خبر أين كنتم، وكيف صرتم،وما الذي تفعلون، ولماذا تتبدلون؟!..د.أيوب عثمان

الساعة 06:47 م|20 مايو 2012

أين كنتم، وكيف صرتم،وما الذي تفعلون، ولماذا تتبدلون؟!

 

بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

كاتب وأكاديمي فلسطيني

  جامعة الأزهر بغزة

إذا كانت نقابة العاملين قد وجهت – قبل أن تنتصف ليلة الاثنين الثلاثاء 23/4/2012 – إلى العاملين رسالة نصية قصيرة مفادها تعليق العمل صباح الثلاثاء 24/4/2012، فبادر العاملون بالالتزام بها،

وإذا كانت النقابة قد أتبعت ذلك، صباح الثلاثاء 24/4، ببيان أعلنت فيه الإضراب ليومي الأربعاء والخميس 25/4 و 26/4ٍٍ أيضاً، فالتزم العاملون أيما التزام،

وإذا كانت النقابة قد طلبت مساء الأربعاء 25/4 تعليق الإضراب ليوم الخميس 26/4ٍ مسببة ذلك بأنه "استجابة لطلب الإخوة في الهيئة القيادية العليا لحركة فتح، وعلى رأسهم الأخ/ يزيد الحويحي"، مؤكدة أنها "ستستأنف فعالياتها النقابية بعد أسبوع إن لم يتم التوصل إلى حل"، فالتزم العاملون أيضاً وعلقوا إضراب الخميس 26/4/2012،

وإذا استمرت النقابة في تواصلها – بعيداً عن مرجعيتها الأساسية وهي هيئتها العمومية – أسبوعاً وصلته بأسبوع آخر حتى 9/5/2012، دون الرجوع إلى مرجعيتها التي تصفها (أي النقابة) دائماً بأنها صاحبة الولاية الوحيدة عليها،

وإذا كان سلوك  النقابة خاطئاً من الأساس في التعامل مع هيئتها العمومية، حيث أعلنت عن الإضراب ليلة الاثنين/ الثلاثاء 23/4، دون الرجوع إلى هيئتها العمومية، ودون علم منها،

وإذا كانت النقابة تعترف – صادقة – بخطئها في عدم الرجوع إلى هيئتها العمومية حين أعلنت الإضراب، فكيف تعيد ارتكاب الخطأ نفسه حينما طلبت من العاملين برسالة نصية ليلة الأربعاء 25/4 تعليق الإضراب ليوم الخميس 26/4، دون الاستئناس برأي الهيئة العمومية، وحتى دون إبلاغها بما جرى،

وإذا كانت النقابة صادقة في التعبير عن إدراكها للخطأ الذي أتت عليه، وهو عدم عرض الموقف على الهيئة العمومية للاستئناس برأيها ولتصليب موقفها، فما الذي دفعها وما يزال يدفعها، يا ترى، لممارسة الخطأ ذاته؟ هل هو إصرارها على تكرار الخطأ لقناعتها أن هذا الخطأ الذي تكرره وتصر على ممارسته هو التصرف الذي سيحقق مرادها؟! إذا كان ذلك كذلك، فإن المراد الذي تبتغي النقابة تحقيقه ليس متوفراً عند مرجعيتها الشرعية ممثلة في الهيئة العمومية، لكنه قد يكون متوفراً – كما تظن النقابة ظن الواهم – عند مرجعية أخرى هي من وجهة نظرها فوق مرجعيتها الأصلية، بل فوق كل المرجعيات الأخرى، وذلك هو عين الخطأ... بل إنه الخطأ الذي يأتي بناطحة السحاب إلى ساحق من علوها.

وإذا كانت النقابة التي كانت قبل الأربعاء 9/5/2012 هي غير النقابة التي صارت بعد التئام هيئتها العمومية تحت الشمس وفي العراء، ذلك أنها ولدت – أو أخذت مدداً – من جديد،

وإذا كانت النقابة تعيش حتى هذه اللحظة حالة انتظار ملبدة بالغيوم، على الرغم من انقضاء 12 يوماً على انعقاد الهيئة العمومية تحت أشعة الشمس، وفي العراء،

وإذا كان الموعد النهائي الذي يَفرُق بين الانفراج والانغلاق قد كان السابعة ثم صار الثامنة ثم التاسعة ثم العاشرة يوم أمس السبت 19/5/2012، دون الاستئناس برأي الهيئة العمومية، وحتى دون علمها،

وإذا كانت لجنة الوساطة التي كلفت نفسها من بين العاملين قد عملت لثلاثة أيام على مدار الليل والنهار قد وجدت نفسها فجأة خارج الأسوار، الأمر الذي يعني أن نقابة العاملين قد اختارت لنفسها خطاً آخر غير خط العاملين الذين قيل للوسطاء منهم: "أنا أحقق من النقابة أكثر مما أحقق عن طريقكم"، وهو أمر تم التعبير عن مثله مسبقاً أمام سمع وجمع: "لقد تآمرت مع النقابة حتى لا تكون هناك إضرابات، ولكنهم خرجوا عن الاتفاق"، أي أن النقابة خرجت عن (اتفاق التآمر!!).

