خبر رائحة انقلاب عسكري.. معاريف

الساعة 08:30 ص|15 يونيو 2012

بقلم: يهودا بلنجا

خبير في الشؤون المصرية والسورية في دائرة دراسات الشرق الاوسط – جامعة بار ايلان

(المضمون: في ضوء احداث الاسابيع الاخيرة في ميدان التحرير واحساس الشارع المصري "بانهم يسرقون لهم الثورة"، فاننا نتوقع ان نرى جولة عنف اخرى في مصر. فاذا ما انتخب شفيق، مرشح وصديق كبار رجالات القيادة العسكرية، معقول ألا يقبل شباب الثورة وممثلو الاحزاب الاسلامية النتائج بصمت – المصدر).

في 11 شباط 2011 كان هذا الجيش، بقيادة وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي، هو الذي أرى مبارك الطريق الى الخارج وعمليا اطاح به من الحكم. الاعلانات التي اصدرها بعد ذلك منحته ريح اسناد ودعم من الشعب، الذي ابدى منذ البداية عطفا على الجيش. ولكن سرعان ما تغيرت الرياح وفهم الشعب المصري بان "المجلس الاعلى للقوات المسلحة" لا يسارع الى التخلي عن لجام الحكم. ومع أن املا بمستقبل جديد في مصر ظهر بعد الانتخابات للبرلمان. ولكن نتائج الانتخابات للرئاسة (النسبة المفاجئة التي حصل عليها رئيس الوزراء في الحكم القديم، احمد شفيق) ولا سيما حكومة المؤكد التي حصل عليها مبارك خلافا لارادة الشارع، أثارت في قلب الشارع المصري المخاوف من أن تكون يد ضباط الجيش ضالعة في هذا الفعل. امس، في اعقاب قرار المحكمة الدستورية العليا واعلان "المجلس العسكري الاعلى، يمكن القول ان مصر في الطريق الى حكم عسكري – اكثر مما الى الديمقراطية.

وبزعم هيئة الحكام، فان ثلث المقاعد في البرلمان خصصت منذ البداية لمندوبين مستقلين، غير مرتبطين باي حزب. ولكن مبدأ المساواة انتهك عندما بعثت الاحزاب بمرشحيها للمنافسة على المقاعد المخصصة للمستقلين. وفازت في هذه الانتخابات الاحزاب الاسلامية (ولا سيما الاخوان المسلمين وحزب النور السلفي المتطرف) باغلبية اكثر من الثلثين. والان، وجدت المحكمة عيبا في نتائج الانتخابات وقضت وجوب الغاء جزء نسبي من البرلمان والتوجه الى انتخابات متكررة.

في هذه المرحلة تدخل الجيش وقرر بان النتائج بعمومها ليست دستورية، حل البرلمان واعلن بان قرار المحكمة الدستورية يمنح الصلاحية السلطوية للجيش. اضافة الى ذلك، اعلن المجلس العسكري بان الانتخابات للرئاسة ستجرى في موعدها يوم السبت القريب .

اذا فحصنا الحقائق، نجد أن خطوة المجلس العسكري الاعلى تنم عن رائحة حادة من الانقلاب العسكري. على هذا يوجد اجماع شبه شامل من الحائط الى الحائط في مصر، حيث وصف محمد البرادعي، من قادة المعارضين لمبارك، الوضع كمرحلة نحو الدكتاتورية الرئاسية. وبزعمه، فان اجراء الانتخابات للرئاسة دون الدستور أو البرلمان ستعيد مصر سنة الى الوراء في الزمن. ومن هنا يطرح السؤال ما هي مصلحة الجيش لاحداث انعطافة كهذه والامساك بلجام الحكم؟ أولا، على مستوى المصلحة الوطنية هناك تخوف كبير من نظام اسلامي في مصر من شأنه أن يقطع نفسه عن مراكز الدعم الاقتصادية والعسكرية لبلاد النيل اليوم؛ ثانيا، على مستوى المصلحة التنظيمية، فان تصريحات مسؤولي الاخوان المسلمين وباقي قادة الاحزاب الاسلامية، عن الاصلاحات الاقتصادية، التي يفترض بها اساسا ان تسحب المكانة السامة للجيش في الاقتصاد المصري، الى جانب اصلاحات دستورية تمنح السلطة المدنية الكلمة العليا في تحديد جدول الاعمال السياسي – الأمني، هي التي بلا ريب تقض مضاجع الجنرال طنطاوي واعضاء المجلس الاعلى.

الى جانب ذلك، في ضوء احداث الاسابيع الاخيرة في ميدان التحرير واحساس الشارع المصري "بانهم يسرقون لهم الثورة"، فاننا نتوقع ان نرى جولة عنف اخرى في مصر. فاذا ما انتخب شفيق، مرشح وصديق كبار رجالات القيادة العسكرية، معقول ألا يقبل شباب الثورة وممثلو الاحزاب الاسلامية النتائج بصمت.  

