خبر ليس بياناً، بل هو إعلان عجز ونكوص وانكفاء! .. د. أيوب عثمان

الساعة 06:09 م|29 مايو 2012

 

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

                                                      كاتب وأكاديمي فلسطيني

                                                         جامعة الأزهر بغزة

 

البيان الذي لم تجد نقابة العاملين في جامعة الأزهر محيصاً عن إصداره في وقت متأخر من ليلة أمس الاثنين 28/5/2012 بيان يلفعه الخجل والارتباك وتنبعث منه رائحة نتنة تزكم الأنوف عجزاً ونكوصاً وانكسارا وانهزاماً. ألم نقل لهم: "اللي بِكَبِّر حجره بصيبش"؟! ألم نقل لهم: لا تفعلوا شيئاً إلا بعد رده إلى أهله... إلى الهيئة العمومية، صاحب الولاية عليكم؟! ما من شيء إلا وفعلتموه من عندياتكم... دون الرجوع إلى مرجعيتكم...

أعلنتم الإضراب رسالة نصية قصيرة أرسلتموها إلى العاملين قبل انتصاف ليلة الاثنين الثلاثاء 22-23/4/2012 مطالبين بالإضراب، دون رد الأمر إليهم واستشارتهم وأخذ النصيحة أو الدعم والمساندة منهم... وكأنهم ليسوا إلا ليساقوا، كما قلت لكم سابقاً، ولم تسمعوا ولم ترعووا!!!

طالبناكم بعقد الهيئة العمومية لنسمع منكم ونسمعكم في اليوم التالي، فما كان منكم إلا أن توغلوا في خطأ تهميش مرجعيتكم، فكانت رسالتكم النصية القصيرة التالية آمرة باستمرار الإضراب ليومي الأربعاء والخميس 24 و 25/4/2012... ثم سرعان ما أرسلتم رسالة نصية ثالثة في وقت متأخر من ليلة الأربعاء الخميس 25/4 تطالبون العاملين فيها بتعليق الإضراب صباح الخميس وذلك – كقولكم – استجابة للجهة القيادية العليا لحركة فتح،

نصحناكم أن تعقدوا الهيئة العمومية لتتحاوروا مع العاملين ولتؤكدوا بحواركم معهم أنهم مرجعيتكم، غير أنكم لم تفهموا ولم تسمعوا، ذلك أن عينكم لم تكن على مرجعيتكم القانونية والنقابية، وإنما كانت على مرجعية سياسية لها عندنا كل الاحترام والإجلال والتقدير، ولكن في موضعها، وليس في هذا الموضع قط!!!

قلتم الكثير الكثير الكثير عن الهيئة العمومية، وأنها هي الأساس وهي المرجعية... و... و... إلخ، لكن فعلكم كان غير ذلك تماماً على طول وقت الأزمة وعرضها... لم تُبينوا ولو مرة واحدة أن فعلكم على قدر قولكم، حتى اجتماع الهيئة العمومية الذي انعقد يوم الأربعاء تحت الشمس وفي العراء كان اجتماعاً برغمكم وليس بإرادتكم حيث دفعكم العاملون إليه دفعاً، وقد رأيتم كيف تغير حالكم أثناءه وبعده عن حالكم الذي كان قبله... رأيتم كيف انتشلكم العاملون بوقفتهم مع الجسد النقابي وليس مع شخوصه حينما رأوا أن الخطر بدأ يزحف عليه (أي الجسد النقابي)...

 

أما بيانكم بخصوص انتهاء الأزمة فهو بيان يقطر ضعفاً واستكانة وانهزاماً لأسباب سأوردها من البيان ذاته، ودون الخروج – البتة – عنه، انطلاقاً من نصه:

1) إن استهلالكم البيان بقولكم : "انطلاقاً من الحرص على الجامعة تم الاتفاق ..." ليس إلا دليل ضعف وانكسار، ذلك أن سؤالاً ملحاً يطرح – بمفهوم المخالفة – نفسه، وبقوة: " ألم تكن إضراباتكم وجداول تعليقاتكم وفعالياتكم هي الأخرى انطلاقاً من الحرص على الجامعة؟!

2) إن قولكم في البيان : " ... تم الاتفاق برعاية مجلس الأمناء ..."، يطرح سؤالاً يدخلكم في حرج قائم ودائم لا مجال، البتة، لكم للخروج منه والتفلت من براثنه وهو : متى اعتبرتم مجلس الأمناء راعياً؟! ألم تكونوا أنتم من ظل يحمل الربابة ويعزف عليها ليل نهار بأن مجلس الأمناء هو الذي يصرف شؤون مجلس الجامعة ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة فيها؟! هل يعني قولكم هذا أن مجلس الأمناء طرف أم راعٍ؟! هل تعرفون كيف تكون تقوى الله؟! سئل رسول الله: "هل يزني المسلم؟ أجاب الرسول: نعم يزني. سئل الرسول: هل يسرق المسلم؟ أجاب: نعم يسرق. سئل: هل يكذب؟ أجاب المسلم لا يكذب.

