خبر أعرف.. ولكن ما جدوى أن.. ؟! ..علي عقلة عرسان

الساعة 11:36 ص|04 سبتمبر 2012

 

أعرف جيداً، من خلال متابعات ومعاينات ومعاناة وقراءات، أنه لا يوجد أشد عنصرية وعدوانية ووقاحة من المسؤولين الإسرائيليين وأركان الصهيونية العالمية ودعاتها، وأن التاريخ الحديث جداً لأولئك يرسِّخ قديمهم التاريخي على الصعيد العقائدي في حديثهم السياسي المقيت، منذ عمليات العصابات الصهيونية الأولى في فلسطين " شتيرن، وليحي، والهاغاناة..إلخ" التي مارست الإرهاب بكل أشكاله ضد الشعب الفلسطيني قبل إنشاء " ما يسمى دولة إسرائيل"، مسمية ذلك حرب استقلال، وحتى آخر الممارسات العدوانية والعنصرية في غزة "الصمود والمقاومة والخيار الحر لقرار فلسطيني يحرر ويقرر المصير الفلسطيني"، وفي الضفة الغربية ومواقع الاستيطان وفي القدس حيث " هشم فتيان يهود جسد فتى عربي في ميدان صهيون، ورمت عصابة من الفتيان الحريديين نوافذ بيوت حي عربي في شمال القدس بالحجارة،  وسوّت جرافات للجيش الاسرائيلي مباني بالأرض وهدمت كهوفا للسكن في منطقة سوسية..إلخ" قبل أيام قليلة.

