خبر النكسة التي استنهضت شعبا ..د. إبراهيم أبراش

الساعة 02:13 م|05 يونيو 2012

وكأنه مكتوب على الشعب الفلسطيني أن تكون كل المناسبات التي يُحييها مناسبات مؤلمة ،إما نكبات ونكسات عسكرية أو ذكرى شهداء وأسرى،قليلة هي المناسبات المفرحة.لا يعني هذا أن التاريخ الفلسطيني يخلو من الانجازات والانتصارات ومواقف بطولة وصمود بل المقصود أن هذه الصفحات المشرقة تتوارى خلف ثقل وطأة الهزائم والمؤامرات التي تعرض لها الفلسطينيون حتى وإن لم يكونوا فاعلين او طرفا فيها .وكأنه كُتب على الفلسطينيين ان يكونوا مسيح العصر يتحمل نتائج أخطاء الآخرين  المقصودة او غير المقصودة ،هزيمة 48 ،هزيمة 67،الحرب الأهلية في لبنان 75 ،حرب أكتوبر 73 ، الغزو الإسرائيلي للبنان 82،حرب الخليج الثانية 91،حتى الصراع على السلطة في العالم العربي ندفع ثمنه من خلال التوظيف السياسي للقضية الفلسطينية من طرف كل ساع للسلطة ،وقد صدق الشاعر الكبير محمود درويش عندما قال (أرحمونا من حبكم)  .

ضمن هذا السياق يحيي الشعب الفلسطيني ذكرى نكسة 67 ولا نعتقد أن شعبا عربيا يحيي هذه المناسبة أو يتذكرها كما يفعل الفلسطينيون ،ربما كان السبب أن الفلسطينيين ما زالوا وبالرغم من كل ما لحق بهم من أذى على يد الأنظمة العربية يؤمنون بالبعد القومي للقضية الفلسطينية وبترابط قضيتهم بالحالة العربية،أو لأنهم يشعرون أنهم ما زالوا يدفعون ثمن نكبات وهزائم العرب السابقة،وقد يدفعون ثمنا لهزائم ومتغيرات حالية في العالم العربي.

إذا تجاوزنا المسميات -مع أن المسميات غير بريئة كما هو حال مسمى النكبة أيضا– هل هي نكسة67  أم هزيمة 67 أو حرب 67، فإن ما جرى كان حدثا كبيرا له تداعياته الإستراتيجية العسكرية والسياسية على الصراع العربي الإسرائيلي وخصوصا على القضية الفلسطينية،فتوصيف ومسار القضية الفلسطينية ما قبل النكسة ليس هو ما بعدها ،وسياسات الدول العربية أيضا تغيرت. كان المأمول أن يكون التحول الاستراتيجي لصالح إعادة بناء الإستراتيجية والسياسة العربية لتستفيد من درس النكبة ولتدفع بالوحدة العربية نحو الأمام ولتصليب الموقف العربي من إسرائيل،إلا أن الذي حدث أن التحول  كان لصالح الاشتغال على إزالة آثار نكسة 67 سواء بالعمل العسكري التكتيكي - حرب أكتوبر – أو بالمفاوضات واتفاقات السلام.

قبل النكسة لم تكن الضفة وغزة والقدس والجولان وسيناء أراضي محتلة، وكان أي حديث عن القضية الفلسطينية أو الصراع مع إسرائيل هو امتداد للموقف العربي الرافض لقرار التقسيم رقم 181 لعام 1947،والرافض بالتالي لوجود دولة إسرائيل.كانت مفاهيم التسوية أو الصلح مع إسرائيل من المحرمات كما رفض العرب قرارات الشرعية الدولية بهذا الشأن ،حتى بعد النكسة رفعت الأنظمة العربية الشعار المعروف (لا صلح لا اعتراف لا مفاوضات مع إسرائيل) مع أنه كان شعارا تضليلا موجها لتخدير وتهدئة الجماهير العربية الغاضبة.

