خبر الثورة لم تنته بعد- هآرتس

الساعة 07:49 ص|02 أغسطس 2012

 

بقلم: ايلي فوده

بروفيسور في دائرة الدراسات الاسلامية والشرق الاوسط في الجامعة العبرية

الان، ما أن مرت سنة ونصف على اندلاع "الربيع العربي"، حتى بات ممكنا اجراء ميزان مرحلي للتغييرات التي وقعت في العالم العربي. ثلاث دول نجحت حتى الان في أن تنهي بنجاح نسبي الانتقال الى حكم ديمقراطي: مصر، تونس وليبيا. في اليمن نحي الرئيس الطاغية، ولكن لم تجرى بعد انتخابات ديمقراية، اما في سوريا فيكافح النظام في سبيل حياته ولكن يبدو أن ايامه معدودة. الانظمة الاخرى في الدول العربية – 17 في عددها – بقيت على حالها. صحيح ان في الاردن، في المغرب، السعودية، البحرين، ودول اخرى جرت مظاهرات واندلعت اضرابات ولكن صحيح حتى الان انظمتها تبدو مستقرة.

في ضوء حقيقة أن الربع العربي محصور في حجمه الجغرافي، هل يمكن أن نرى في الثورة التي وقعت في بعض من الدول ظاهرة اقليمية ذات معنى تاريخي؟ هل يمكن أن نشير الى أنماط التغيير التي وقعت في هذه الدول؟

لقد وقعت الثورات في دول تعتبر من حيث تعريف أنظمتها بالجمهورية، وعلى رأسها وقف دكتاتوريون استولوا على الحكم على مدى فترة طويلة وعانوا من مشاكل خطيرة تتعلق بالشرعية. وكان التغيير متاحا بعد أن رفض الجيش القيام بدوره التقليدي في حماية النظام. وبالمقابل، فان الملكيات، التي يحكمها زعماء اكثر "رقة"، عرفت كي تطور حوارا مع المجتمع المدني ومحافل المعارضة. بعض الملكيات تتمتع ايضا بشرعية دينية، كونها من سلالة النبي (الاردن والمغرب). واصبحت دول الخليج دول قبائل، يشترى فيها ولاء المواطن بالامتيازات الاقتصادية.

ومع ذلك، اذا ما انتهى الانتقال الى نظام ديمقراطي في الدول الثورية بسلام، فسينشأ ضغط من جانب المجتمع المدني على القيادات في الدول الاخرى لاجراء اصلاحات بنيوية، من شأنها ان تعرض للخطر استقرار النظام. وبالتالي يوجد احتمال معقول ان تجتاز الدول الملكية ايضا نوعا من الثورة، من تحت أو من فوق. في هذه الاثناء، المملكة في المغرب وحدها هي التي بادرت الى اصلاحات ذات مغزى.

مصر، تونس ولييا لا تزال غير ديمقراطية بالمعنى الغربي للكلمة. ولكنها بدأت تسير في الطريق الطويل الذي يمكن أن يقلها الى هناك. الانتخابات فيها مرت دون احتكاكات كبيرة. وجديرة بالاشارة على نحو خاص حقيقة أن ليبيا، التي ليس لها تقاليد وطنية مثل مصر وتونس والمجتمع فيها منقسم من ناحية قبلية، اجتازت هي ايضا بنجاح عملية الانتخابات.

رغم الشك الذي ميز الموقف في الغرب، ولا سيما في اسرائيل من "الربيع العربي" – يمكن، بالتالي، الاستنتاج بان العالم العربي يقف بالفعل في مدخل العصر الديمقراطي. يبدو أيضا أن الاحزاب الاسلامية انخرطت في الحوار الديمقراطي ولا ترى بالضرورة تضاربا بين الاسلام والتحول الديمقراطي.

من زاوية نظر عالمية، نحن نشهد موجة رابعة من الثورات، بعد انتهاء الموجة الثالثة في دول شرق اوروبا، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. الموجة الرابعة كفيلة بان تكون اقصر من الموجات السابقة، لان العولمة وتطور وسائل الاعلام والشبكات الاجتماعية تؤدي الى قصر السياقات التاريخية.

نتائج الانتخابات في مصر، تونس وليبيا تفيد بانه لا يوجد نموذج ثوري واحد. المعطيات الاجتماعية والجغرافية في كل دولة تخلق هامشا مختلفا من الظروف، من جانبها تخلق نموذجا آخر. يمكن بالطبع التعميم والقول ان العناصر الاسلامية تعززت؛ في مصر هذا أبرز بسبب مركزية حركة الاخوان المسلمين. ولكن نتائج الانتخابات للرئاسة أفادت بتوازن ما بين العناصر الاسلامية والعناصر "العلمانية". في تونس، مع أن حزب "النهضة" الاسلامي انتصر في الانتخابات، الا أنه شكل حكومة بالتعاون مع احزاب "علمانية". اما في الانتخابات التي جرت في ليبيا فقد حصلت الاحزاب العلمانية على عدد مضاعف من الاصوات التي حصل عليها الاخوان المسلمون. سوريا لا تزال تكافح في سبيل مصيرها، ولكن هناك أيضا توجد امكانية معقول في الا تؤدي انتخابات حرة بالضرورة الى انتصار اسلامي جارف.

تضح بالتالي صورة مركبة للربيع العربي، الذي رفع الى الحكم خلطات مختلفة من الاحزاب. لا ريب أن مصر – بسبب حجمها وأهميتها – تشكل النموذج الاهم، ولكن لما كفت عن أن تكون زعيمة العالم العربي، يحتمل أن يكون لهذا النموذج تأثير اقل مما كان في الماضي.

الربيع العربي وان كان محدودا حتى الان من حيث حجمه الجغرافي، الا انه في الدول التي وقع فيها أحدث تغييرات ثورية لا مرد لها. نجاح الثورة في هذه الدول سيشكل محفزا للتغييرات التي ستقع في دول عربية اخرى. سقوط نظام الاسد في سوريا سينقل الرسالة في أن القوة العسكرية ايضا لا يمكنها أن تقمع على مدى الزمن تصميم الجماهير. من يرغب في أن يبقى في الحكم يتعين عليه أن يحدث تغييرات. وعليه، فيمكن التقدير بان الثورة العربية لم تنتهي بعد. فلا يزال بانتظارها الاحداث.