خبر بفضل القطيعة.. هآرتس

الساعة 08:19 ص|19 يوليو 2012

بقلم: جدعون ليفي

(المضمون: تُسهل الاكاديمية الاسرائيلية بعدم معارضتها لانشاء جامعة في الاراضي الفلسطينية المحتلة، الدعوة الى القطيعة مع المؤسسات الاكاديمية الاسرائيلية في العالم كله - المصدر).

تعالوا نتصرف بصدق: لو أنكم كنتم مثقفا غربيا مشاركا في السياسة وذا اكتراث وضمير تهمه حقوق الانسان والحفاظ على القانون الدولي، فكيف كنتم ستسلكون؟ تُنشيء اسرائيل جامعة في قلب مناطق محتلة على ارض كانت فلسطينية ذات مرة، محاطة بقرى فلسطينية ليس لسكانها حقوق مواطنة ويُمنع أكثرهم من دخول أبواب الجامعة.

تخدم الجامعة فقط مواطني الدولة المحتلة ما عدا عددا من الشاذين اللطفاء. وقد أُنشئت بفعل أمر جنرال. وقد تكون الجامعة الوحيدة في العالم التي سيدها جنرال، وهي ذات ميزانية خاصة من وزير المالية الذي أصبحت عنده فجأة مصادر تمويل لا تنفد. وقد قامت ايضا بفعل قرار جسم غريب هو "مجلس الدراسات العليا في يهودا والسامرة"، وكأن يهودا والسامرة اقليم اسرائيلي ذو سيادة، وبخلاف قرار لجنة التخطيط وتخصيص الميزانيات التابعة لمجلس الدراسات العليا وهو الجسم المختص الوحيد المؤهل بأشباه ذلك.

اتحد جميع رؤساء الجامعات في اسرائيل معترضين على انشاء الجامعة، لكن لم يتجرأ أحد منهم على ان يقول ان معارضته تنبع من كونها واقعة في منطقة محتلة. وقد تمسك هؤلاء الجُبناء باعتبارات اكاديمية وميزانية كي لا يتم اتهامهم معاذ الله باعتبارات "سياسية" هي اعتبارات قانون واخلاق وعدل واستقامة. وفي المقابل كان قرار انشائها بالطبع قرارا سياسيا وهزليا لا توجد أية صلة بينه وبين الاعتبارات الاكاديمية. ان جامعة اريئيل ليست أفضل من معهد سفير وليست أنسب من معهد تل حي، لكنها أُقيمت في المناطق المحتلة ولهذا، ولهذا وحده، اعتُرف بأنها جامعة.

نسمع بهذه الجامعة الغريبة التي نشأت وتختص بعلوم الاحتلال – فماذا يُعتقد فيها؟ ما الذي تعتقدونه في المؤسسة الاكاديمية في اسرائيل التي ساعدت على انشائها وإن كانت قد احتجت احتجاجا ضعيفا؟ وفوق كل شيء كيف تسلكون في أعقاب القرار؟ لو أنكم كنتم مثقفين نزيهين وذوي ضمير لاستقرت آراؤكم على الدعوة الى القطيعة مع الاكاديمية في اسرائيل التي ساعدت على مشروع الاحتلال الفاضح هذا. كان ينبغي القطع لا مع جامعة اريئيل فحسب بل مع سابقاتها السبع التي لم تفعل ما يكفي لمواجهة الطوفان. وهكذا حظي أنصار القطيعة الاكاديمية مع اسرائيل أول أمس بحقنة تشجيع من مصدر غير متوقع: فانه ليست القلة من المثقفين المتطرفين اليساريين في اسرائيل ممن دعوا الى القطيعة منذ زمن بل المؤسسة اليمينية القومية هي التي أسهمت الآن اسهاما كبيرا مع مؤيدي القطيعة.

في المرة القادمة حينما يتجرأ أحد ما هنا على اتهام اليسار المتطرف بضعضعة صورة اسرائيل في نظر العالم، سيكون من الواجب عليه ان يوجه ادعاءاته على "مجلس الدراسات العليا في يهودا والسامرة" وعلى رئيس الوزراء الذي أيد وعلى وزيري التربية والمالية اللذين شجعا. فهم الذين سببوا ضررا كبيرا بمكانة اسرائيل الاكاديمية أكثر من اليساريين جميعا. وقد ثبت مرة اخرى ان اليمين هو كاره اسرائيل الحقيقي وأن استقرار الرأي على اريئيل أكثر ضررا من كل مقالات "التشهير". إنتظروا وسترون.

من ذا يستطيع بعد الآن الحديث بجدية عن حرية اكاديمية وعن نزاهة فكرية في اسرائيل؟ لم تعد توجد حرية اكاديمية ونزاهة فكرية في المؤسسة الاكاديمية، وقد نشأت جامعة بأمر عسكري في مناطق محتلة محاطة بقرى مسلوبة وسكان واقعين تحت الاحتلال، ولا تخطو المؤسسة الاكاديمية في اسرائيل خطوات احتجاج مهمة مطلوبة لمعارضة القرار. حينما يُعمق المحتل احتلاله بجامعة وتصمت الاكاديمية تكون شريكة في الخطأ. وحينما يقول مسؤول كبير في هيئة رؤساء الجامعات لصحيفة "هآرتس": "تم اجتياز جميع الحدود ومنها الحدود المتخيلة التي لم نحلم برسمها"، فانه يُضلل ايضا. فهذا دفن للاكاديمية كلها التي ساعدت قبل ذلك بصورة غير مباشرة على الاحتلال من البرامج الخاصة لضباط الجيش الاسرائيلي وعملاء "الشباك" الى الصمت المُهين وعدم مشايعة الجامعات الفلسطينية في المناطق التي تمنعها اسرائيل وتمنع طلابها من العمل بحرية.

أصبح العلم الاسود يخفق الآن في وضوح فوق الاكاديمية الاسرائيلية، وهو علم لم يعد ممكنا الاستمرار في اخفائه. ما أسهل الدعوة الى القطيعة منذ الآن.