خبر يحتلون ويتمتعون -معاريف

الساعة 08:18 ص|15 يوليو 2012

 

يحتلون ويتمتعون -معاريف

بقلم: روبيك روزنتال

(المضمون: قبرص هي مرآة للوضع في أراضي بلاد اسرائيل الغربية. الصورة معاكسة، ولكنها تعكس ذات الواقع - المصدر).

        زرت قبل نحو اسبوع قبرص لاول مرة. دولة جزيرة صغيرة، دافئة وعاطفة، خليط من الثقافات، وبالاساس اليونانية والبريطانية، تصمم صورتها. ولكن على كل هذا يلقي بظلاله الموضوع شبه الحصري الذي يتحدث فيه القبارصة معنا، وربما ايضا بينهم وبين أنفسهم. لا، ليس هذا هو الوضع الاقتصادي الفظيع، انه الاحتلال التركي.

        هذا لم يحصل أمس، هذا حصل في 1974، ولكن هذه الدولة الشابة، التي تأسست في 1960، شهدت لحظات قليلة جدا من سعادة الدولة الواحدة. ممزقة ومتآكلة بين الدولتين اللتين تعانقاها، يونان الجنرالات وتركيا، انقسم الارض الى قسمين: الشمال التركي، 37 في المائة من مساحة الجزيرة و 11 في المائة من السكان، والوسط – الجنوب القبرصي اليوناني.

        كل اليونانيين تركوا القسم التركي، ودفع الاتراك الى هناك بابناء الطبقات الدنيا من مناطق مختلفة في تركيا وأعادوا تصميم المنطقة من جديد. وتحولت فمغوستا الى مدينة أشباح، والشواطيء الذهبية للشمال هي اشواق للاجيال القديمة. في رحلة الى الجنوب كررت المرشدة المرة تلو الاخرى جملا تبدأ بـ "لاسفنا، الاحتلال التركي غير القانوني...".

        قبرص هي دولة جريحة، والجرح يتلقى رمزية تقشعر لها الابدان تتمثل بعلم ضخم لتركيا، بطول 4كم، منحوت في صخور الجبال الشمالية التي تسيطر عليها تركيا والتي تسمى "الاصابع الخمسة"، وكل من يذهب الى شمالي نيقوسيا يراه من مسافات بعيدة. نيقوسيا هي مدينة منقسمة، تماما مثل القدس ذات مرة. الشارع المبلط في نيقوسيا تقسمه معابر حدود وفحص جوازات سفر. يمكن الانتقال الى جولة في القسم التركي والعودة. العبور هو صدمة ثقافية: 20 متر من المحلات المغلقة تفصل بين المدينة اليونانية – البريطانية والمدينة التي تسودها كل مظاهرة الثقافة التركية. الكاتدرائية اليونانية الارثوذكسية تم اخلاؤها، وتحويلها الى مسجد.

        ظاهرا، ما يميز بين الوضع القبرصي والوضع الاسرائيلي يزيد عما فيهما من أوجه شبه. فالقبرص هي بلاد منقسمة، اما دولة اسرائيل فقد ازالت الحدود وخلقت وحدة اقليمية واحدة. هكذا ايضا نيقوسيا منقسمة مقارنة مع القدس الموحدة. في قبرص الاحتلال التركي رحل السكان اليونانيين من الشمال، وفي اسرائيل دخل سكان يهود الى المنطقة المحتلة. في قبرص من يشعر انهم محتلون هم بالذات من ليسوا تحت الحكم التركي، اي الاغلبية اليونانية. اما عندنا فان من يشعرون بانهم تحت الاحتلال فهم الفلسطينيون خلف الخط الاخضر.

        الى جانب هذا تبرز حقيقة مشتركة اساس: المنطقة التركية – القبرصية هي منطقة بلا مكانة. فهي ليست مقبولة في العالم كجزء من تركيا، وليست جزءا من قبرص وليس لها اي مكانة مستقلة معترف بها. هذه ايضا هي مكانة المناطق خلف الخط الاخضر. انا مستعد للتخمين بان في تركيا تشكلت نوع من لجنة ادموند ليفي قضت بان الحكم التركي في قبرص شرعي. ولكن هذا لا يترك اي انطباع على العالم، القانون الدولي والعقل السليم. ومن هنا ربما الاستنتاج اللازم، سواء كان متفائلا أم متشائما حسب زاوية النظر، حقيقة ان مناطق في قبرص مثلما في اسرائيل ليس لها مكانة واعتراف رسمي، ولا توجد نماذج يقبلها الرأي العام في العالم اليوم عن حكم دولة أجنبية لمنطقة ليست لها، لا تقدم ولا تؤخر في شيء.

        القانون الدولي هو الاخر عديم الاسنان، وما يقرر الامور هو المصالح، القوى العاملة والقوة العسكرية. القبرصيون الذين تحدثنا معهم اعترفوا في واقع الامر بانهم لا يؤمنون بان يروا قبرص تعود الى وحدتها وهم على قيد الحياة. الرأي السائد في اسرائيل في كل اجزاء الخريطة السياسية هو اننا لن نرى وضعا تعود فيه بلاد اسرائيل بان تكون منقسمة بين الشعبين المتواجدين فيها. قبرص هي مرآة للوضع في أراضي بلاد اسرائيل الغربية. الصورة معاكسة، ولكنها تعكس ذات الواقع.

------------------------------------------------------