 ما يجري اليوم سواء على مستوى المفاوضات والتسوية أو المقاومة وأهدافها غير منقطع الصلة بالنكسة ونتائجها وبشعار  استعادة الأراضي العربية المحتلة الذي رفعه العرب بعد الهزيمة،وللأسف الأنظمة والنخب العربية التي كانت ترفع شعار إزالة إسرائيل من الوجود وإعادة الشعب الفلسطيني لأرضه التي سُلبت منه نتيجة هزيمة الجيوش العربية أمام العصابات الصهيونية في حرب 48 ،هذه الأنظمة اليوم ليست فقط عاجزة عن إعادة الحق الفلسطيني بل عاجزة عن استعادة الأراضي التي كانت تحت سيادتها ،فبل وقوع الحرب، وفرض سيادتها الكاملة عليها ،سواء تعلق الأمر بسيناء وقطاع غزة المنطقتان اللتان كانتا تحت السيادة المصرية ،أو الجولان بالنسبة لسوريا ،أو الضفة الغربية بالنسبة للأردن .

نعم،كانت هزيمة مدوية للجيوش العربية إلا أنها كانت منعطفا مصيريا بالنسبة للفلسطينيين حيث استنهضت النكسة الحالة الوطنية الفلسطينية وحررت الإرادة الفلسطينية من الوصاية العربية وكشفت للفلسطينيين خطورة المراهنة على أنظمة وجيوش عربية لتُعيد أرضهم المحتلة.النكسة التي أدت لضياع بقية فلسطين – الضفة الغربية وقطاع غزة - وضعت الشعب الفلسطيني على طريق الثورة الشعبية والكفاح المسلح وعززت لدى الفلسطينيين قناعة أن (ما حك جلدك مثل ظفرك) وان انتظار الوحدة العربية لتحرير فلسطين وهمّ لأن هزيمة 67 لم تكن مجرد هزيمة جيوش بل هزيمة أنظمة ودول ومجتمعات حيث كشفت الهزيمة الهوة الواسعة بين الشعارات الرسمية التي كانت ترفعها الأنظمة وواقع هذه الأنظمة.

منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست برعاية رسمية عربية وكان يُراد لها أن تكون أداة لخدمة الإستراتيجية الرسمية  العربية من خلال تقييد نشاطها بما لا يتعارض مع سياسات الأنظمة،تحررت مع الهزيمة من هذه الوصاية وتم توطينها وفلسطنتها ، فغيرت ميثاقها الذي كان يسمى عند تأسيسها عام 1964 (الميثاق القومي) إلى (الميثاق الوطني) عام 1968 ،والفصائل الفلسطينية التي كانت خارجها وكانت الأنظمة العربية تنظر إليها نظرة شك واتهام ،دخلت المنظمة وسيطرت عليها ،والعمل الفدائي الذي باشرته حركة فتح عام 1965 – مع فصائل أخرى -وكان خجولا ومستترا ،أصبح علنيا وشعبيا وتعاظم عددا وتنظيما حتى بات إستراتيجية تبناها كل الشعب الفلسطيني ووقف لجانبه كل الشعوب العربية.

 

لقد أدت هزيمة 67 لاستنهاض الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية،ومكنت الشعب الفلسطيني من استلام زمام قضيته الوطنية مما أدى لأن يعترف العالم بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني،إلا أن السؤال الذي فرض نفسه آنذاك وما زال مطروحا حتى اليوم :ما هي حدود إمكانيات الفلسطينيين لوحدهم على تحمل عبء الصراع مع إسرائيل ؟ وما هو الممكن الفلسطيني في ظل موازين القوى العسكرية المختلة لصالح إسرائيل؟ وهل أن المتغيرات العربية التي تعزز مواقع الإسلام السياسي والمنفتحة على كل الاحتمالات ستعزز من الوطنية الفلسطينية أم ستضعفها وتُعيدها مجددا للوصاية العربية ولكن هذه المرة تحت شعار (البعد الإسلامي للقضية الفلسطينية).