 

ـ

ألعاب قوى عظمى.. معاريف

بقلم: نداف ايال

(المضمون: اطلاق النار على مراقبي الامم المتحدة عندما يقتربون من المناطق التي تجري فيها "تطهيرات". كان هذا، ربما، طريق الامم المتحدة للايضاح بأنها لا يمكنها ان تمس بالسوريين بالرصاص الحي، ولكن بالتأكيد يمكنها ان تمس – وستمس – بالتصريحات العلنية – المصدر).

هذا الاسبوع قطعت واشنطن وموسكو حفلتهما التنكرية. فليس بعد اليوم تصريحات تلميحية عن الحاجة للعمل المشترك، التشديد على الاتفاق حول "خطة عنان" للهدوء في سوريا والدعوات النبيلة للسلام الاقليمي. هذا الاسبوع، قررت الولايات المتحدة اطلاق رصاصة تحذير فوق رأس الكرملين. ونحو ساحة القتال هذه انطلقت بكسل معين هيلاري كلينتون. ستكون هذه هي ولايتها الاخيرة كوزيرة للخارجية، والمواجهة مع روسيا بوتين يمكنها فقط ان تحسن شعبيتها المتصاعدة، ولكن اقوالها بقدر ما كانت تريد ان تقولها على أي حال، لا يمكنها ان تُقال إلا اذا كان أقرها الرئيس اوباما.

نحن قلقون، قالت وزيرة الخارجية، من توريد مروحيات هجومية روسية لدمشق. الجملة التالية لذلك اتهمت الروس بالازدواجية. عندما قالت ذلك، بتنسيق أو بغير تنسيق، أعلن رئيس بعثة مراقبي الامم المتحدة الى سوريا بأنه تجري في الدولة حرب أهلية. هذه كلمات تمس أساسا النظام في دمشق؛ فهي نبوءة تجسد نفسها. وصف لفظي ذو معان سياسية. سهل الاشتباه بالامم المتحدة في ان يكون هذا الاعلان نتيجة مباشرة للتكتيك الجديد لنظام الاسد: اطلاق النار على مراقبي الامم المتحدة عندما يقتربون من المناطق التي تجري فيها "تطهيرات". كان هذا، ربما، طريق الامم المتحدة للايضاح بأنها لا يمكنها ان تمس بالسوريين بالرصاص الحي، ولكن بالتأكيد يمكنها ان تمس – وستمس – بالتصريحات العلنية.

خليط هجوم كلينتون على الروس، مع قول الامم المتحدة عن الحرب الأهلية، خلق أساسا متينا لعمل سياسي. الروس لا يمكنهم تجاهل خطوة غربية فظة ومكشوفة جدا. ففي غضون أقل من يوم واحد أعلن سرجيه لافروف في اثناء زيارة الى طهران بأن 1- لا يمكن اتهام الروس بتوريد السلاح للسوريين، ولا سيما ليس الولايات المتحدة التي تسلح العناصر الاخرى في النزاع (بزعمه)، و2- الروس لم يوردوا مروحيات هجومية للسوريين. على مستوى الحقائق الضيق، لافروف على ما يبدو محق: موسكو وقعت على اتفاق تصليح وتجديد مروحيات لسوريا، مروحيات سبق ان وردتها لهم منذ عهد الاتحاد السوفييتي. ولا يدور الحديث، كما تعترف حتى محافل امريكية، عن سلاح جديد. ولكن في ذروة القتال في سوريا، ومع الأخذ في الحسبان السيطرة الجوية المطلقة لسلاح الجو السوري، فانه حتى صفقة من هذا النوع تكون ذات مغزى شديد في الصراع الداخلي.