3)  أما قولكم : " .... تم الاتفاق برعاية ... بين إدارة الجامعة ومجلس النقابة"، فيطرح سؤالاً لا يقل أهمية وإلحاحاً عن سابقه وهو : هل كان خلافكم مع إدارة الجامعة؟! عودوا إلى بياناتكم التي ما من مرة ذكرتم فيها إدارة الجامعة إلا وكانت بصحبة مجلس الأمناء تابعة له، ناهيك عن بيانات أخرى تعرضتم فيها بالإساءة والتجريج لرئيس مجلس الأمناء تحديداً ولأمين ماله، فضلاً عن الرسائل النصية القصيرة التي لم تنل فيها إدارة الجامعة من الهجوم والسباب ما ناله مجلس الأمناء ورئيسه تحديداً ثم أمين ماله!!

 

4) ألا تعرفون أن من واجبكم ومن حق العاملين عليكم أن توضحوا لهم وأن يفهموا منكم بكل الصراحة والوضوح والمباشرة عن أسباب ومسوغات وبنود ما تصفونه "إنهاء الأزمة"؟! ما هو الاتفاق؟ وما هي بنوده؟ ولم لم تعودوا إلى مرجعيتكم قبل الاتفاق عليه؟! أم أنكم تشعرون أن مرجعيتكم (العاملين) تساق ولا تسوق؟!

5) إذا كنتم – كقولكم – قد اتفقتم مع من رفعتم عليه سلاحكم، على اعتماد لغة الحوار بين أجسام الجامعة، أفلا يجدر بكم أن تعتمدوا لغة الحوار مع جسمكم نفسه، الذي هو نحن؟! أين هو حواركم معنا، نحن مرجعيتكم كما تقولون؟! " يا أيها الذين آمنوا لم تقولوا ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله ألا تقولوا ما لا تفعلون".

6) أما ما ورد في بيانكم من ذكر لـ " القضايا الاستراتيجية والتطورية"، فهو ذكر يدعو إلى الضحك ويثير الاشمئزاز والغثيان والتقزز لأسباب كثيرة يحسن الحديث عنها في ورشة عمل مسؤولة!

7) أما أنكم تتوجهون بالشكر والتقدير إلى الإخوة رئيس وأعضاء مجلس الأمناء .....، فإنه لأمر جيد وواجب تشكرون في الحقيقة على أدائه، ولكن السؤال الذي سيبقى مرفوعاً في وجوهكم وستظلون الأعجز دوماً عن إعطائنا جواباً نقتنع به، هو : أليس هؤلاء الأمناء (رئيساً وأعضاء) هم ذاتهم الأمناء الذين قدحتموهم وقلتهم فيهم وعنهم ما لم يقله مالك في الخمر؟! واقتداء برب العالمين الذي وصف نفسه بأنه الغفور الرحيم، فإننا نحترم الصفح والعفو والتسامح وندعو إليه، غير أننا، لأننا لم نعتد على مثل كرمكم هذا، ولأننا قاعدتكم وسيفكم وذراعكم ومرجعيتكم وأصحاب الولاية عليكم – كقولكم –نطمح إلى معرفة أسباب تسامحكم مع الأمناء وصفحكم عنهم وقد أشبعتموهم سباً وشتماً في سابق الأيام؟!

8) أما قولكم في البيان "إن كل ما ترتب على الأزمة قد تم طي صفحته بالكامل والبدء بفتح صفحة جديدة بقلوب صادقة وعقول منفتحة .... "، فهو قول يلفه الغموض ويفتقر إلى الوضوح، لاسيما إذا كان بيانكم موجهاً – كما هو – إلى مجموع المثقفين من العاملين، أكاديميين وإداريين!!! ما معنى أن كل ما ترتب على الأزمة قد تم طي صفحته بالكامل؟! وهنا، يتحتم على النقابة التي تقول هذا أن تجيب على الأسئلة التالية:

  • ما هي الأمور التي ترتبت على الأزمة؟
  • كيف تم طي صفحة ما ترتب على الأزمة؟
  • ما هي الأسس التي تم طي الصفحة بناء عليها؟
  • ما الذي كان يمنع النقابة من أن تعرض على الهيئة العمومية أسس طي الصفحة؟
  • وما الذي منع النقابة من فتح صفحة جديدة بقلوب صادقة وعقول منفتحة قبل الإضرابات والفعاليات وجداول التعليقات والخسائر التي ترتبت عليها؟ وهل كانت القلوب غير صادقة والعقول غير منفتحة، عند النقابة، فأدخلت الجامعة في أزمة جعلت الصدق في قلوب قادتها وفرضت التفتح والانفتاح على عقولهم؟!

