خبر مخطط إسرائيلي يهدد حلم الدولة الفلسطينية للأبد

الساعة 11:48 ص|26 مايو 2012

القدس المحتلة

اكتسبت مستوطنة جيفات هاماتوس اسمها الذي يعني «تل الطائرة» لأنها أقيمت في موقع إسقاط طائرة تابعة للقوات الجوية الإسرائيلية خلال حرب عام 1967 وقد تكون أيضا المكان الذي يتحطم فيه حلم الفلسطينيين بإقامة عاصمة دولتهم المستقبلية في القدس.
تقع «تل الطائرة» على المشارف الجنوبية لحدود مدينة القدس وهي أرض تتناثر فيها الصخور وتوجد فيها منازل سابقة التجهيز من طابق واحد علاوة على بضع أشجار من الصنوبر.
وكانت هذه المنطقة تتسم بالهدوء لكنها أصبحت محور نشاط محموم في الأشهر الستة الماضية إذ أعلنت السلطات الإسرائيلية عن اعتزامها إنشاء 2610 وحدات سكنية و1110 غرف فندقية فيها.
وتسير الموافقات بوتيرة أسرع من المتوقع، لهذا من الممكن أن يبدأ البناء في وقت لاحق من العام الحالي لتبنى بذلك أول مستوطنة إسرائيلية جديدة منذ 15 عاما في القدس الحديثة الممتدة على عدد من التلال.
وإذا حدث هذا فإنه سيعزل الأحياء التي يغلب على سكانها العرب بمدينة القدس عن بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة مما يعرض آمال الفلسطينيين في إقامة عاصمة مترابطة ومعها هدفهم بإقامة دولة مستقلة للخطر.

تهديد حل الدولتين

وقال دانييل سيدمان وهو محام إسرائيلي يراقب التطورات التي يعتقد أنها تؤثر على فرص السلام «لا تستطيع هذه الأرض المعذبة أن تتحمل كل هذا الكم من انتهاكات الأراضي دون أن نقتل الخيارات السياسية لإنقاذ حل الدولتين».
وأضاف وهو يشير بإصبعه على خريطة للمنطقة لتعزيز وجهة نظره «ما يحدث في جيفات هاماتوس سيغير سير الأمور، فالأحداث تتجه بسرعة إلى الخروج عن نطاق السيطرة».
ومن بين كل العقبات التي تقف في طريق تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فإن وضع القدس هو أكثر المشكلات المستعصية على الحل.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وقتٍ سابق هذا الشهر «هذه هي أصعب قضية رمزية بالنسبة لعملية السلام، إنها قضية مشحونة بالعواطف».
ويعتبر الإسرائيليون أن المدينة بالكامل بما في ذلك القدس الشرقية العربية وضواحيها بالضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 «عاصمتهم الأبدية غير القابلة للتقسيم» والوطن الذي حلم به اليهود على مدى ألفي عام من حياة المنفى الذي يوجد به حائط المبكى.
أما بالنسبة للفلسطينيين فإنه لا يمكن تحقيق السلام إلا إذا أعادت لهم إسرائيل القدس التي هي رمز لنضالهم الوطني وبها المسجد الأقصى وقبة الصخرة.
وفي غياب اتفاق أو حتى مفاوضات ذات مغزى اتجهت إسرائيل إلى تطوير المدينة وإقامة أحياء مبانيها مكسوة بالحجارة في أنحاء الأراضي التي ضمتها متحدية الانتقادات الدولية المستمرة.وتشير سلسلة مقابلات أجريت في الآونة الأخيرة مع إسرائيليين وفلسطينيين إلى أن التطوير وصل إلى نقطة اللاعودة.
ولا تأتي الخطط التي توضع من أجل جيفات هاماتوس من فراغ، فالمسؤولون الإسرائيليون يسعون أيضا إلى توسعة مستوطنتي جيلو وهار حوما القريبتين مما سيؤدي إلى ظهور هلال خرساني واسع النطاق إلى الشمال من بيت لحم.
ويتركز نحو 35 % من النشاط الاقتصادي الفلسطيني على خط يمتد من بيت لحم عبر القدس الشرقية ومنها إلى رام الله المركز الإداري للضفة الغربية إلى الشمال من القدس، ويقول منتقدون إن المستوطنات الجنوبية ستلتهم هذه الوصلة.

