خبر الحقيقة عن رفض الفلسطينيين.. هآرتس

الساعة 09:18 ص|21 سبتمبر 2012

بقلم: بني موريس

(المضمون: في الوضع السياسي المركب والانقسامي السائد الان في اسرائيل والوضع الجغرافي – الاستراتيجي في المنطقة، لا يمكن لاي حزب، لاعتبارات سياسية وعسكرية، الانسحاب من الضفة دون اتفاق سلام قابل للصمود – ومثل هذا الاتفاق ليس ممكنا أساسا بسبب رفض الفلسطينيين - المصدر).

ديمتري شومسكي في مقاله "تقسيم قبل الخلاص" ("هآرتس" ،11/9) يلقي بذنب استمرار النزاع على عاتق اليهود. ويفهم من أقواله انه يرفض زعمي بان نية العرب الفلسطينيين منذ قيام حركتهم الوطنية في العشرينيات من القرن العشرين كانت ولا تزال "وراثة فلسطين كلها"، ويدعي بان اليهود بالذات هم على مدى الاجيال يطالبون بالملكية على كل بلاد اسرائيل. وكدليل على ادعائه يأتي شومسكي بامور كتبها دافيد بن غوريون في رسالة لابنه في 1937، يعرب فيها عن رغبته بوراثة البلاد كلها، على مراحل.

بالنسبة لتطلع الحركة الوطنية الفلسطينية إحلال سيادتها على كل فلسطين قلة سيشككون فيه. فالحاج أمين الحسيني، زعيم الفلسطينيين في الثلاثينيات والاربعينيات، قال الامور بصراحة في شهادته أمام لجنة بيل في 1937، بل ان الحسيني أضاف بان اغلبية سكان البلاد اليهود لن ينالوا الجنسية في دولته المستقبلية، وألح بنيته لطردهم، أو أسوأ من هذا – هكذا فهم من أقواله أعضاء اللجنة الملكية البريطانية.

خليفة الحسيني، ياسر عرفات، الذي قاد الحركة من  1969 حتى وفاته في 2004، واظب على هذا الخط حين تحدث بالعربية الى شعبه عن "نظرية المراحل". في كانون الثاني  1980 قال عرفات: "في حديثنا عن عودة اللاجئين نقصد عكا قبل غزة، بئر السبع قبل الخليل. نحن نصر على أمر واحد، وهو، أن يرفرف علم فلسطين فوق يافا". نائبه، صلاح خلف (ابو اياد)، قال في 1988: "أردت كل فلسطين دفعة واحدة. ولكني كنت غبيا. نعم، أنا معني بتحرير فلسطين (كلها) ... (لكن) شبرا شبرا".

عرفات واصل رفض شرعية الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل عندما تنكر في العام 2000 في كامب ديفيد لوجود بقايا هيكل يهودي في القدس. وادعى بان الهيكل كان (ربما) في السامرة. وهكذا في واقع الامر سعى عرفات الى سحب الاساس لاي علاقة تاريخية للشعب اليهودي بالقدس، وضمنيا، ببلاد اسرائيل كلها. كما طلب من العالم ومن اسرائيل الاعتراف بحق العودة للاجئي 1948 وأنسالهم الى اراضي اسرائيل (عودة تنفيذها بالضرورة سيدفع الدولة اليهودية الى الانهيار).

خليفة عرفات، محمود عباس (ابو مازن)، يكرر كل يوم التزامه بحق العودة ويرفض الاساس لتسوية الدولتين إذ يرفض بثبات السلام الذي يقوم على اساس حل "دولتين للشعبين"، كما صاغ ذلك الرئيس بيل كلينتون (كما أنه رافض مواظب لاستئناف المفاوضات والسلام مع اسرائيل بهذه الحجج أو تلك – وإن كان بنيامين نتنياهو أيضا ليس نقي اليدين في هذا السياق).

عن التيار الاصولي في الحركة الوطنية الفلسطينية، والذي انتصر في الانتخابات العامة في 2006، لا حاجة الى تكبير الكلام. فميثاق حماس في 1988 رفض فكرة الدولة اليهودية ويعد بابادتها على يد الاسلام. منذئذ، والناطقون بلسان الحركة يواصلون الخط الذي يمليه الميثاق (وإن كان، لتضليل السذج، يتحدثون عن هدنة مؤقتة).

هكذا لدى الفلسطينيين. وماذا بشأن اليهود؟ شومسكي محق في أن الحركة الصهيونية في أصلها أرادت بلاد اسرائيل كلها. ولكن الامور تغيرت بالتدريج في سنوات 1937 – 1947. في 1937 وافق الكونغرس الصهيوني العشرين الذي انعقد في زيورخ – بقيادة بن غوريون وحاييم وايزمن وبأغلبية الثلثين – مبدأ التقسيم، وان كان طلب نسبة أكبر من مساحة بلاد اسرائيل (مشروع تقسيم بيل خصص لليهود نحو 17 في المائة من مساحة بلاد اسرائيل الانتدابية وللعرب نحو 80 في المائة).

