خبر رام الله...غلاء فاق التصور

الساعة 10:50 ص|26 مايو 2012

رام الله (تقارير)

لم يكن انتقال الفلسطينية "أم أحمد زايد" من مدينتها جنين إلى مدينة رام الله للعمل، ذو مردود مالي كبير عليها، بالرغم من حصولها على فرصة عمل "جيدة" في إحدى الوزارات الفلسطينية، و ذلك بسبب الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية في المدينة و التي قدرتها " بالضعف".

هذا الحال جعل أم أحمد، 34 عاما، تعتمد على شراء معظم المواد التموينية الأساسية من جنين خلال زيارتها لعائلتها هناك، في محاولة للتخفيف من العبء الاقتصادي الكبير الذي وقع على كاهلها في رام الله.

و أم احمد و عائلتها "زوجها و أبناؤها الثلاثة"، انتقلت للعيش في رام الله منذ العام 2009 بعد أن كانت تعتاش على راتب الزوج الذي يعمل موظفا حكوميا، إلا أنها و كما تقول، كانت بأحسن حال من الأن و تستطيع تنظيم أمور منزلها اقتصاديا بشكل أفضل.

تقول أم أحمد:" منذ اليوم الأول لسكني في رام الله لاحظت الفرق الكبير في الأسعار، كنت أسمع من زميلاتي اللواتي يسكن رام الله أن الأسعار هنا مرتفعة، إلا أنني لم أتوقع ان الأمر يصل إلى هذا الحد، فالفرق في السلعة تصل أحيانا إلى " 5- 10 شيكلا" (دولار و نصف – 3 دولارات)".

الفرق يصل للضعف...

و يبدو هذا الفرق واضحا مع بداية كل شهر حيث تقوم بشراء احتياجات المنزل مرة واحدة، و التي تصل فرقيتها إلى "200" شيكل" (60 دولار)، الأمر الذي جعلها تعتمد على شراء الأمور الأساسية من جنين و بأسعار اقل.

و رغم ذلك، تضطر أم أحمد لشراء بعض الحاجات الطارئة من هنا، و هو الأمر الذي جعلها تخصص ضعف ما كانت تخصصه في جنين فقط لتمويل مصاريف الأكل و الشراب شهريا، حيث تنفق أكثر من 2000 شيكلا،(600دولار)، بعد أن كان الأمر في مدينتها الأصلية لا يتعدى النصف.

و تنوه أم احمد إلى نقطة مهمة و هي أن هذا المبلغ فقط لسد احتياجات عائلتها الصغيرة، دون حساب المناسبات و " العزايم" التي بالعادة تضطر لصرف مبالغ أكثر بكثير.

و تقارن أم أحمد وضعها بوضع "شقيقاتها الأربعة" و اللواتي يعملن في جنين موظفات في الحكومة، و تتقاضى هي راتبا أعلى منهن، حيث يستطعن الاستفادة من هذا الراتب و الادخار أيضا.

وتقول أم أحمد أن راتبها الحالي، بحسب هذه الأسعار، يؤهلها للعيش في مدينة جنين بوضع أفضل بكثير مما هي عليه الآن، و خاصة أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية غير ثابت، و الغلاء يطال كل شئ بدءا من المواصلات إلى سكن و الروضات و الحضانات و المدارس.

و تتهكم أم أحمد على هذا الوضع قائلة:" في رام الله حينما نقول صباح الخير يجب ان ندفع عليها، رغم ان مصدر و تكلفة البضائع في كل المدن الفلسطينية واحدة، و لكن لا أحد يعلم لماذا هذا الغلاء الفاحش".

حالة عامة

و الغلاء في مدينة رام الله، مقارنة مع المدن الفلسطينية الأخرى أصبح يزداد و يبدو أكثر وضوحا في السنوات التي تلت قدوم السلطة و تمركز مكاتبها ووزارتها فيها، الأمر الذي خلق حاله من التذمر و السخط لدى سكان المدينة، ووافديها.

