موت السلام الاقتصادي- هآرتس
بقلم: آفي يسسخروف
(المضمون: الهدوء الوهمي الذي خلقته السلطة الفلسطينية واسرائيل لن يدوم طويلا - المصدر).
يرمز الاحتجاج الاجتماعي الفلسطيني، الذي استمر نحو اسبوع في ارجاء الضفة الغربية وخبا مع نهاية الاسبوع بمفاهيم كثيرة الى نهاية عصر السلطة الفلسطينية المعروفة والمريحة لحكومة اسرائيل.
فالالاف الذين خرجوا الى الشوارع واصطدموا بقوات الامن الفلسطينية، رشقوا الاحذية على صور رئيس الوزراء سلام فياض وهاجموا رموز السلطة، كشفوا بكامل عريها فكرة "السلام الاقتصادي" من مصنع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
فقد انكشف ضعف هذا الحل – الذي تمثل بمساعدة الاقتصاد الفلسطيني بقدر ما من اجل خلق هدوء امني – على كامل صورته.
يجتاز الاقتصاد الفلسطيني نوعا من الركود أو الابطاء ومعه تضعف مكانة السلطة، اجهزة الامن واصحاب القرار في رام الله. ولعلهم في اسرائيل لا يزالون يلهون أنفسهم بالاحلام عن مواصلة سياسة النعامة: استمرار البناء في المستوطنات، الامتناع عن المفاوضا السياسية، الغوص في حياة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (ابو مازن) وتجاهل الارهاب اليهودي. ولكن مشكوك فيه أن يكون ممكنا الاستمرار في هذا لزمن طويل آخر.
هذه الفقاعة من الهدوء الامني التي خلقتها اسرائيل والسلطة الفلسطينية في السنوات الاخيرة في الضفة، من شأنها أن تتفجر في السنة القريبة القادمة في ضوء السياسة الاسرائيلية والوضع الاقتصادي المتدهور. صحيح أنهم في اسرائيل حاولوا هذا الاسبوع ايضا مواصلة اطفاء الحرائق الصغيرة: تحويل أموال الضرائب للسلطة في وقت مبكر، اصدار 5 الاف تصريح عمل جديد. ولكن يبدو أن الحكومة في القدس وبالاساس رئيسها، رفضون رؤية ما بات يلوح في الافق: أزمة الميزانية التي تعاني منها السلطة وأغلب الظن ستحتدم قريبا فقط، من شأنها ان تحدث هياجا شديدا في أوساط سكان الضفة. بداية قد يتجه الغضب نحو السلطة الفلسطينية ولكن في نهاية الامر سينتشر ويتجه ضد اسرائيل ايضا.
الشعب يريد عدالة اجتماعية
لقد فهم الجمهور الفلسطيني في الضفة هذا الاسبوع مباشرة ما رآه حتى الان في الفضائيات العربية – في أن لديه القدرة للتأثير على قرارات الحكومة. فيوم الثلاثاء خضع فياض للضغط الشديد من جانب المتظاهرين الذين طالبوا برأسه وخفض اسعار الوقود وضريبة القيمة المضافة التي سبق أن رفعت.
وقد نجح هذا على ما يبدو، فابتداء من يوم الثلاثاء سجل خبو في الاحتجاج الاجتماعي الفلسطيني. ومظاهرات الطلاب التي خطط لها في رام الله يوم الاربعاء حصلت في الحرم الجامعي في ارجاء الضفة ولم تسجل احداث عنف.
المواصلات العامة عادت الى العمل كالمعتاد وأمين عام اتحاد العمال الفلسطينيين، شاهر سعد، رجل فتح، أعلن بان اتحاد السواقين في المواصلات العامة قرر تجميد خطوات الاحتجاج في ضوء التفاهمات التي توصل اليها مع وزير المواصلات علاء زيدان.
وبالفعل، فان الاحتجاجات والمظاهرات هذا الاسبوع بدأها سائقو المواصلات عامة. في نهاية الاسبوع الماضي عطل السائقين السفريات لساعة واحدة، ويوم الاثنين اضربوا اضرابا ليوم كامل. "اضربنا بسبب الاسعار، بسبب الضرائب وبسبب السلطة الفلسطينية، التي تجبي أموال الضرائب"، يقول "هـ" سائق سيارة عمومية في محطة "مجمع بيرزيت"، في شارع الارسال في وسط رام الله.
