خبر حكومةُ الوفاق ... فرصُ التشكيل واستحقاقاتُ المصالحة ..بقلم: هاني المصري

الساعة 12:35 م|06 يونيو 2012

إذا لم يحدث طارئٌ، فإنّ هناك إمكانيّة لتشكيل حكومة الوفاق الوطني، لأنّ مصر تضغط من أجل تشكيلها، والطرفان المتنازعان لن يجدا عذرًا لتبرير عدم تشكيلها بعد سلسلة الاتفاقات والوعود التي لم تنفذ. يمكن أن تتشكل الحكومة إنقاذا لماء الوجه ولما تبقى من مصداقيّة، وللعب في الوقت الضائع، وملء الفراغ في الأشهر القادمة انتظارًا لما ستؤول إليه المنطقة العربية، خصوصًا في مصر وسورية، ولما ستنتهي إليه الانتخابات الرئاسيّة الأميركية، ولكن المصالحة الحقيقيّة لن ترى النور،لأنّ استحقاقاتها الجوهريّة تم تأجيلها. في كل الأحوال، المواطن الفلسطيني لن يصدّق أنّ هناك حكومةَ وفاق وطني إلا عندما تتشكل وتصمد، كما لن يصدّق أنّ هناك انتخابات إلا عندما تُجْرَى فعلًا.
 فتشكيل الحكومة دون رزمة متكاملة تشمل: إحياء المشروع الوطني، وإعادة تشكيل المنظمة، ووضع برنامج سياسي للحكومة يُجسِّد القواسم المشتركة، وتوحيد المؤسسات، خصوصًا الأجهزة الأمنية، والاتفاق على إستراتيجية لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية؛لا يقود– إن تحقق- إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة، بل يمكن إلى الاستمرار في إدارة الانقسام، وإلى شكل جديد من أشكال المحاصصة والاقتسام.
 إذا خرجت حكومة الوفاق إلى النور، واجتازت اختبار تشكيلها لجهة تعيين أو عدم تعيين نائب أو نائبين لرئيس الحكومة، واختيار وزراء الوزارات السياديّة، وعرضها أو عدم عرضها على المجلس التشريعي لنيل الثقة، واختبار انعكاسات الانتخابات الرئاسيّة المصريّة، وعودة عشرات آلاف الموظفين المستنكفين والمفصولين، وتوفير الموارد اللازمة لهم؛ فإنها ستصطدم بعقد ستهددها بالانهيار بعد تشكيلها، وهي:
 عقدة البرنامج السياسي للحكومة، التي أدت هي والعقدة الأمنيّة إلى انهيار حكومة الوحدة الوطنيّة التي لم تعمر سوى ثلاثة أشهر.
 ففي "إعلان الدّوحة" وقبله اتفاق القاهرة، لا توجد إشارة للبرنامج السياسي، وعند مراقبة التصريحات الصادرة نجد أن الحكومة ليس لها برنامج سياسي، بل لها مهمات محددة، وأن السياسة من اختصاص المنظمة بعد إعادة تشكيلها.كما نجد في أحيان أخرى تصريحات مختلفة للشخص نفسه أن وثيقة الوفاق الوطني هي البرنامج السياسي للحكومة، فلا يمكن ترك مسألة بمثل هذه الأهمية غامضة وعرضة للتفسيرات المختلفة، ولا يمكن أن تكون حكومة من دون برنامج سياسي بصرف النظر عن المرجعية التي ستقر هذا البرنامج السلطة أم المنظمة.
 وإذا نظرنا في العمق إلى هذا الأمر، سنجد أنّ السببَ وراء الاتفاق على ترؤس "أبو مازن" لحكومة الوفاق الوطني هو سياسي بامتياز، مثل اختيار حكومة كفاءات وليس حكومة وحدة وطنية التي هي أقوى، في محاولة للتغلب على عقدة البرنامج السياسي من خلال الإيحاء بأن برنامجها هو برنامج "أبو مازن" دون التصريح بذلك مباشرة.
 فعندما قال أبو مازن بعد "إعلان الدوحة" إن برنامج الحكومة هو برنامجه، الذي سيتضمن الالتزام بخيار السلام وشروط اللجنة الرباعيّة الدوليّة، ردت "حماس" بأن الحكومة لا برنامج سياسيا لها.
 حتى كتابة هذا السطور لم يصرح أبو مازن شيئًا عن برنامج الحكومة، ولكن هذا الاستحقاق لا يمكن التهرب منه، بل ستجده الحكومة أمامها إذا سألت الإدارة الأميركيّة أو إسرائيل أو أطراف المجتمع الدوليّ عن برنامج الحكومة السياسي، وهذا سيحدث عاجلًا أم آجلًا.
 إن الإدارة الأميركيّة لا توافق على تشكيل حكومة الوفاق الوطني دون التزامها بشروط الرباعيّة، ولكنّها لم تصرح بموقفها حتى الآن، ويمكن أن تصرّح به قبل تشكيلها أو بعده، فماذا سيكون الجواب، وماذا سيكون مصير الحكومة إذا كان سلبيًا، كما هو متوقع؟.
