيجية فوق البلدان والشعوب والأديان والقيم؟!!
إن الحوار في نهاية المطاف لا يفرَض على أحد، ولا ينقضي وقته تحت أي ظرف، ولا بأي تقادم، ولا تحت ذريعة من الذرائع.. وهو لا يرتب بالضرورة تأبيد طرف وإزالة طرف من بين أطرافه إذا تم في مناخ صحي.. ولا يحط الحوار من قدر وقيمة من يدخل مجالاته.. ذلك لأنه المنطق الطبيعي الذي يفرض نفسه على الجميع حين يتعلقون بحلول للأزمات ولا تحكمهم المصالح والرؤى الضيقة والأحقاد والنزوات والتحديات المميتة، ويتجاوزون بترفع منطق القتل والغَلبة بقوة السلاح والاستقواء بأطراف على أطراف.. وفي الحوار لا يلغي طرفٌ طرفاً، ولا يحكم طرفٌ طرفاً.. والتمترس في المواقع يجعل الحوار مجرد تراشق بالكلام والاتهام، فاختيار كل طرف لسقف مرتفع يدخل به التفاوض لا يعني فرضه لسقوفه وإلا اعتبر منهزماً، فالحوار أخذ وعطاء وتوافق واتفاق يحكمه المنطق والعقل والمنصلحة العليا العامة التي تحكم الحوار والمتحاورين.. ومن المعروف أن من يدخلون تفاوضاً أو حواراً للتفاهم على أمر ما أو قضية ما لا يحصل كل منهم على أعلى سقوف مطالبه بل يتنازل عن شيء ويحصل على شيء.. وهكذا الحياة أخذٌ وعطاء.. وكل طرف ينجح فعلاً حين يقرر رفض منطق القوة وإعلاء منطق العقل ومصلحة الوطن والشعب.. سواء أكان الحوار يتم بين بين أطراف داخلية أو إقليمية أو دولية.
إن هذه الملامح ترسم الخطوط العريضة لمرحلة مقبلة لن يكون الانخراط فيها بصورة حصرية وشاملة سهلاً، لأن من يعطِّلون ويعرقلون سيزيدون من عرقلتهم وتعطيلهم، وأصحاب البرامج والاستراتيجيات والمصالح سيحاولون السير في الطرق المؤدية إلى تنفيذ برامجهم وتحقيق أهدافهم الاستراتيجية ومصالحهم الحيوية.. لكن من تلك الملامح والمؤشرات والتوجهات سيرتفع في الفضائين السوري والدولي على الأقل منطقٌ يأخذ به النظام وأطرافُ من المعارضة الداخلية وربما بعض الأشخاص من المعارضة في الخارج، يقول برفض الاقتتال واللجوء إلى التفاهم.. وهذا منطقٌ يمكن البناء عليه، ويضعنا أمام ملامح مرحلة جديدة وتحرك هادف نتمنى أن يتعامل معه الجميع، لا سيما في سورية، بمسؤولية وجدية وبعد نظر ومستوى عال من الوطنية والإخلاقية، وأن يؤخذ بجدية تامة لأسباب منها:
- عدم الاستعداد لخسارة حلفاء يؤيدون هذا التوجه، على رأسهم روسيا والصين والدول التي حضرت المؤتمر.
- مراعاة التأكيد والالتزام بإنجاح مهمة الإبراهيمي، لأنها مفتاح دولي مهم لإنهاء الأزمة، فذلك في مصلحة الجميع.
- مراعاة التأكيد والالتزام المتصلين بقبول تحرك الرباعية والتعامل مع كل مبادرة خيرة تنطوي على نوايا حسنة لحل الأزمة في سورية.
- دعم التوجه الرامي إلى وقف الاقتتال والعنف والتدمير والتهجير، وجعل هذا التيار شاملاً ويعبر عن الرغبة الجماهيرية العريضة في سورية، وهذا في مصلحة النظام والمعارضة الوطنية المخلصة للشعب والوطن.
إن الدولة في سورية تطالب بهذا، والمعارضة الداخلية أو بعض أطرافها وأطيافها تقول به، وأظن أنها ستتعامل معه بجدية رغبة منها في حقن الدماء وإيقاف القتل والتدمير ونزف الدم والتسليم بأهمية أن يبقى السوريون مسيطرين على شؤونهم وشؤون بلدهم، من دون إباحة أو استباحة، ووضع حد للقتل والعنف والظلم والقهر والإرهاب ولاستعداء القوى الأجنبية على سورية. إن هذا تحرك جاذب للغير، مخفف للغلواء، طارد للتحريض على العنف، وهو تحرك مسؤول يستحق التشجيع، لأنه يحدد مخرجاً عقلانياً وإنسانياً ومنطقياً من الأزمة الطاحنة.
هل سيكون هذا سهلاً؟ إنه سؤال برسم التداول السياسي – الديبلوماسي لكل من يعنيه بجدية وشجاعة وشرف تجنيب سورية وشعبها الغرق في الدم والدمار والتفتت والضعف والعاناة المرة.. فسورية لا تستحق هذا وتستحق كل ما هو أفضل.