وأعرف أن الاتهام اليهودي بمعاداة السامية لأي شخص أو جماعة أو بلد، هو سلاح يقتل سياسياً ومعنوياً من خلال إعلام تسيطر عليه رؤوس أموال ومجموعات ضغط ذات تأثير ونفوذ وتاريخ عريق في الفجور، وهو إعلامٌ يخيف الغربيين وكثيرين غيرهم في العالم.. كما أعرف أن الصهاينة يملكون دجاجة تبيض ذهباً هي " الشيوا.. أي المحرقة"، يبتزون بها الغربيين عموماً والألمان من بين الغربيين على وجه التخصيص، فيأخذون منهم المال والسلاح والدعم بأنواعه، ويجبرونهم على توارث الندم، وعلى تأييد احتلالهم لفلسطين وتشريدهم لشعبها، وعلى السكوت على العدوان والاستيطان والممارسات العنصرية الصهيونية الكريهة التي تستمر في الأراضي العربية المحتلة، مرافَقَة بادعاء يهودي وقح وقبيح بأن هناك عداءاً دولياً لليهود ولدولتهم في فلسطين، و" إرهابيين" ـ هم عناصر المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن نفسها ضد الاحتلال ـ  وأن هناك من يهدد وجودهم؟! فلننعم النظر في "يهدد وجودهم"، وهم المحتلون الذين يملكون أعتى قوة عسكرية في المنطقة: "752500 جندياً و 3230 دبابة، و1966 طائرة، عدا ترسانة الأسلحة المتطورة جداً، والصواريخ المتنوعة، والقبة الحديدية، وأسلحة الدمار الشامل النووية وغير النووية، المسكوت عنها دولياً والمفاعلات الذرية المستمرة في العمل منذ عام 1956 تاريخ إنشاء مفاعل ديمونة.. إلخ"، ويقيمون معسكرات الاعتقال للفلسطينيين، ويشرعنون ما يعرف لديهم بالاعتقال الإداري على أساس الشك والتخرُّص، وهم تاريخياً هم القتلة العنصريون المبغضون للسلام ولمحبيه الحقيقيين ودعاته، ولكل من يناصر الفلسطينيين، أهل الأرض الأصليين وأصحابها التاريخيين، من رموز دينية وثقافية وسياسية وحقوقية، ومن أولئك الجنوب إفريقي الأب ديزموند توتو والأب الفرنسي بيير الذي ناصر الباحث والمفكر روجيه غارودي في رأيه وموقفه، والضحية الأميركية راشيل كوري، وكل من قال بتصويب التاريخ وبحث عن الحقيقة لا سيما بشأن " المحرقة"، وعلى رأسهم المفكر الفرنسي المرحوم روجيه غارودي.. وصولاً إلى  الأفارقة الأمريكيين الذين " أصبحوا اليوم من المجموعات العنصرية أو العرقية الأكثر بروزا في الدفع إلى الأمام بمعاداة إسرائيل ومعاداة السامية".. حسب رأي ورؤية وتقرير كتاب إسرائيليين مشبعين بالعنصرية والكذب.. وقد تجسَّد هذا التوجه بزعمهم " في التصريح الذي يثير الاشمئزاز – حسب قولهم - الذي صدر في الفترة الأخيرة عن الأديبة الإفريقية الأمريكية اليس ووكر التي طلبت منع ترجمة روايتها – التي تتناول العنصرية – إلى العبرية".. وقد اتهمت الكاتبة إسرائيل باستخدام "عنصرية" أكثر تطرفاً حتى من تلك التي استُخدمت في جنوب إفريقية في فترة الفصل العنصري.". والاَفة المستمرة التي تكاد تكون القشة التي تقصم ظهر البعير لمن يتابع هذا النهج العنصري – الافترائي المبرمج، وتحول دون القدرة على احتمال الحالة الصهيونية المرَضية المزمنة، قول كتاب منهم: "إن أحد الألغاز الكامنة في الطغيان العالمي لمعاداة السامية هو ميل مجموعات ودول وقع عليها اضطهاد في الماضي إلى ألا تكافيء أو تعترف على الأقل بالاسهامات اليهودية التي لا نظير لها في تأييد نضالها من أجل التحرر من الاضطهاد والتمييز والمس بحقوق الإنسان والحصول على الاستقلال."؟! وهم يقصدون جنوب إفريقية؟! أليس هذا عجيباً ممن تحالفوا مع نظام بريتوريا العنصري وتجاوزوا العقوبات الدولية المفروضة عليه وتعاونوا معه نووياً، واضطهدوا الشعب الفلسطيني بما هو أبشع من اضطهاد العنصريين البيض للسود في جنوب إفريقيا بشهادة وفود رسمية من أولئك زارت فلسطين، وممن يستمرون في ممارسة أطول تاريخ اضطهاد، وهم آخر المحتلين المسكوت عنهم دولياً بعد تصفية الاستعمار في العالم!! وهم من يملكون أسلحة الدمار الشامل ويقومون في الوقت ذاته بالعدوان على دول عربية وإسلامية " العراق وسورية"، بذريعة أنها تفكر بامتلاك أسلحة نووية، تملكها هي وتهدد بها العرب والمسلمين ويتم السكوت عليها دولياً، وتقيم العالم ولا تقعده على دول تقول إنها تستعد لامتلاك سلاح نووي، بينما  تمتلك هي منه مئات الرؤوس النووية؟! إنها تستعد للعدوان على إيران علناً وعلى سورية بريعة الأسلحة البيولوجية والكيمياوية، وتأخذ على العالم سكوته عنهما، وعلى حلفائها عدم مشاركتهم فيما تنوي القيام به من عدوان صريح؟! وهم " الإسرائيليون" هم الذين لا ينضمون إلى وكالة الطاقة الذرية في العالم، ويتمتعون بحماية الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوربية من المساءلة عن أسلحة نووية وممارسات عنصرية وأخرى غير قانونية وانتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان؟!

