ارتسمت علامات الأسى على ملامح الكولونيل «لوى» قائد إحدى كتائب القوات متعددة الجنسيات فى سيناء، وهو يتحدث عقب الهجوم الذى تعرضت له القوات من المحتجين على الفيلم المسىء للرسول قائلا: «هذه هى المرة الثالثة لى فى سيناء لكنها الأسوأ، كنا ننزل إلى المدن خاصة العريش، ونبقى فيها حتى ساعات الصباح الأولى أيام العطلات، وفى أحيان كثيرة تأتى أسرنا لزيارة مصر، وأحبوها وأعجبوا كثيرا بالطريقة الودية لتعامل المصريين مع ضيوفهم، إلا أن تردى الأوضاع الأمنية والهجوم المتكرر الذى نتعرض له أجبرنا على التوقف عن دخول مدن وقرى شمال سيناء، وما زاد الأمر خطورة الهجوم المسلح الذى تعرضنا له احتجاجا على الفيلم المسىء للرسول، واستهداف جنودنا داخل المعسكر الرئيسى بالجورة أمر سيئ، على الرغم من الدور الذى نؤديه فى خدمة السلام، ولا علاقة لنا بالأوضاع السياسية أو خلافات لسنا طرفا فيها، لم تعد لدينا الرغبة فى العمل فى ظل هذه الظروف خاصة أننا أصبحنا هدفا ووسيلة للضغط على المسئولين المحليين فى أحيان كثيرة بخلاف استهدافنا لأسباب سياسية».
ما قاله الكولونيل يجسد الوضع الذى باتت فيه القوات متعددة الجنسيات، والتى تحولت حياتها من الاسترخاء خلال السنوات الماضية إلى الاستنفار التام، بعد أن باتت هدفا دائما لكل الحركات الاحتجاجية فى سيناء، بما فى ذلك المطالبات بالإفراج عن السجناء، والمطالب الفئوية، إلا أن الأمر أخذ منحى خطيرا خلال الأيام الماضية عقب الاحتجاجات الدامية التى صاحبت الفيلم المسىء للرسول، وشهدت اقتحام المعسكر من قبل جماعات مسلحة، وإحراق أبراج المراقبة وإصابة عدد من العاملين داخله.
كل هذا أثار تساؤلات حول طبيعة هذه القوات، وتعدادها، وأماكن وجودها فى سيناء، وأسباب استهدافها، واستخدامها فى لى ذراع الحكومة المصرية أحيانا لتحقيق مطالب المحتجين أو للتعبير عن الاستياء.
على بعد 30 كيلومترا شرق العريش عاصمة شمال سيناء يقع معسكر ومطار الجورة الذى توجد به القوات المكلفة بحفظ السلام، ومراقبة انتشار القوات فى سيناء وفق البروتوكول الموقع بين كل من مصر وإسرائيل، وبرعاية الولايات المتحدة الأمريكية بموجب اتفاقية كامب ديفيد.
عند البوابة الرئيسية للمعسكر إجراءات أمنية مشددة، وأسوار من الأسلاك الشائكة، والكتل الخرسانية، من الداخل يبدو المعسكر منتجعا صحراويا يضم شاليهات لقيادات الكتائب، وغرفا مؤثثة جيدا للضباط من الرتب الأقل والجنود، وأندية وبارات لكل كتيبة على حدة بخلاف المطعم الرئيسى وحمامات السباحة وسوق كبيرة بها كل السلع.
وبدأت القوة التى يبلغ قوامها 2000 جندى فى ممارسة مهامها الفعلية فى الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 25 أبريل 1982 بعد الانسحاب الكامل لإسرائيل من سيناء، ويتولى إدارة شئون المعسكر مدير عام للقوة ومقره مدينة «روما»، وله ممثل أمريكى الجنسية فى كل من «القاهرة، وتل أبيب»، ويرشح مدير عام القوة قائدا للقوة من جنسية أخرى برتبة جنرال، ويوافق عليه الطرفان «مصر وإسرائيل»، ومقره فى سيناء، وتسيطر على القوة المتعددة الجنسيات هيئة قيادة تتمركز فى منطقة الجورة.
