خبر 64 عاما من نكبتنا ومن قيام إسرائيل! ..علي بدوان

الساعة 06:10 م|08 مايو 2012

ع بداية شهر مايو/أيار 2012 تعبر الدولة العبرية نحو العام الخامس والستين من تأسيسها، وقيامها على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني، في رحلة استعمارية لم يشهد مثيلها التاريخ المعاصر للبشرية جمعاء، ولا التاريخ بأسره.

فقد قامت الدولة العبرية على فلسفة إحلال شعب مكان شعب البلاد الأصلي، واستخدمت لتحقيق ذلك عمليات الإبادة والترانسفير والتطهير العرقي، بشكل يقارب ما حصل في بلاد الأميركتين وأستراليا ونيوزيلندا مع فارق كبير تمثل في استناد الحركة الصهيونية إلى التبرير الأيديولوجي القائم على أساس خرافة الميثولوجيا، التي لاقت استحسانًا عند الغرب الاستعماري في حينها، كما لاقت تبريرًا قويًّا لدى عتاة الصهاينة من أجل تحشيد اليهود للقدوم إلى فلسطين تحت جناح الانتداب البريطاني.

الدولة العبرية تعبر نحو العام الخامس والستين من قيامها، والشعب الفلسطيني يعيش ذكرى نكبته، وهو يئن وينزف بجراحه المثخنة، وأسطورة الدم الفلسطيني تحولت إلى حقيقة راسخة، حيث ما زال هذا الدم يراق على الأرض الفلسطينية. فكيف نرى المشهد الحالي في ذكرى قيام دولتهم الطافرة وهو يوم نكبتنا الكبرى، نكبة الشعب الفلسطيني؟

الدولة الطافرة
نبدأ القول بأن "إسرائيل" هي الدولة الوحيدة في العالم التي نشأت نشأة طافرة (مولود غير طبيعي)، فهي دولة كولونيالية استعمارية استيطانية إحلالية إجلائية، قامت على الأكذوبة الكبرى: "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، وبقرار أممي جائر هو قرار التقسيم (181) لعام 1947 الذي رفضه الشعب الفلسطيني في حينها، فقد كان يشكّل هذا الشعب في بلاده ومدنه وقراه العامرة في فلسطين أكثرية السكان بواقع مليوني عربي فلسطيني على أرض فلسطين التاريخية تقريبا، مقابل 450 ألف يهودي تم جلب غالبيتهم الساحقة، أي نحو 80% منهم خلال سنوات الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي بفعل التسهيلات البريطانية والغربية عموما.

كما كان الشعب الفلسطيني يمتلك نحو 94% من أرض وطنه التاريخي (أملاك خاصة وأملاك عامة) بينما لم تكن الأطراف اليهودية بما فيها الوكالة اليهودية تمتلك أكثر من 6% من مساحة أرض فلسطين التاريخية استولت على معظمها بفعل تسهيلات سلطات الانتداب. وعليه كان من المنطقي أن يرفض الشعب الفلسطيني حينذاك مشروع التقسيم، الذي يبدو للبعض الآن ممن "يقرؤون الماضي بلغة ووقائع الحاضر" أن رفض الفلسطينيين له ضيّع عليهم فرصة ذهبية.

ومع هذا، ومع آلام النكبة، التي قذفت بأكثر من نصف الشعب الفلسطيني إلى "دياسبورا" المنافي والشتات، إلى سوريا ولبنان والأردن بشكل رئيسي، فإن نموًّا سكانيا فلسطينيا بات الآن يقض مضاجع صناع القرار السياسي والأمني والعسكري في دولة "إسرائيل".

فالمائة والستين ألفًا من الشعب الفلسطيني الذين بقوا على أرض فلسطين المحتلة عام 1948 بعد عام النكبة أصبحوا الآن أكثر من مليون وخمسمائة ألف مواطن فلسطيني متجذرين على أرض المثلث والنقب والجليل والقدس الغربية داخل العمق المحتل من فلسطين التاريخية، وباتوا بذلك قوة بشرية ذات تأثير ديمغرافي هائل على خريطة الدولة العبرية التي أراد صناعها أن تكون دولة يهودية صافية على أنقاض الشعب الأصلي.

