خبر إلى وزارات الصحة والبيئة والداخلية مع عاطر التحية .. بقلم: د. أيوب عثمان

الساعة 11:51 ص|24 سبتمبر 2012

إلى وزارات الصحة والبيئة والداخلية مع عاطر التحية .. بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة

إذا كان قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74/1936 المعمول به في بلادنا قد خصص المادة (189) منه للجرائم المضرة بالصحة العامة وأعطاها عنوان "المكارة العامة" فقال نصا: "كل من أتى فعلا لا يجيزه القانون أو أغفل القيام بواجب يفرضه عليه القانون فسبب بذلك ضررا أو خطرا أو أذى عاما للناس أو أعاقهم أو سبب إزعاجا لهم أثناء مباشرة حقوقهم العمومية، يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة سنة واحدة، وتعرف هذه الجنحة بجنحة "المكرهة العامة".

وإذا كانت المادة (199) من قانون العقوبات ذاته قد جاءت بعنوان "إفساد الهواء"، فقالت نصا: "كل من أفسد الهواء طوعا في مكان بحيث جعله مضرا بصحة الأشخاص اللذين يسكنون أو يشتغلون في جوار ذلك المكان بوجه عام أو بصحة الأشخاص اللذين يمرون في الشارع العام، يعتبر أنه ارتكب جنحة"، وهي جنحة "المكرهة العامة" أيضا،

وإذا كانت المادة (200) من القانون ذاته والمختصة "بالحرف والصناعات المضرة" قد قضت نصا وحرفا بأن "كل من أحدث ضجيجا عاليا أو سبب انتشار روائح كريهة أو مضرة بالصحة أثناء تعاطيه حرفته أو صنعته أو بغير ذلك من الدواعي في أماكن وظروف تؤدي إلى إزعاج عدد وافر من الناس أثناء مباشرة حقوقهم العادية، يعاقب كأنه أتى مكرهة عامة"،

وإذا كان كل ما أوردناه أعلاه لا يقع فقط ضمن مسئوليات واختصاصات وزارة واحدة من الوزارات الموجه إليها كتابنا المفتوح، بل يقع في صلب مسئولية واختصاص كل من وزارة الصحة ووزارة البيئة ووزارة الداخلية على حد سواء-دون استثناء لوزارة الصحة في رام الله - ودون تمييز وزارة عن أختها في مباشرة الحقوق والدفاع عن حق المواطن والاهتمام بصحته والمحافظة على بيئته وعدم إفساد الهواء الذي يتنفسه، وكذلك الدفاع عن حقه في أن ينعم براحته في مضجعه وفي بيته وجيرته وحيه، فلا يصدر ما يزعجه ويقض مضجعه ويقلق راحته ويفقده استقراره فيؤثر سلبا عليه وعلى أدائه في بيته وفي عمله، سواء كان عاملا أو طبيبا أو مهندسا أو محاميا أو قاضيا، أو  في دراسته إن كان طالبا أو في عمله البحثي إن كان باحثا،

وإذا كان الدفاع عن المواطن ضد "المكارة العامة" وضد "الأضرار الصحية والبيئية" وضد "إفساد الهواء الذي يستنشقه" وضد "إقلاق راحته" هو من مسئولية واختصاص هذه الوزارات الثلاث (الداخلية والصحة والبيئة) على حد سواء، وليس من مسئولية واختصاص وزارة بعينها،

فكيف إذا كان الخطأ موضوع شكوانا صادرا عن جهة مهمتها وغايتها واختصاصها ومسئوليتها هو المحافظة على صحة الناس؟! كيف إذا كانت هذه الجهة هي مؤسسة صحية نحن معها في أن تصلح أمرها وتطور خدماتها وتنهض من الاستعداء الصهيوني عليها، واضعة في اعتبارها ألا يكون ذلك على حساب الناس في صحتهم وبيئتهم وراحتهم، حيث إنه "لا ضرر ولا ضرار". فمستشفى القدس بغزة التابع للهلال الأحمر الفلسطيني يمارس كل المكارة العامة منذ شهر نوفمبر من العام الماضي 2011 وقد تحاورنا معهم شفاهة وظل المسئولون يتبعون معنا سياسة التأجيل والمراوغة والتصبير الذي يعني (الزحلقة!) إلى أن طال الأمر وعجز الصبر عن الصبر وازدادت المكارة وتراكمت دونما أفق واضح للخلاص، فيما الضرر والإزعاج متصل قبل شمس كل يوم وإلى ما بعد غروبها، وفي كثير من الأحيان لا ننعم حتى بهدوء الليل الذي تأوي فيه الحيوانات إلى جحورها التي هي مضاجعها الهادئة الآمنة!!!