 العقدة الأمنيّة، وإذا تجاوزت الحكومة عقدة البرنامج السياسي، فإن العقدة الأمنيّة تقف لها بالمرصاد، فنظرًا لصعوبتها وخشيّة من أن يؤدي الاقتراب منها إلى تعطيل تشكيل الحكومة، تم تجميد تطبيق ما نصّ عليه اتفاق القاهرة بخصوص الأمن، لدرجة أنّ موسى أبو مرزوق صرح بأن توحيد الأجهزة الأمنية ليس من مهمات الحكومة القادمة، ما يعني أن الحكومة ستقود أجهزة أمنية مختلفة في المرجعية والولاء، وهذا استمرار لتأجيل الملف الأمني، فكما نلاحظ أن اللجنة الأمنيّة العليا المنصوص عليها في اتفاق القاهرة لم تشكل، وكذلك لم يتم الاتفاق على البدء في تشكيل القوة الأمنيّة المشتركة التي تضم ثلاثة آلاف عنصر المنصوص عليها في اتفاق القاهرة.
 كما نشرت صحيفة "الرسالة" التي تصدر في غزة والمحسوبة على "حماس"، أنّ"فتح" و"حماس" اتفقتا على تأجيل البحث في الملف الأمني لمدة ستة أشهر، حتى لا يؤدي فتحه إلى تعطيل فرصة تشكيل الحكومة.
 لم تعلق "فتح" على خبر "الرسالة" ولا على تصريح أبو مرزوق، كما لم تفسر "فتح" و"حماس" السبب وراء تأجيل الإعلان عن تشكيل الحكومة من السادس من الشهر الحالي إلى العشرين منه، كما لم تعلّق "فتح" على إعلان أكثر من قيادي من "حماس"، أبرزهم أبو مرزوق، بأن الرئيس سيصدر مرسومًا بانعقاد المجلس التشريعي في العشرين من هذا الشهر، فالعقدة القانونية عقدة لا يمكن الاستهانة بها كذلك بعد صدور كمٍ هائلٍ من القوانين في الضفة وغزة دون مصادقة المجلس التشريعي.
 العقدة الإسرائيليّة (عقدة العقد) فهي الغائبة الحاضرة عن الاتفاقات، والتي تهدد الاتفاق بعدم التطبيق، والحكومة بالانهيار إذا شكلت.
 فإسرائيل (الدولة المحتلة) التي يعطيها الانقسام مزايا هائلة تملك تعطيل تنفيذ ثلاثة ملفات من الملفات الخمسة التي تضمنها اتفاق القاهرة، وهي الحكومة والانتخابات وتوحيد الأجهزة الأمنيّة.
 وما لم يتم الاتفاق على كيفيّة تذليل العقدة الإسرائيليّة أو تحدي إسرائيل كما هو مفترض، سيؤدي تشكيل الحكومة دون موافقة إسرائيل إلى وقف تحويل العائدات الفلسطينيّة، وإلى تعطيل عمل الحكومة ومنع تحرك الوزراء من خلال المضايقات والاعتقالات، فيجب ألا ننسى أن 27 نائبًا لا يزالون معتقلين في السجون الإسرائيليّة، ما سيؤدي إلى انهيارها مثل حكومة الوحدة الوطنية.
 فإسرائيل لن تسمح لـ"حماس" أن تقود مباشرة، أو بصورة غير مباشرة الأجهزة الأمنيّة في الضفة الغربيّة إلا إذا وافقت "حماس" على شروط اللجنة الرباعيّة، و"حماس" لن تفرّط بسيطرتها على غزة دون ضمان مشاركتها في السلطة بالضفة.
 من خلال إيراد ما سبق، لا نهدف إلى دفع الأمور إلى البقاء كما هي، أو إلى تلبية الشروط الإسرائيليّة حتى توافق إسرائيل أو تصرف النظر عن تطبيق اتفاق القاهرة، وإنما نقصد أنه من دون أن تكون المصالحة جزءًا من مسار سياسي يتضمن إحياء المشروع الوطني والتخلص من قيود والتزامات أوسلو، وقادر على فتح أفق جديد يقود الشعب الفلسطيني إلى طريق تحقيق أهدافه؛ لا يمكن تحقيق المصالحة حتى بالشروط الواردة في اتفاق المصالحة.
 إنّ إدراك العقدة الإسرائيليّة أدى إلى وضع بند في الملحق التنفيذي لـ"إعلان الدّوحة" يتحدث عن احتمال تعذر إجراء الانتخابات، والدعوة في هذه الحالة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة بعد ستة أشهر برئاسة شخصيّة مستقلة، وهذا يجعل الانتخابات مجرد خيار من الخيارات، وليس الخيار الوحيد الذي يجب أن يعزز عدم القدرة على تطبيقه إلى الخروج من المسار السياسي واعتماد مسار جديد يستند إلى تعزيز مقومات الصمود، وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة على أساس برنامج وطني وشراكة سياسيّة حقيقيّة وأسس ديمقراطيّة، وتنظيم مقاومة شاملة، ومقاطعة إسرائيل في سياق إستراتيجية التوجه لجمع أوراق القوة والضغط، بما فيها التوجه إلى الأمم المتحدة بدلًا من تأجيل اعتماد هذا الخيار تارة انتظارًا لتطبيق وعود أوباما، وتارة أخرى للهاث وراء المفاوضات التقريبيّة ثم الاستكشافيّة، وتارة ثالثة للدوران في حلقة دبلوماسيّة الرسائل وانتظار - كما يظهر في قرارات اجتماع لجنة المتابعة العربية الأخير- المقترحات الأميركيّة وتحرك اللجنة الرباعيّة والتوجه إلى الجمعيّة العامة للأمم المتحدة في "الوقت المناسب" إذا "استمر" الاستيطان ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود.
 إن استمرار الرهان على استئناف المفاوضات إذا لم يكن الآن، فبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية يعطل كل الجهود الرامية إلى اعتماد خيار جديد صعب جدًا نعم، لكنه قادر على تحقيق الوحدة والنصر للشعب الفلسطيني.