مهام ومسئوليات القوة متعددة الجنسيات منصوص عليها فى المعاهدة الخاصة بقوات ومراقبى الأمم المتحدة وتشمل تشغيل نقاط مراجعة، ودوريات استطلاع ومراكز ملاحظة على طول الحدود الدولية، وإجراء تحقيق دورى للتأكد من تنفيذ نصوص الملحق «أ»، وهو ملحق عسكرى مرفق بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، موضحاً فيه بيان بحجم وأوضاع القوات المصرية فى سيناء والخطوط والمناطق وحجم القوات المسموح بها فى كل منطقة، ويتم تحقيق دورى نحو مرتين شهريا، وإجراء تحقيقات إضافية خلال 48 ساعة من تلقى طلب بذلك من أى طرف من الطرفين.
ومن ضمن مهام القوة ضمان حرية الملاحة عبر مضيق «تيران» وفقا للمادة الخامسة من معاهدة السلام.
أول استهداف للمعسكر كان فى أعقاب تفجيرات طابا وشرم الشيخ عام 2005 حين فجر مجهول عبوة بدائية بالقرب من أسوار مطار الجورة مستهدفا إحدى السيارات التابعة للقوات متعددة الجنسيات لم تسفر عن أى إصابات، إلا أن خصوصية العلاقة بين السكان المقيمين وقوات المعسكر تأثرت بشكل كبير تحت وطأة التساؤلات عن أسباب استهدافهم بعد أكثر من 20 عاما من العلاقات الطيبة، خاصة مع وجود وحدة تقدم العون للمناطق الأكثر فقراً، والسكان المحتاجين بخلاف فرص العمل التى يوفرها وجودهم فى مطار الجورة.
«رودريجوز» أحد ضباط الصف العاملين ضمن كتيبة إحدى دول أمريكا اللاتينية قال: «هذه المرة الثانية التى أعمل فيها ضمن أفراد القوات متعددة الجنسيات، وهى الثانية أيضا التى أتعرض فيها لظروف تمنع عودتى لمعسكر القوة بسبب الهجوم على المعسكر، وفى كل المرات كنت أقضى إجازة نهاية الأسبوع التى تحولت إلى حلم مزعج، ولا أعتقد أننى سأفكر فى مغادرة المعسكر مرة أخرى إلا عند انتهاء خدمتى هنا فى سيناء».
وقال لم نسمع عن الفيلم المسىء للرسول سوى بعد الهجوم الذى تعرضنا له، ولكننى لا أجد ما يستدعى ما حدث فلسنا مَن صنع الفيلم بل لم نعلم عنه إلا بسبب الهجوم».
من جانبه قال «ما كرس» أحد العاملين فى مكاتب الأمن بالقوة، والذى أصر على عدم ذكر اسمه الحقيقى، هو أو أى من زملائه التزاما بالتعليمات: «القوة لم يسبق أن تعرضت لهجوم مباشر، لنا أبراج مراقبة ونقاط تفتيش يبلغ تعدادها (35) منها مراكز مراقبة متطورة، وتعداد القوة لا يتجاوز 2000 جندى، والقوة الرئيسية تتوزع بين ثلاث دول (الولايات المتحدة 425 جنديا وضابطا يعملون فى جنوب سيناء ولهم معسكر رئيسى فى شرم الشيخ، بالإضافة إلى 235 من العاملين فى مجالات مختلفة كأطباء ومهندسين متخصصين فى مجال المتفجرات للتخلص من الألغام، كما تشارك دولة فيجى بـ329 جنديا وضابطا، وكولومبيا بما يقارب 300 جندى)، وفى مجال تأمين المرور فى البحر تنفرد القوات الإيطالية بالمهمة، ولها 3 سفن ومهمتها تأمين الملاحة فى خليج العقبة ومضيق تيران».