وانتظرت عشرات السيارات العمومية دوره في المحطة، ظهر يوم الثلاثاء. "هـ" مثل زملائه في العمل، انتظر ان تمتلىء سيارته كي ينقل المسافرين الى القرى في شمالي رام الله. "أنا اكسب نحو 1.500 شيكل في الشهر واذا كان اللتر يكلف نحو 7 شيكل فكيف سأعيش؟ من ماذا؟ نحن ندفع الضريبة مضاعفة: مرة لوزارة المواصلات ومرة لبلدية رام الله. لماذا؟"
المزيد فالمزيد من السائقين اقتربوا كي يسمعوا ما يقال. "السلطة سرقت مالنا وكبار المسؤولين يبعون بابنائهم للتعلم في الخارج"، قال "ش"، هو الاخر سائق سيارة عمومية، واضاف بان وزارة المواصلات الفلسطينية تسمح للسائقين بان يقلوا سبعة ركاب فقط في سيارة تسع عشرة وفي اسرائيل يسمح بنقل العشرة. "نحن نريد ان يرفعوا عدد المسافرين ويخفضوا اسعار الوقود"، قال.
السائق أحمد، من احدى قرى شمالي رام الله، بدأ بسلسلة ملاحظات ذكرتنا بحملة يئير لبيد. "أين المال؟"، سأل. "أنا اعمل من 5:30 صباحا وحتى 6:30 مساء. 70 شيكل في اليوم. نحن ستة افراد في البيت والايجاب يكلفي 500 شيكل. كيف يمكنني أن ادفع؟ أقول لك انا مستعد لان اترك الضفة ما أن انجح في ذلك".
السؤال اذا كانوا يحتجون ضد رئيس الوزراء لانهم يؤيدون فتح، يغضبهم. "نحن لسنا حزبا او منظمة، نحن اصحاب سيارات عمومية"، يشرح احمد. "الوضع هنا صعب جدا، وأعدك بانه اذا سمحت اسرائيل للجميع للعمل في نطاقها فلن يبقى هنا أحد".
محاولة فهم لماذا بالذات فياض هو عنوان العداء مع أن عباس هو الذي يقرر السياسة، تثير الغضب تجاه الرئيس ايضا. "اذا كان عباس عين فياض، فليذهب هو ايضا"، يقول "ي" رفيق أحمد. "هدفنا هو العيش بسلام. دعك من السياسة والسياسيين. فقط العيش بسلام وبكرامة مع رزق طبيعي".
س: ولكن كيف تشرحون كل المطاعم، المجمعات التجارية الجديدة في رام الله؟
"انت مخطيء"، يقول احمد. "رام الله هي مثل تل أبيب عندكم. تعال الى القرى، وسترى ماذا يحصل هناك". ويدعي "ي" بانه اذا استمر الوضع الاقتصادي كما هو اليوم، فان "الربيع العربي سيصبح ربيعا فلسطينيا".
ويبدو ان في السلطة الفلسطينية أيضا يفهمون هذا والفزع واضح. في الاسبوع الماضي، عندما اطلق انتقاد ضد السلطة في البث الحي في التلفزيون الفلسطيني من طولكرم، فان أحدا ما في فريق البث قرر اطفاء الصوت، الانتقاد قد لا يسمع في التلفزيون ولكن يمكن للمرء ان يسمعه في كل زاوية في الضفة.
يوم ميلاد سعيد لاوسلو
مرت الذكرى الـ 19 لاتفاقات اوسلو. وحسب الاتفاق الاصلي، فانه بعد خمس سنوات من التوقيع يفترض أن تقوم دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل. اتفاقات باريس، التي هي الاخرى طالب المتظاهرون بالغائها، وقعت بعد سنة من ذلك في اطار الاتفاق السياسي المؤقت، الى حين اقامة الدولة الفلسطينية.
احد مهندسي اوسلو، احمد قريع (ابو علاء) الذي وقع على اتفاقات باريس، التقى في بداية الاسبوع مع صحفيين اسرائيليين. وينبغي القول ان القيادة الفلسطينية تقلل من الحوار مع الاعلام الاسرائيلي ولعلها ايضا يئست من التجاهل الاسرائيلي للمسألة الفلسطينية. وتذكر ابو علاء فقال: "لا بد أن شمعون بيرس يتذكر كيف أنه على مدى ساعات توقفنا في المفاوضات في اوسلو بسبب كلمتي "لا تتجاوز" في عبارة الفترة الانتقالية لا تتجاوز خمس سنوات".
وأعرب عن دهشته في ضوء السياسة الاسرائيلية التي "تتحدث عن حل الدولتين للشعبين ولكنها تقتله"، يقول. "أنا لا افهم ما الذي تكسبه اسرائيل على الاطلاق من استمرار البناء في المستوطنات أو من الاعتداءات على الفلسطينيين؟ فاذا ما قتلتم حل الدولتين فما الذي ستحصلون عليه؟ ما البديل؟ دولة واحدة. وهذه ليست المصلحة الاسرائيلية". غريب. زعيم فلسطيني يشرح ببساطة لصحفيين اسرائيليين ما يصعب عليهم في القدس أن يفهموه. هو أيضا واثق من أن الفلسطينيين لن يخرجوا ضد القيادة: "انتفاضة ضد السلطة؟ انسوا هذا. الانتفاضة لن تكون فقط بسبب اسعار الخبز، بل ستكون بسبب الاحتلال وضد".