و باستطلاع بسيط لعشرة مواد غذائية أساسية، في محليين تجاريين قريبين في محيط دوار المنارة في رام الله، و مقارنه أسعارهما مع محال تجارية في نابلس و جنين يبدو هذا الفرق واضحا، كما في الجدول التالي:

الرقم

السلعة

رام الله 1

رام الله 2

متوسط رام الله

نابلس

جنين

1.

طحين( عشرة كيلو )

50

38

44

30

26

2.

رز ( عشرة كيلو )

80

62

71

53

52

3.

سكر ( عشرة كيلو )

50

40

45

38

38

4.

زيت الصافي (3 كيلو)

28

25,5

26,75

25

26

5.

سمنه الغزالين (2 كيلو)

26

26

26

25

26

6.

شاي ليبتون (125 كيس)

13

13

13

12

12

7.

كيلو عدس صحيح و مجروش

11

7

9

7

6

8.

لحمة خروف

75

70

72.5

65

65

9.

لحم العجل

60

54

57

53

54

10.

كيلوا الدجاج

13.5

13

13.25

10

11

و بنظرة سريعة، يظهر الفرق الكبير في الأسعار بين محال التجارية في نفس المدينة، حيث وصل الفرق في المواد الغذائية بين محل "عيسى الطريفي" الواقع بالقرب من سوق الخضار على دوار المنارة وسط رام الله، و سوبرماركت "الأصبح" في منطقة نزله عيد مصباح على دوار المنارة أيضا، إلى 47.5 شيكلا أيه ما يعادل (13 دولار).

و فيما يتعلق باللحوم الفرق بين ملحمة الأمانة الواقعة قبال مجمع البيرة للسيارات، و ملحمة الشعب الواقعة بالقرب من سوق الخضار إلى (11 شيكلا) في نوعين من اللحوم فقط، أي ما يعادل (3 دولارات).

و بالنسبة لأسعار كيلوا الدجاج كان الفارق بين محليين في رام الله "ملحمة الشعب" القريبة من سوق الخضار، و "مزارع الأمانة" القريبة من مركز الشرطة، و كلاهما في منطقة المنارة:" نصف شيكل"

مقارنة المتوسط الحسابي للفرق بين المحلين في رام الله، و الأسعار في مدينة نابلس ومقارنته مع أسعار نفس البضائع في مدينة نابلس يظهر أن الفرق وصل في المواد الغذائية التموينية إلى (44.75 شيكلا)، أي ما يعادل (12 دولار).

و فيما يتعلق بأسعار اللحوم فكان الفرق كالآتي: (اللحوم الحمراء الخاروف و العجل 9 شيكلا ، أي ما يعادل (2.75 دولار)، والفرق في سعر كيلوا الدجاج المنظف إلى (3.5 شيكل)، أي قرابة الواحد دولار.

و الفروق بين رام الله و جنين وصلت إلى 49.7 شيكلا (14 دولار) في المواد الاستهلاكية، و عشرة شواكل (2.90 دولار)بأسعار اللحوم، و في سعر كيلوا الدجاج 2.5 شيكلا (0.7 دولار).

الحكومة...الفرق مبرر

هذا التفاوت في الأسعار، لا يشكل دافعا لدى الحكومة للتحرك، كما يقول المهندس عمر كبها، مدير عام دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني، فالوزارة لا تتدخل في تحديد الأسعار السلع، إلا في حال كان هناك احتكار لسلع معينة و في الحالات التي يكون هناك مغالاة مبالغ فيها و غير مبرره.

و أورد كبها ، تبريرا لهذا التفاوت:" بعد شكاوى كثيرة حول هذه القضية، أجرينا دراسة بالتعاون مع جامعة بيرزيت، تبين فيها ان العامل المؤثر هو ارتفاع تكلفة أجرة و "خلوات" المحال التجارية".

و قال كبها ان ارتفاع قيمة استئجار المحال و المخازن في رام الله مقارنة بالمدن الفلسطينية الأخرى هي السبب الرئيس لهذا الغلاء.