ليس منا من لا يقف مع هذا المستشفى الذي قصفه أعداؤنا في حربهم علينا عام 2008/2009. نحن معه وندعم إعادة بنائه، وتطويره، ولولا أننا كذلك لما صبرنا على الأذى صبرنا الطويل منذ شهر 11/2011 وحتى يومنا هذا، فأكوام الرمل الشاهقة تبقى أسابيع-وقد ظلت في الماضي شهورا-وهي تطل على شبابيكنا، بل تعانقها، وفي ذلك مفسدتان إحداهما صحية بيئية والأخرى إنسانية وأخلاقية حيث تبقى شبابيكنا مغلقة فنبقى بذلك أسرى لحصار لا يفرضه علينا أعداؤنا، بل يفرضه علينا إخواننا وجيراننا وهم مستشفى القدس الذي كان الأجدر به أن يفهم قبل غيره معنى الحصار، لاسيما وإنه داخل الحصار ويعاني منه. أما العمال فحدث ولا حرج عن إزعاج يحدثونه دون رقيب أو حسيب وهم يتلاعنون ويتشاتمون بأقذر الألفاظ التي تخدش الحياء وسط صراخ يعلو أحيانا على ضجيج آلاتهم. أما الأنكى من كل ذلك، فهو ترويع ناتج عن إزالة الركام عبر سطح من الألمنيوم (الصفيح) يصبون الركام عبره من أعلى إلى أسفل، وهنا أمران أحدهما مروع حتى للراشدين ويقض مضاجعهم فتخيلوا الصغار والعجائز والشيوخ وتخيلوا المرضى، وثانيهما مزعج وللراحة مقلق. أما الأمر المروع للراشدين وللصغار والمرضى والكبار والعجزة والمسنين فهو حالة صب الركام على سطح الألمنيوم من أعلى إلى أسفل، وهي حالة متكررة الواحدة منها تلو الأخرى، فيما تستمر حالة الصب الواحدة من نصف دقيقة إلى دقيقة. إنه ترويع وإزعاج لا قبل لنا به. أما الأمر الثاني المزعج فهو أن موكبا من الحمير والكارات يعسكر عند نهاية مصب الركام حيث يشتبك أصحاب الحمير بالتلاعن والتشاتم، تسابقا على الركام من حجارة ومخلفات!!! ناهيك عن تجمع الصبية الصغار وما ينتج عن ذلك من إقلاق راحة وإزعاج.

وعليه، فإن مستشفى القدس الذي نشعر بأنه لنا وهو في حينا والذي نؤكد له ولأربابه كما نؤكد لأنفسنا أننا معه ومع إعادة إعماره وإجادة تطويره، ردا على من قصفوه ودمروه، يمكنه أن يجد لإزالة الركام طريقا آخر غير طريقة صبه على سطح الألمنيوم (الصفيح) من أعلى إلى أسفل. وهنا نتساءل: لماذا لا يوضع الركام في أكياس يقوم العمال بنقلها من أعلى إلى أسفل بما أمكن من هدوء؟! لماذا لا يطلب المستشفى من المقاول ذلك؟! أم أن المستشفى والمقاول يسعى كل منهما إلى تخفيض الإنفاق على حساب الصحة العامة وسلامة البيئة وعلى حساب الناس في راحتهم وأخلاقهم وآدميتهم؟! أنفقوا بعض زيادة مالية قليلة وأريحوا الناس ولا تقترفوا جرائم المكاره الصحية والبيئية  والآدمية وإقلاق الراحة التي تحدث قانون العقوبات الفلسطيني عنها بصراحة، وضعوا في اعتباركم أن ما تنفقونه من مال قليل زيادة إذا استبدلتم طريقتكم الحالية المروعة والمزعجة  بصب الركام عبر الصفيح إلى طريقة الأكياس لن يذهب هباء: إنه سيذهب إلى العمال من أبناء شعبكم المحاصر كما أنتم وجميعنا محاصرون، فضلا عن أنه سيلعب دورا في تقليل الأذى عن أبناء شعبكم وحيكم وجيرانكم، دون أن تنسوا القاعدة الشرعية الرائعة:"ولا تنسوا الفضل بينكم"، وفوق كل ذلك فإنكم إن فعلتم، فإنكم لا تكونون قد عملتم ضد أهدافكم وضد مسئولياتكم وغاياتكم التي هي-كما تقولون-من أجل المواطن وصحته والمحافظة على هواءه وبيئته وراحته.

أما آخر الكلام، فهل يجد نداؤنا هذا إجابة واستجابة من الوازارات الثلاث في غزة، ومن وزارة الصحة في رام الله، بصفتها مرجعا لمستشفى القدس ومؤسسات الهلال الأحمر الفلسطيني الأخرى؟! أم أن الوزارات جميعها، أو بعضها، هي ممن يغمض العيون ويصم الأذان؟!