فرض واقع إسرائيلي

وقال أشرف الخطيب وهو ناشط فلسطيني من القدس الشرقية «هذا مثل لف شريط حول إصبع وجذبه لتضييقه أكثر فأكثر إلى أن ينقطع عنه الدم».
وأضاف «لكن هذا ليس في الجنوب وحسب، الإسرائيليون يخلقون حقائق على أرض الواقع في شتى أنحاء المدينة الشرقية».
ومن أنصار هذه السياسة آرييه كينج مؤسس صندوق أرض إسرائيل ومهمته المعلنة «استرداد أرض إسرائيل لشعب إسرائيل».
وفي أبريل نجحت السلطات الإسرائيلية في طرد أسرة عربية من منزلها في حي بيت حنينا بعد أن قضت محكمة بأن المنزل اشتراه يهودي بطريقة قانونية، وعلى الفور نُقِلَ ستة مؤيدين شبان إلى المنزل ووُعِدَ بمزيد من عمليات الإجلاء في الأشهر المقبلة.
وقال كينج وهو يقف في الفناء الخلفي للمبنى المنخفض الذي حصل عليه مؤخرا «نحدد الملكيات في القدس الشرقية كلها، في القدس كل قطعة أرض مهمة، جمع كل الرقع مع بعضها يمكن أن يغير الواقع».
وأضاف «الواقع الذي لا نريد أن نراه هو ذلك الذي سيؤدي إلى كارثة تقسيم المدينة».
وحين رحلت قوات الإمبراطورية البريطانية عن فلسطين عام 1948 كانت الأمم المتحدة تعتزم وضع مدينة القدس تحت سيطرة دولية لكن جاءت الحرب وحين أنهتها هدنة سيطر الأردن على القطاع الشرقي بما في ذلك المدينة القديمة بأماكنها المقدسة، وسيطرت إسرائيل على القدس الغربية.
وبعد حرب عام 1967 اجتاحت إسرائيل خط الهدنة أو الخط الأخضر وزادت حدود المدينة إلى أكثر من المثلين، وفي عام 1980 أقر البرلمان قانونا يعلن القدس الموحدة عاصمة وطنية في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي قط.
ويقول فلسطينيون إن الحكام الجدد سعوا جاهدين لتغيير التركيبة السكانية فحدوا من الأراضي المتاحة للتطوير في الأحياء العربية وفرضوا قواعد للإقامة تؤدي إلى خروج العرب وهدموا أكثر من ألفين من منازلهم في القدس الشرقية.
ولم يكن لهذا تأثير يذكر على نسب أعداد السكان وزادت أعدادهم من 263 ألفا عام 1967 إلى نحو 800 ألف اليوم، ونسبة العرب في تزايد سريع إذ يحجم الإسرائيليون عن الاستيطان في مدينة يعرف عنها التوتر وتعيش بها أعداد متزايدة من اليهود المتدينين.
ويقول معهد القدس لدراسات إسرائيل إن 36 % من السكان كانوا من العرب في عام 2009 مقابل 28 % عام 1980، ويقول مسؤولو المدينة إن الرقم سيصل إلى 40 % بحلول عام 2020.
وقال سيدمان المحامي الإسرائيلي وهو الشخص الذي يقصده الدبلوماسيون الذين يسعون إلى الحصول على معلومات بشأن تخطيط البلدة «القدس ليست مدينة يهودية ولا إسرائيلية لكنها مدينة ثنائية القومية، ليست مدينة موحدة».
والانقسامات عادة لا تُرَى بالعين المجردة، ونادرا ما يلاحظ ذلك الغرباء حين يعبرون من الغرب إلى الشرق ويندهشون إذا رفض سائقو سيارات الأجرة اليهود نقلهم إلى فنادق في المناطق التي يسكنها العرب خشية أن يرشقوا بالحجارة.
ويعبر السكان عن دهشتهم حين يعرفون أن الأحياء الراقية التي توجد بها منازل حديثة هي المستوطنات التي يجري التنديد بها في الخارج.
وقال أوفير درور (36 عاما) وهو فني يعيش في هار حوما وهي ضاحية أنيقة بها شقق سكنية مكسوة بالحجارة البيضاء ويعيش بها 13 ألف إسرائيلي وتطل على بيت لحم «هذا المكان ليس مستوطنة، إذا كنا نقيم وراء سور أو خط فاصل فربما كنت ظننت هذا» معبرا عن دهشة واضحة من المفهوم.
والمفارقة أن على بعد مئات الأمتار من الإطار الخارجي من المساكن في هار حوما يعيش راعي أغنام فلسطيني يفصله عنها سياج.
وفقد سعيد الظواهري ثلث أرضه فيما توسعت هذه المستوطنة في العقد المنصرم، ويرعى قطيع الأغنام الصغير الذي يملكه في مساحة ثلاثة أفدنة منعزلة عن بيت لحم التي تقع على مقربة خلف الأسلاك الشائكة.
ووضعت إسرائيل معظم أراضي الضفة الغربية خلف جدران وسياج بعد موجة هجمات انتحارية نفذها فلسطينيون في بداية العقد الماضي وأسفرت عن مقتل مئات الإسرائيليين، وأوقع هذا الظواهري في مأزق مع البيروقراطية.
وبعد أن حرم من تصريح إقامة في القدس يقول إنه لا يسمح له بالسفر إلا إلى بيت لحم، ولكن لا يحق له تسجيل سيارة بلوحات معدنية إسرائيلية ليتحرك على الطرق المخصصة للإسرائيليين فقط التي يحتاج أن يسلكها للوصول إلى هناك.
وقال الراعي البالغ من العمر (74 عاما) «يخططون لألف عام مقبلة، يخططون للتخلص منا».
ولدى سؤاله إن كان هناك أي شيء يمكن أن يوقف التوسع الإسرائيلي ابتسم بامتعاض وقال «الله وحده، كل الجيوش العربية حاولت وفشلت» في إشارة إلى حروب 1948 و1967 و1973 حين حاولت قوات عربية مشتركة هزيمة إسرائيل لكنها فشلت.
غير أن الأحداث التي وقعت في الآونة الأخيرة في القدس تشير إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تؤثر على صناعة السياسة إذا أرادت.