ما أشبه الليلة بالبارحة! فقد قلنا في اجتماع الهيئة العمومية تحت الشمس وفي العراء: "ارفعوا أيديكم عن نقابتنا... نحن الولي عليها... نحن من يمنحها ونحن من يمنع عنها... نحن من يرفعها ونحن من يسقطها، ذلك أن من يملك الإنشاء يملك الإلغاء"، فهل سمعت النقابة قولنا؟! وهل استفادت من موقفنا؟! وهل فهمت كيف يمكن لها أن تحقق أعظم الاستفادة منا ومن موقفنا الذي لن يتغير ولن ينثني ولن يلين. أما أنا، فإنني أرى وكثيرون كثيرون غيري يرون أن النقابة لم تستفد بعد، وإلا فما سر غيابها القاتل عن الهيئة العمومية؟!

إننا إذا تناسينا ما كان من النقابة من إهمال وتهميش لهيئتها العمومية قبل الأربعاء 9/5/2012، وانتبهنا فقط لتصرف النقابة خلال الاثني عشر يوماً الماضية، فإننا نجد أن النقابة لم تدرك بعد، عملياً وفكرياً وميدانياً، أن الهيئة العمومية هي مرجعيتها، وإلا لكانت النقابة قد أفهمتنا ولو بعض ما دار خلال الاثني عشر يوماً الماضية أو على الأقل ما جرى خلال الأيام الثلاثة الماضية مع التركيز على ما جرى طوال يوم أمس السبت 19/5 ، وما الذي انتهت إليه الأمور، وما الذي جرى بعد تمديد الوقت النهائي من السابعة مساء أمس السبت 19/5 إلى الثامنة ثم إلى التاسعة ثم إلى العاشرة من المساء نفسه؟! ما الذي جرى بعد ذلك؟ هل تطبخ النقابة طعاماً ليس لنا إلا أن نأكله؟! ألم تدرك النقابة بعد أنه ما يزال هناك أناس لا يأكلون إلا مما يسهمون أو يعرفون؟! إننا نحمد الله أن أمثال هؤلاء كثيرون كثيرون.

وبعد، فعلى الرغم من أن الجميع يعلمون أنني – مثل كثيرين غيري – مختلف مع شخوص هذه النقابة اختلافاً بيّناً وممتداً على المستوى المنهجي والتاريخي والبنيوي، إلا أن اختلافي عنهم وخلافي معهم لا يبعدني عن الحق إن شاء الله ولا يجعلني أغض الطرف عن خطأ غيرهم، كما لا يجعلني أتخاذل أو أتهاون في الدفاع عن النقابة بصفتها بيتنا المعنوي الذي لا نسمح – البتة – لأي أن يقترب منه، أو أن يعتدي عليه، الأمر الذي جعل مجلس الأمناء يصب جام غضبه عليّْ، وهو ما لا أحب، فيما جعل النقابة تشعر بالارتياح إلي، وهو ما أحب.

أما آخر الكلام، فكما تعلن النقابة، في كل وقت تشاء، نفيرها العام للعاملين، متسلحة بهم، طالبة دعمهم ومساندتهم بغية الالتفاف حولها عند الأزمات وفي الشدائد، فإن الواجب الأخلاقي والنقابي يلزمها أيضاً بأن تجتمع بهم وتحاورهم – عند الحلول ومد الموائد – طارحة عليهم ما صار لديها، مستأنسة برأيهم، ملتزمة بقرارهم وإرادتهم، ذلك أن من أسوأ الأمور أن يُدعى أناس إلى الملمات والشدائد، فيما يُدعى غيرهم عند الحلول وعلى الموائد، وهو ما عبر عنه عمرو بن الغوث – وكأنه ينوب عن الهيئة العمومية لنقابة العاملين في جامعة الأزهر – قائلاً:

وإذا الشـدائد بالشـدائـد مـرة       أشجعكم فـأنا الحـبـيـب الأقـرب

وإذا تكون كريهة أدعى لها       وإذا يحاس الحيس يدعى جندب