  أعرف.. وأعرف.. وأعرف.. ولكن ما فائدة المعرفة والإدانة ورفع الصوت وغير ذلك من الأدوات الكلامية والمنطقية والأخلاقية، في مواجهة عالم أصم، ينافق، ويرفع المصالح فوق المبادئ، ويضع الأخلاق والقيم والقوانين في سلة المهملات عندما يريد كباره ويخرجها من طاقية الساحر عندما يريدون.. ويرتعد خوفاً من القرصان الأكبر في العالم " الولايات المتحدة الأميركية"، ويصنع إعلاماً لا صلة له بالموضوعية والحقيقة وشرف المهنة، أو يسكت على ذلك النوع من الإعلام ويهابه؟!.. وما جدوى الكلام، على أي شكل يكون الكلام، في عالم يتعامل بمنطق القوة ويعليه على كل منطق، ويقيس الأمور بمعايير وجود الأسلحة الفتاكة بأنواعها من السلاح النووي إلى وسائل التدمير الأشمل الذي تملكه وتستعمله وتلوح باستعماله دولة العنصرية والإرهاب " إسرائيل" التي توضع فوق القانون والمساءلة، بقوة " السياسة الأميركية العمياء" التي تأخذ "بعدالة عرجاء، وقيم إنسانية عوراء.. وتدعي أنها فائقة الحساسية والتمييز فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية " النظيفة"!!.. بينما لا حرية ولا حقوق ولا عدالة ولا ديمقراطية تحكم سياستها الدولية التي تؤثر سلباً في مفهوم العدل والأمن والسلم على مستوى العالم كله، وتفسره هي كما تريد، بتشويه فريد ليس عليه من مزيد؟!

إن الكيان الصهيوني البغيض يفعل ما يفعل بسبب حلفائه وشركائه في العنصرية والاحتلال وفرض الهيمنة على الآخرينن وبسبب ضعفنا وجهلنا وتخلفنا وتواطؤ بعضنا على قضيتنا العادلة وعلى غيره من " الأخوة والأشقاء.."، وهو يفعل ذلك أيضاً بفعل ترسانته العسكرية الحديثة التي يفرض بواسطتها احتلالاً مزمناً لفلسطين، كل فلسطين، ولأرض عربية أخرى منها الجولان ومزارع شبعا وبعض القرى الأبعد إلى الجنوب، ويفرض تهويداً للأرض المحتلة ولعاصمة فلسطين القدس، ويتسبب في معاناة لا نظير لها لشعب فلسطين الواقع تحت الاحتلال، والقابع في المعتقلات، والمشرد في أنحاء الأرض.. وفي موجات اضطهاد وألم تتواصل وتتجدد منذ سبعة عقود؟!. إن " إسرائيل"، ومن ورائها الحركة الصهيونية، دولة تملك من الوقاحة ما يجعلها تهدد الشعوب والدول والرؤساء والشخصيات الفكرية والثقافية والاجتماعية والفنية التي لا تقول ما يروق للصهاينة ولا تنفذ ما يطلبونه منها، أو لا تعادي الذين يريد اليهود أن تعاديهم؟! حتى بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، المخلص لهم فوق كل حد، الذي يرتجف غضباً وهو يصرح تأييداً لإسرائيل وتنديداً بمن يزعج مستوطناً يهودياً من قطعان المستوطنيين الذين يدمرون حياة الفلسطينيين مادياً ومعنوياً، ويستولون على ممتلكاتهم، ويسلبونهم أرضهم يومياً، ويسكت عن جرائم صهيونية كبيرة، لم يسلم من الأذى والاتهامات والهجمات لأنه قرر، بحكم وظيفته ومسؤوليته الدولية، أن يحضر قمة عدم الانحياز في طهران التي يحضرها ثلثا دول العالم.. ولهذا عُدَّ منحازاً وربما معادياً للسامية، لأنه لم يخضع لرأي نتنياهو بالمقاطعة وعدم الحضور؟! وقيل في ذلك من الإعلام الصهيوني:" مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في المؤتمر أغضبت القدس. وحتى لو كان نتنياهو محقاً، فهذه نتيجة أزمة الثقة بينه وبين الولايات المتحدة واوروبا.". وهناك من بين الصهاينة اليوم من يعادي الرئيس أوباما نفسه- وتلك بتقديري حالة ابتزاز عملية قبيل الانتخابات الأميركية – وهو الذي قدم لـ " إسرائيل" ما لم يقدمه رئيس آخر لها، باستثناء جورج بوش الإبن ربما والرئيس ترومان، لأنه كان وراء تصريح الجنرال مارتين دامبسي الذي لا يمكن أن ينطق بمثل ما نطق به من لندن من دون موافقة رئيسه، إذ قال الجنرال: " لن أرغب في أن أكون شريكاً في هجوم إسرائيلي"، وإن "الهجوم الإسرائيلي لن يصفي البرنامج النووي الإيراني".. مع أن هناك من يؤكد من الصهاينة أنفسهم أنه "لا جديد في الموقف الأمريكي. فما قاله دامبسي علنا، قالته شخصيات أمريكية في محادثات مغلقة مع إسرائيل".!! وقال مسؤولون في تل أبيب: " اجتازت الإدارة الأمريكية بأقوال دامبسي خط الانتقاد الشرعي ضد إسرائيل ومست بشكل كبير بالردع الإسرائيلي."، ولا أدري ما معنى خط الانتقاد الشرعي؟! وكأن هناك خط انتقاد شرعي وآخر غير شرعي عندما تعبر دولة عن موقفها هي حيال ما يُطلب منها أن تقوم به من حليف لها؟! إلا أن القول، أو الموقف، ذاته يعبر بدقة وعمق عن مدى ما يَسمح الصهاينةُ به وما لا يسمحون به في الإدارة الأميركية.. وقد لمسنا هذا في مواقف كثيرة مع إدارات أميركية سابقة."، وربما يدخل في هذا" عجز" أوباما عن تنفيذ ما صرح به وتبناه وحدد له مواعيد وبرنامجاً زمنياً، أي إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة"، بل اضطر، أو اختار لأسباب، أن يقف ضد أماني الشعب الفلسطيني وحقوقه التي سبق أن أقر بالحد الأدنى منها؟! ومن ذلك أيضاً تراجع أوباما عما قاله في جامعة القاهرة في حزيران 2009 بشأن الأسلحة الذرية والطاقة النووية، حيث قال: " "لا يجب على أية أمة أن تختار وحدها أي الأمم تملك السلاح الذري. لهذا أكدت التزام أمريكا بالسعي إلى عالم لا تملك فيه أية دولة سلاحا ذرياً. لكل دولة، ولإيران أيضا، حق في إنتاج طاقة ذرية لحاجات مدنية مع الخضوع لميثاق منع نشر السلاح الذري. وآمل أن تسعى جميع دول المنطقة الى هذا الهدف.".. لكن أين التطبيق على " إسرائيل" وعلى دول العالم الأخرى؟ وما هي الخطوات االتي اتخذات لمقاربة تنفيذ هذا االتوجه السليم؟ لقد ابتلع أوباما كلامه ولسانه في وقت لاحق.. وإذا أردت أن تعرف السبب فابحث عن المصالح وعن دور الحركة الصهيونية و" إسرائيل" فيما يتعلق بالتنفيذ وبالانضمام للوكالة الدولية للطاقة النووية، وفي مجرى الأحداث الحالية المتعلقة بتهديد يتصل بالطاقة النووية للأغراض السلمية. 

