خبر الصحافة الإسرائيلية في خطر- هآرتس

الساعة 08:06 ص|30 أغسطس 2012

 

بقلم: أري شبيط

كانت ذات مرة مهنة كهذه، أعني مهنة الصحفي. لم يحظ أصحاب هذه المهنة قط بتقدير كبير، فقد كانوا يُرون دائما نباشين يقلقون راحة المال ويعكرون صفو السلطة. وكانوا يُعدون باحثين عن الفضائح الصارخة التي تميل الى تكثير القُراء. لكن المجتمع الحر فهم انه يحتاج من اجل الابقاء على نفسه الى أصحاب المهنة المتدسسة. وبرغم انه لم يعاملهم قط كما عامل القضاة واعضاء مجالس الشعب فهم أنهم وكلاء ضروريون من اجل المسيرة الديمقراطية ايضا. ينبغي الحفاظ على حرية الكُتاب في الصحف والمذيعين في المذياع والتلفاز لأنهم هم من فُوض اليهم الجريان الحر للمعلومات والأفكار. وفهم كل ذي عقل ان حرية الصحافة مُغضبة لكنها مطلوبة لمنع الاستبداد. وعلم كل ذي منصب ان الصحفي يؤدي دورا التزم المجتمع الليبرالي أن يوليه شيئا ما من القداسة.

        مكّنت قوتان كبيرتان الصحفي من أداء عمل مقبول وهما: الاعلام الخاص والاذاعة العامة. وكان الاعلام الخاص قادرا على اقامة أوَدَ الصحفي لأنه استمد من مدفوعات جباها من مستهلكين وأصحاب اعلان، ومكّنت الاذاعة العامة الصحفي من العمل لأنها انشأت حاجزا ما بين السلطة وبين مُستعرضي احوال السلطة ومنتقدي السلطة الذين أنفقت السلطة عليهم. وانشأت السوق الحرة من جهة والدولة السليمة من جهة اخرى بيئة اقتصادية معقولة للعمل الصحفي المهني النزيه.

        لكن هاتين القوتين تنهاران في القرن الواحد والعشرين، لأن البنية الاعمالية للاعلام الخاص تنهار (الانترنت وانخفاض الاعلان وتغيير عادات القراءة والمشاهدة)، ولم تعد الرأسمالية تستطيع ان تنفق على صحافة تستحق هذا الاسم. لأن السياسة الفظة تسيطر مرة اخرى على الدولة والحاجز الذي كان موجودا بين السلطة وبين مستعرضي احوالها ومنتقديها أخذ يختفي، وتتلاشى البيئة الاقتصادية التي مكّنت من وجود صحافة حرة في الماضي.

        ان نتيجة هذين المسارين بسيطة وهي ان الصحفي ذا الكرامة الشخصية، والروح المهنية والاستقامة المدنية قد أخذ يختفي. وتحول الصحفي صاحب القوة والثبات الى نوع قد فني. ما يزال كثيرون في الحقيقة يعملون في منظمات تسمى منظمات اعلام وتوجد كلمات في الصحف وصور في التلفاز ومعلومات في مواقع الأخبار على الانترنت. لكن أكثر الأجسام الاعلامية ضعيفة أو مخصية أو مبيعة. وأكثر العاملين فيها هم عمال مضروبون. ولا يوجد مصدر عيش في الصحافة ولا أمن عمل ولا مستقبل. والكرامة المهنية محطمة، ففي هذه الظروف يضعف احتمال الحفاظ على النزاهة والجودة زمنا طويلا، واحتمال ان يوجد هنا بعد عشر سنين صحفيون عظام صفر. فالصحفي الذي كان يتجول بيننا زمنا طويلا جدا لن يسير بيننا في المستقبل، فقد أصبح يحتضر الآن.

        ليس صعبا ان نصف ماذا كان سيحدث لو جاء نبأ خفوت شأن القاضي أو عضو مجلس الشعب. كان سيكون من الواضح للجميع أنه بغير جهاز قضاء مستقل وبغير مجلس نواب حر لا توجد ديمقراطية. لكن الذبول التدريجي المخجل للصحفي ما زال يُتلقى هنا في عدم اكتراث. ويُرى تعفن كثير من وسائل الاعلام مسارا طبيعيا تقريبا. فالسلطة راضية والمال مستريح جدا والجمهور غير مكترث. ان المجتمع الحر ينفصل عن جهاز الاوكسجين الذي كان يُبقيه حيا من غير ان يدرك آثار هذا الانفصال.

        من الواضح انه ينبغي هذا الاسبوع بذل جهد كبير لانقاذ القناة العاشرة، لكن مشكلة القناة العاشرة هي طرف جبل الجليد فقط لأن جميع وسائل الاعلام في اسرائيل معرضة اليوم لخطر الابادة أو الافساد. وقد يختفي جميع الصحفيين الأحرار والنوعيين. ويستطيع عمل مُجد شامل فقط ان ينقذ الاعلام الاسرائيلي. ويستطيع منتخبو جمهور ذوو قيم وأصحاب مال فقط ان يمنعوا ذبول الصحافة ذات القيمة. ان الدولة التي وجدت طريقة لانقاذ البنوك والكيبوتسات والقرى الزراعية يجب عليها ان تجد الآن طريقة لانقاذ الصحافة. فالمُعرض للخطر الآن ليس وسائل الاعلام ولا هذا الصحفي أو ذاك، بل مستقبل المجتمع الحر.