عودة النشاط الاستيطاني

وتظهر مراجعة لأنشطة تخطيط المدينة أنه بين التاسع من مارس وأول نوفمبر 2010 كان هناك وقف فعلي للأنشطة الاستيطانية بالمدينة ثم مرة أخرى من الثالث من يناير 2012 إلى أوائل أبريل الماضي.
وتزامنت الفترة الأولى مع حشد الولايات المتحدة التأييد لتجميد النشاط الاستيطاني لإقناع القيادة الفلسطينية بخوض مفاوضات سلام انهارت سريعا حين رفض نتنياهو مطلب الفلسطينيين مد تجميد النشاط الاستيطاني.
ولا يوجد تفسير واضح للفترة الثانية التي تم تجميد الاستيطان خلالها غير أن بعض الدبلوماسيين أشاروا إلى أن نتنياهو أوقف النشاط تفاديا للخلافات مع واشنطن حين كان يسعى إلى كسب تأييد الولايات المتحدة لموقف صارم من استراتيجية إيران النووية.
وقال دبلوماسي غربي كبير في إسرائيل طلب عدم نشر اسمه «فشلت إسرائيل في الحصول على الضوء الأخضر من أمريكا لتهاجم إيران، بعد ذلك بفترة قصيرة تسارعت وتيرة خطط البناء في القدس، من يدري ما إذا كانت هاتان الحقيقتان مرتبطتين»، فيما قال مسؤولون إسرائيليون إن التجميد فيما يبدو كان صدفة.