و أكد كبها أن التدخل الذي تقوم به الحكومة هو إجبار التجار على إشهار الأسعار على السلع وفقا لقائمة استرشاديه وضعتها الوزارة ل66 سلعة أساسية من رمضان الفاءت، حددت فيها السعر الأعلى لبيع السلعة، بشكل يضمن ربح لا يقل عن 15% للتاجر.

و بالرغم من هذا الهامش من الربح، فإن عدد كبير من التجار لم يلتزموا بهذه الأسعار، حيث سجلت الوزارة خلال الفترة الفائتة أكثر من 696 مخالفة، معظمها لتجار لم يتقيدوا بالبيع وفقا لهذه القائمة.

و أشار كبها إلى ان الوزارة تستقبل شكاوى الموطنين من كل المحافظات على خطوط مباشرة، و في جميع دوائر حماية المستهلك و المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية.

و بحسب كبها فإن الأليات التي تستطيع فيها الوزارة التدخل لضبط الأسعار هي إجبار التاجر على إشهار السلعة بحيث يتم مقارنة هذه الأسعار مع الأسعار التي حددتها الوزارة ضمن هذه القائمة.

موقف الحكومة غير مقبول

ما ساقه كبها تبريرا للارتفاع في الأسعار أعتبره مدير جميعه حماية المستهلك صلاح هنية غير مبرر و غير مقبول، مؤكدا أنها محاولة للتملص من مسؤولية الوزارة في ضبط الأسعار و توحيدها.

و قال هنية:" مبرر ارتفاع أجرة المحلات في رام الله و البيرة، غير مقبول، حيث اتضح لنا في إحصائية بحثية قمنا بها بالتعاون مع اتحاد الغرف التجارية أن أكثر من ثلاث أرباع المحال التجارية في رام الله و البيرة هي "إجارات قديمة" من قبل 1967 أي أن الأجرة الشهرية لهذه المحال لا تتعدى الخمسة دنانير في الشهر، و الأجرة السنوية 100 دينار.

و تابع هنية:" نحن نعتقد أن السبب الخفي لهذا الارتفاع هو اعتبار رام الله العاصمة الإدارية للسلطة الوطنية الفلسطينية و مركز عمل مؤسسات ووزارات السلطة، و مؤسسات القطاع الخاص".

و أستهجن هنية السكوت على هذا الوضع من الحكومة، و حيث أن مستوى الدخول في رام الله لا يختلف عن باقي المحافظات الفلسطينية، و رواتب الموظفين في الحكومة و المؤسسات الأهلية و الخاصة موحدة.

و قال هنية أن جهود مضنية بذلت لإجبار وزارة الاقتصاد الوطني تحديد قائمة سلع استرشاديه لمجموعة من السلع الأساسية لا تستقيم حياة المواطنين بدونها، وذلك بقصد تفعيل الدور الرقابي لوزارة الاقتصاد.

و تابع هنية:" أن الحكومة تبرر عدم التدخل بأنها لا تتدخل بسياسات السوق و هذا أيضا غير مقبول لدينا فنحن لم نصل لمستوى دولة مستقلة ومستقرة لكي يحول الاقتصاد الفلسطيني لاقتصاد سوق.

و شدد هنية على أن مراقبة الأسعار فيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية الأساسية و اللحوم و المواد الزراعية هي اختصاص وزارة الاقتصاد الوطني فقط، و هي التي بيدها ضبط هذه الأسعار و تحديدها، و لديها الصلاحيات لمخالفة التجار غير الملتزمين.

و قال هنية أن الحل الأمثل للخروج من هذه الأزمة، هو الدعوة لتوحيد الأسعار بقرار حكومي بالحد الأعلى في كل محافظات الضفة.

ويرى هنية في هذا السياق، ان المستهلك يجب أن يمارس دورة بوعيه بحقوقه الأساسية و ان يقدم الشكاوي فيما يتعلق بأية مخالفات عن أيه خلل و تلاعب بالأسعار، و التوجه للشكوى ضد أيه من التجار المتلاعبين بالأسعار.