9) إن ما يفهمه العاملون من قولكم " إن كل ما ترتب على الأزمة قد تم طي صفحته  بالكامل .... " هو أن:

  • قرار تجميد عمل النقابة قد تم إلغاؤه، وهو ما صرح به رئيس مجلس الأمناء يوم أمس الإثنين28/5/2012 لوكالة معاً الإخبارية، وذلك – إن صح – حجة على النقابة وليس كسباً لها، بل إنه إقرار منها على أمرين مهمين خطيرين: أما الأول، فهو أن مجلس الأمناء ليس راعياً للاتفاق كما قالت النقابة، وإنما هو بالثابت وبالمشهود طرف رئيسي في الخلاف، وأما الثاني، فهو أنه ما دام مجلس الأمناء هو من اتخذ القرار بإلغاء تجميد النقابة – طبقاً لتصريح رئيس مجلس  الأمناء لوكالة معاً الإخبارية – فإن النقابة تكون قد سلمت ضعفاً ونكوصاً واستكانة وانكساراً، بأن مجلس الأمناء يملك الحق بتجميد النقابة، استناداً على قاعدة أن من يملك حق الإنشاء يمك حق الإلغاء.
  • قرار تشكيل لجنة التحقيق مع رئيس وأعضاء النقابة قد تم إلغاؤه!!!
  • قرار وقف رئيس وأعضاء النقابة عن العمل قد تم إلغاؤه!!!
  • قرار وقف صرف رواتبهم قد تم، أيضاً، إلغاؤه.

وجميعها أمور شخصية للنقابة ذاتها، الأمر الذي يطرح التساؤلات الآتية:

 

هل قامت  النقابة بالإضرابات والعنتريات من أجل إحالتها للتحقيق، ووقفها عن العمل، ووقف صرف رواتبها ثم إبطالها؟! هل تحققت المطالب التي أعلنت النقابة الإضراب من أجلها، ومن بينها هل تغير مجلس الجامعة التي رفعت السلاح في وجه مجلس الأمناء لإجباره على تغييره وإعادة صياغته؟! وهل أعيد الخصم الذي أوقع على العاملين بسبب وقوفهم مع النقابة فاستجابوا لدعواتها بالإضراب؟! وفوق كل ذلك، هل أنتج الإضراب شيئاً لصالح الجامعة والعاملين؟! أما الأهم من كل شيء، فهو ما الذي يعوض الطلية عن خسارتهم العلمية وأولياء أمورهم عن خسارتهم المادية؟!

أما آخر الكلام:

 فإن كنتم – يا قادة  العمل النقابي – من أقام الدنيا ولم يقعدها بخصوص مكافأة نهاية الخدمة، وإن كنتم تختارون وقت الأزمة لإثارتها كي تتصيدوا الأنصار عليها،

وإن كنتم أنتم من جيش الجيوش ضد التعديلات على الأنظمة والتي وصفتموها بالخطيرة،

وإن كنتم أنتم من في البيان الصادر عنكم في 27/4/2012 قد أعلنتم نصاً وحرفاً: "نحن مستمرون بحمل الأمانة التي حملتمونا إياها ... آملين أن نكون عند حسن ظنكم ... "،

وإن كنتم أنتم من أعلنتم في 28/4/2012 بأن مجلس النقابة قد قرر في اجتماعه المطول المنعقد يوم السبت 28/4/2012 سلسلة من الخطوات واتخذ قرارات هامة، وحدد استراتيجيته للمرحلة القادمة،

وإن كنتم أنتم – ومن خلال رئيسكم الذي كنتم تستمعون له متحدثاً في الاعتصام الحاشد يوم الإثنين 30/4/2012 بمناسبة عيد العمال العالمي – من قال في معرض الحديث عن إضراب عمال شيكاغو عام 1886، غامزاً من زاوية أولياء الأمر على الجامعة : " يا له من عمدة فاسد... استغل منصبه لتحقيق مآرب خاصة له ولأولياء أسره. لم يهمه إلا الكرسي الذي يتربع عليه... بعد ذلك تخلص منه سادته بعد أن  أصبح عبئاً عليهم وأثقلهم بأخطائه"؟!

وإن كنتم أنتم – ومن خلال رئيسكم – قد أرسلتم إلى مجلس الأمناء ورئيس الجامعة مذكرة قانونية في 29/4/2012 تدفعون فيها ببطلان كل ما كان من مجلس الأمناء ورئيس الجامعة،

وإن كنتم أنتم – ومن خلال رئيسكم – قد بعثتم إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمناء كتابيكم رقم 12+14 في 13/5/2012 مطالبين في الأول "بإعادة تشكيل مجلس الجامعة على أسس مهنية وأكاديمية"، وفي الثاني "بإلغاء كل القرارات والإجراءات وإرجاع الخصم المالي للعاملين فوراً"، وإلى رئيس وأعضاء مجلس الجامعة كتابكم رقم 13 في 13/5/2012 مطالبينهم "بالاستقالة الفورية"،

 

فهل تحقق شيء واحد فقط من كل مطالباتكم، أم أن المثل العربي القائل "تمخض الجبل فولد فأراً" قد بات منطبقاً كل الانطباق عليكم!