ماسوشية بوتين

النقطة هنا هي بالطبع ليست صفقة المروحيات القتالية. فالامريكيون يستخدمونها كي يحققوا مكسبا سياسيا دوليا حيال الموقف الروسي والايضاح للكرملين ايضا بأن افعاله مكشوفة أمام ناظريهم. فبعد اشهر من محاولة اقناع موسكو وبجين بالعمل، فان المزيد والمزيد من الاصوات في واشنطن تدفع نحو نشاط دبلوماسي وأمني فاعل. ففي نهاية الاسبوع الماضي تحدث لاول مرة مسؤول امريكي عن تفعيل الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة في السياق السوري (كان هذا بالذات تيموثي جايتنر، وزير المالية، وقد تحدث في سياق العقوبات). الفصل السابع هو الفصل الذي يمنح فيه مجلس الامن الاذن باعمال ذات مغزى كالعقوبات أو العمل بالقوة لاعادة السلام والأمن الاقليميين. بالتوازي، فان فرنسا – وعلى ما يبدو بتنسيق مع البيت الابيض – أعلنت بأنها ستضع على طاولة مجلس الامن اقتراحا رسميا بتبني خطة عنان في اطار الفصل السابع. هذا فخ سياسي مركب للصينيين والروس – فهم قبلوا خطة عنان لأنهم كانوا يعرفون بأنه لن يخرج منها أي شيء. أما الآن، فان الغرب يقول لهم: هيا نعطي هذه الخطة مفعول مجلس الامن. التنكر، الامتناع والاحباط ستكشف مرة اخرى الكذبة الأساس للصينيين والروس. جس النبض الدبلوماسي هذا أكثر اقلاقا مما يبدو. فمنذ انهيار الاتحاد السوفييتي نجح الغرب وروسيا (والصين) في الوصول الى توافقات معينة على اعمال في اثناء الازمة. وعندما لم يتفقوا، روسيا على أي حال كانت ضعيفة وصندوق أدواتها كان محدودا. وقد مل الروس تدخل الناتو في البوسنة في التسعينيات، وكان هذا مسا بحلفائهم التاريخيين في الصرب، ولكن لم يكن لهم بديل. وبالفعل، هذا واقع انقضى من الوجود. موسكو بوتين قلقة جدا على كرامتها الوطنية. وهي تكاد تجتهد لاستعادة خطوط المواجهة من الحرب الباردة. ويُقال في صالحها انها تنجح جدا. الامريكيون سيقولون – موسكو تنجح، وهي ترتب لنفسها سلاحا نوويا اضافيا لايران على حدودها وحربا أهلية جهادية في سوريا. مثل هذا النجاح السوري، هو نجاح سادي – ماسوشي (استمداد اللذة من تعذيب الآخرين وتعذيب الذات).

شرق اوسط قديم

بعد أقل من اسبوع سينعقد في ريو ديجنيرو اجتماع للزعماء من أرجاء العالم كي يتحدثوا في الموضوع الأهم الذي دحرته جانبا الازمة الاقتصادية العالمية – البيئة. بعد عشرين سنة من المؤتمر التاريخي إياه، ذاك الذي أنتج الميثاق الدولي الاول الذي يتناول الانحباس الحراري العالمي، سيعود ممثلو مئات الدول الى ريو. وسيركز المؤتمر على انتاج نمو اقتصادي اخضر، أو تنمية مستدامة؛ هذه صيغة معناها الحقيقي هو المحاولة الغربية لكبح جماح الثورة الصناعية الشابة نسبيا في الشرق الاقصى.

ليس صدفة أننا نسمع قدرا أقل عن الأجندة البيئية. فليس للعالم الغربي مال أو مكسب سياسي للحرص على المستقبل؛ زعماؤه يركزون على انقاذ اوروبا أو الاقتصادي الامريكي. فهي سياسة سيئة بالنسبة لهم الشروع في محاولة خلق أنظمة أكثر تشددا تُفرض على الصناعة؛ فعلى الفور ستنشأ معارضة داخلية تدعي بأنه ستضيع اماكن عمل أو أنها لن تنشأ بسبب القوانين الخضراء. أما الواقع فيختلف جدا بالطبع؛ الاقتصاد المُستدام يخلق اماكن عمل أكثر ويشكل نوعا جديدا من الصناعة عمليا.

عندنا بالطبع سنسمع بقدر أقل نسبيا عن المؤتمر في ريو. محزن ألا تكون لدينا ذريعة للتمسك به، مثل ازمة اقتصادية مثلا. ففي التسعينيات المفعمة بالأمل، كان الوضع مختلفا تماما. في العام 1994 التقى ممثلون من أرجاء الشرق الاوسط بأسره، بما في ذلك اسرائيل، ووقعوا على وثيقة تشكل انجازا نادرا. كان هذا جزءا من مسيرة طويلة وعديدة الدول بدأت عمليا في مؤتمر مدريد في 1991 وانتهت بتحقيق اتفاق مباديء اقليمي على سياسة بيئية – "رمز البحرين". 44 دولة وقعت على هذه الوثيقة. ويحدد الرمز حق الدول في استغلال مقدراتها ولكن واجبها التأكد من ان هذا الاستغلال لن يضر بجيرانها، وهو يقرر ايضا سلسلة من الامور التي تتم فيها اعمال مشتركة لدول المنطقة.

ومثل كثير من الوثائق من التسعينيات، فان الوثيقة والوعد الكامن فيها دُحرا الى الزاوية؛ هذه الايام يجري التوقيع على عريضة على الانترنت، اسرائيلية وعربية، تدعو بنيامين نتنياهو، أبو مازن والملك عبد الله الى ان يطبقوا، على الأقل، الورقة المنسية إياها. فليس للبيئة حدود، كتب الموقعون.