إننا في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وفي دوائر أخرى مثل الاتحاد الإفريقي ودول عدم الانحياز، لا نملك قرارانا السياسي وحرية إرادتنا من جهة، ولا نؤسس على تعاون بناء، ولا نُجمع عملياً على أمر ونثبُت على هذا الاجماع ونعمل على تحقيقه، ولدينا الاستعداد لقبول الإغراء بما هو سلبي على المدى البعيد، والقابلية للتحريض بعضنا ضد بعض، والارتماء بين أحضان القوة.. ولهذا نحتاج للاحتماء بالمستعمرين والظالمين والحاكمين الفعليين استناداً إلى القوة وليس إلى العدل.. ولذا نجد أن دولة لا تتمتع بالشرعية وقامت على العدوان والإرهاب والاحتلال، هي " إسرائيل" تفرض ما تريد، وتفلت من العقاب، وتستمر في ممارسة الإرهاب والاضطهاد والاحتلال وانتهاك الحقوق والقانون الدولي، وتشكل مع حلفائها الأقوياء كتلة عدوانية ضدنا وذلك على حساب الشرعية الدولية والقانون الدولي ومصالح شعوبنا ودولنا ومعاناتنا الكبيرة.. والسؤال المر: أما آن لنا أن نتعلم ونتمرد على وضع غير أخلاقي وغير إنساني وغير حقاني، يدمر حاضرنا ومستقبلنا ، ويجرنا إلى أن نقتل أنفسنا بأيدينا.. ونحن نعلم أننا نفعل ذلك الذي لا ينفع إلا عدونا؟!.

 

دمشق في 4/9/2012