خبر قراءة إسرائيلية حول توجهات مصر الجديدة بين الداخل والخارج ..د. عدنان أبو عامر

الساعة 11:15 ص|12 يوليو 2012

تقدر دوائر صنع القرار في تل أبيب بأن وجهة نظر المجلس العسكري المصري تجاه التطورات الداخلية واضحة، فهو يأمل أن يصبح الرئيس الجديد محمد مرسي عاجزا قبل أن تبدأ ولايته، لأنه يمثِّل نصف الشعب فقط، وسُلبت منه أغلب صلاحياته وقت الإعلان.

كما يتوقع جنرالات الجيش المصري أن يضيع مرسي بسرعة كبيرة، فهو يُعدُّ من الآن فصاعدا مسئولًا عن مشاكل الدولة دون أن يكون لديه قدرة فعلية على السيطرة، أو تحديد السياسات، وفي نهاية المطاف ستسنح الفرصة للتخلّص منه تماماً، كما تمّ حلّ البرلمان، حيث استفادت فيه الحركات الإسلامية من الأغلبية الساحقة، وهذا هو سر "الطبخة" التي أعدّها الجنرالات، الذين يسعون لئلا يضحك الإسلاميون في النهاية.

أما على صعيد العلاقة بين مصر و(إسرائيل)، فإن التقدير السائد في تل أبيب يشير إلى أن تكون المواجهة العسكرية بينهما هي الاحتمال الأكثر منطقا، ولهذا من الواجب على الأخيرة أن تحدد من جديد أسباب الحرب، وتُعلم الولايات المتحدة بها.

كما يجب عليها زيادة على هذه الخطوة المعلنة أن تحدد أهدافها في الغرف المغلقة، بحيث تُظهر في الخارج تمسكا باتفاقات السلام رغم عيوبها، وحذرا شديدا من الانجرار إلى تحرشات عسكرية.

وفي نفس الوقت، الاستعداد بصورة سرية لجميع الاحتمالات، بدءًا من زيادة الجهد العسكري في جميع جوانبه، وانتهاء بمسألة السكان في سيناء، إذا حان وقت الحرب، وحينما يحين.

مع العلم أن ذلك التقدير المتشائم لا يلغي وجود الكثير من المصالح المشتركة بين تل أبيب والقاهرة؛ بعضها استراتيجي كتعزيز السور الواقي من التأثير الإيراني في المنطقة؛ وبعضها تكتيكي يرمي لتهدئة الحدود بينهما، وإخراج المنظمات المسلحة من سيناء.

كما تتفق العاصمتان على الحاجة لجعل سيناء مركزًا سياحيًا فوارا، فالسياحة مصدر من مصادر الدخل الأهم لمصر، وقد وعد الرئيس مرسي بأنه يطمح إلى 20 مليون سائح كل سنة، قياسا بـ12.5 مليون قبل الثورة، وتخصيص أكثر من 3 مليارات دولار لتطوير البنية السياحية التحتية التي يعمل فيها نحو من 4 ملايين مواطن.

وبالتالي فهناك توقع بأن يشهد عهد الرئيس الجديد التوصل لتفاهمات مشتركة بين حماس و"إسرائيل" أكثر جدوى وأرسخ ثباتاً، وسيكون كافيا أن يتوصل مرسي ونتنياهو لاتفاق على إزالة الحصار عن غزة، وفتح المعابر من جديد تحت رقابة مشتركة من حماس وممثلي الاتحاد الأوروبي ومصر.

هذه القراءة الإسرائيلية تأخذ بعين الاعتبار وضع الاقتصاد المصري، الذي يشير إلى أنّ الدولة المصرية واقعة في أزمات ليست بسيطة: الاستثمارات توقفت، السياحة في حالة ركود، ومصر لا تريد أن تصل إلى وضع توقّف المساعدة من الولايات المتحدة الأميركية التي تبلغ 1.3 مليار دولار في السنة.

وبالتالي فإن الخروج إلى حرب ضد "إسرائيل" لن تزيد من نفقات مصر فحسب، بل ستضر بالواردات المتأتية عن تشغيل قناة السويس، بهذا الشكل فإنّ الحرب لن تكون مطروحة على جدول الأعمال، وحتى تكون (إسرائيل) في جانب أكثر أمناً، فإن ما قام به الجيش من تقليص في عدد الفرق والأسراب الخاصة به، يجب الآن بناء جزء منها مجدداً، ولذلك لابد من تهدئة روع الإسرائيليين، وعدم الدخول في حالة هلع.

وفي ذات الوقت، يمكن أن تسمح "إسرائيل" لنفسها بالإقدام على مغامرة غير مبالغ فيها، وألا تستثمر في بناء قوّة استثنائية بعد التغييرات في مصر، فلا ينبغي شراء سلاح وقطع غيار وإعداد الجيش لحرب أمام مصر، بما يشبه الاستعداد لمواجهة مع سوريا أو حزب الله أو غزة.

ولا يهم كم ستكون تصريحات مرسي كثيرة وقاسية، فلديه قيود ستجبره في النهاية على مواجهة الفجوة الحقيقية بين الأقوال والأفعال، لأن مصر لا تتلقى من الولايات المتحدة الأميركية السلاح فحسب، إنّما القمح أيضاً، ومن القمح يصنعون الطحين، ومن الطحين يصنعون الخبز، وإن لم يعد هناك في مصر خبز حينها سيصبح الفقير جائعاً، ولا أحد يريد في أول سنة أو سنتين له في الحكم أن تحصل مجاعة، وهذا الأمر يشكّل رافعة لـ"إسرائيل".

ولذلك لا حاجة للقلق، لأن مسائل الداخل ملحّة بالنسبة لمصر، ومن يطمح بتحديد تسوية سياسية وإستراتيجية جديدة في الشرق الأوسط عليه أن يكون قوياً من الداخل.