صحيح الامر ان بن غوريون تردد وتلبث – وفي خفاء قلبه كان لا يزال يرغب في بلاد اسرائيل كلها. تردده وعملية استيعاب التحول الايديولوجي في التيار المركزي الصهيوني استمرا لسنوات؛ ولكن في نهاية العقد حسمت الحركة الصهيونية، باستثناء هوامشها في صالح التقسيم (بسبب ملابسات سياسية، اعتبارات ديمغرافية وما شابه) – وفي تشرين الثاني 1947 تبنت قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العمومية للامم المتحدة. بن غوريون، الذي قاد الخطوة، واظب في تمسكه بالتقسيم على طول حرب الاستقلال وفي السنوات التالية لذلك – وان كان فضل تقسيما مع الاردن على تقسيم بين اليهود والفلسطينيين.

صحيح أنه في ايلول 1948 طرح بن غوريون على الحكومة اقتراحا غامضا لاحتلال هذه الارض او تلك في الضفة الغربية. ولكن الحكومة رفضت ذلك، وهناك من يعتقد بانه قبل طرح اقتراحه فحص بن غوريون فوجد بانه لن يكون للاقتراح أغلبية. على كل الاحوال، في اذار 1949 رفض هو نفسه بالقطع اقتراحا من قائد الجبهة الجنوبية، اللواء يغئال الون، لاحتلال الضفة كلها. فقد فهم بن غوريون بان هذه خطوة اشكالية سياسيا وديمغرافيا. وواظب على هذا الفهم حتى بعد حرب الايام الستة وحث خليفته، ليفي اشكول، على اعادة الضفة كلها الى سيادة عربية (باستثناء شرقي القدس).

في سنوات 1949 – 1966 لم تجري اي محاولة من جانب اسرائيل لاحتلال الضفة وقطاع غزة، رغم أحاديث في الموضوع من بن غوريون وجنرالات مختلفين. احتلال الضفة في حزيران 1967 وقع عقب قصف اردني للاراضي الاسرائيلية. وهذه استمرت رغم طلبات متكررة  نقلت الى الملك حسين عبر الامم المتحدة والامريكيين ووعد بانه اذا توقفت الاعمال العدائية، فان اسرائيل ستبقي الضفة خارج ساحة القتال.

من حزيران 1967 امتنعت اسرائيل، تحت كل حكوماتها، عن ضم الضفة (رغم أنها ضمت شرقي القدس الموسع). فضلا عن ذلك، فان اغلبية وزراء العمل الذين كانوا في الحكم أيدوا مشروع الون الذي اقترح تسليم معظم مناطق الضفة الى الاردنيين مقابل السلام. ومع ذلك، فقد تغلبت نزعة التوسع – بتشجيع من رؤى مسيحانية – على المنطق السياسي والديمغرافي، وبدأت اسرائيل تبعث بالمستوطنين الى داخل الاراضي المحتلة، ومن العام 1967 حتى الى داخل مناطق مأهولة بكثافة بالسكان العرب (الخليل، منطقة نابلس).

ولكن في غضون عقد من الزمان، في اعقاب الانتفاضة الاولى، التي اندلعت في 1987، عاد سواء العقل الى جماهير بيت اسرائيل، ومعظم اليهود (حسب كل استطلاعات الرأي العام منذئذ) هجروا فكرة بلاد اسرائيل الكاملة وسلموا بفكرة التقسيم واقامة دولة فلسطينية مجاورة. هذه الصحوة ادت الى مسيرة اوسلو التي نقلت فيها غزة ومدن الضفة الى السلطة الفلسطينية، والى اقتراحات السلام لايهود باراك وكلينتون في تموز وكانون الاول 2000. وهذه دعت الى اقامة دولة فلسطينية على كل اراضي قطاع غزة و 94 – 96 في المائة من اراضي الضفة، بما في ذلك شرقي القدس. هذه الاقتراحات رفضها عرفات، وأي من مساعديه الكبار – بمن فيهم عباس – لم يتحفظ من رفض سيدهم ولم يطلقوا صوت احتجاج. اقتراحات كلينتون كررها ايهود اولمرت في 2008، ولكن عباس، الذي اصبح رئيس السلطة الفلسطينية، عاد ورفضها (هذه المرة، بفهم اكبر، رفض ان يقول "لا" مثل عرفات، وببساطة امتنع عن الرد عليها).

صحيح أن مشروع الاستيطان تعزز وتوسع – حتى بدون تفويض من الشعب – من جانب حكومات اليمين وكذا من جانب حكومات بقيادة العمل في سنوات التسعينيات وسنوات الالفين، وهو يواصل كونه عائقا أمام السلام. ولكن عدم الاستعداد لحل اقليمي من جانب الفلسطينيين لا يزال هو عائقا أكبر بكثير للسلام بين الشعبين (في 2005 أثبت فك الارتباط، بانه يمكن اخلاء مستوطنات). في الوضع السياسي المركب والانقسامي السائد الان في اسرائيل والوضع الجغرافي – الاستراتيجي في المنطقة، لا يمكن لاي حزب، لاعتبارات سياسية وعسكرية، الانسحاب من الضفة دون اتفاق سلام قابل للصمود – ومثل هذا الاتفاق ليس ممكنا أساسا بسبب رفض الفلسطينيين.

1937، 1947، 2000 و 2008 – هي محطات الرفض الفلسطيني العنيد. شومسكي يفضل التنكر للحقيقة المريرة والبسيطة هذه واتهام اليهود.