كما باتوا قوة سياسية قادرة على توجيه الشارع العربي في الداخل، وصياغة موقفه وبرنامجه الوطني المتوافق والمتكامل مع البرنامج الوطني لعموم الحركة الوطنية الفلسطينية.

ففلسطينيو الداخل المحتل عام 1948 ليسوا عرب "إسرائيل" كما تروج وتستسهل وصفهم وسائل الإعلام العربية وغير العربية بتلك السمة، وليسوا الأقلية العربية كما تروج له تلك الوسائل الإعلامية، بل هم أبناء الوطن الأصليين. فالتعبيران السابقان ضاران ولا يعكسان حقيقة الصراع، ويشكلان مدخلاً ممتازا لترويج ثقافة الرواية الميثولوجية الصهيونية التي تحدثت عن فلسطين خالية من السكان.

معطيات وأرقام
وفي الواقع الحالي، ووفق المعطيات "الإسرائيلية" ذاتها والمنشورة قبل أيام قليلة، وتحديدًا يوم الأربعاء (25/4/2012) على صفحات صحيفة معاريف "الإسرائيلية"، فإن عدد سكان الدولة العبرية يقارب الآن ومع دخولها عامها الخامس والستين نحو 7.9 ملايين نسمة. لكن المهم من كل ذلك أن نسبة السكان من المواطنين العرب الفلسطينيين من أبناء البلاد الأصليين باتت تبلغ نحو 25% من السكان بما فيهم سكان القدس الشرقية والغربية ومعهم الشركس والأرمن والتركمان (وهم مواطنون فلسطينيون بكل المقاييس والمعايير)، حيث يعيش الآن على امتداد أرض فلسطين عام 1948 نحو 5.93 ملايين يهودي بمن فيهم المستوطنون في مستعمرات الضفة الغربية والقدس، بما يعادل نسبة 75% من السكان.

بينما تبلغ أعداد أبناء البلاد الأصليين من العرب الفلسطينيين منهم نحو 1.5 مليون نسمة، ويتوقع لهذا الوزن العربي أن يتزايد بوتيرة أعلى في سياق النمو السكاني التالي، لتصبح نسبة المواطنين العرب الفلسطينيين أعلى بكثير من نسبة الـ25% الحالية مقابل تراجع نسبة السكان من اليهود، خصوصا مع جفاف ونضوب مستودعات الهجرة اليهودية في العالم باتجاه فلسطين.

وفي هذا المجال نلفت الانتباه إلى أن الهجرة اليهودية الكبرى التي تمت من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، كانت الهجرة الكبرى من نوعها، وهي التي رفعت أعداد اليهود على أرض فلسطين بشكل كبير، فقد جاء من تلك الجمهوريات خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي نحو مليون يهودي، ولولا تلك الهجرة التهويدية الاستيطانية لكانت نسبة اليهود الحالية في "إسرائيل" أقل من 69% من السكان.

منسوب التحول السكاني
إن وزن الحضور السكاني العربي داخل الدولة العبرية، سيزداد وفق منسوب أعلى من منسوب تزايد النمو السكاني اليهودي خلال السنوات القادمة، كما تشي به كل المعطيات القائمة، حيث يتوقع على سبيل المثال أن يصل عدد سكان "إسرائيل" في يناير/كانون الثاني 2013 إلى نحو ثمانية ملايين نسمة. كما يتوقع أن يرتفع في عام 2025 إلى نحو عشرة ملايين نسمة، وفي عام 2060 إلى نحو 20 مليون نسمة، وعندها يتوقع أن تصل نسبة المواطنين العرب إلى أكثر من نصف سكان الدولة داخل حدود عام 1948 فقط دون المناطق المحتلة عام 1967 وقطاع غزة.

من جهة ثانية، فإن أعداد السكان من المواطنين العرب الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة دون القدس الشرقية التي تم احتساب أعداد مواطنيها العرب الفلسطينيين على الداخل المحتل عام 1948 تقارب الآن نحو 3.7 ملايين نسمة، بواقع 2.1 في الضفة الغربية والقدس، و 1.6 مليون نسمة في قطاع غزة، أو 4.1 مليون نسمة مع القدس الشرقية.

وعليه، وفي التقدير الأوسع من ذلك، فإن عدد السكان الكلي الحالي على أرض فلسطين التاريخية من نهرها إلى بحرها ومن رأس الناقورة حتى رفح، البالغة مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع، يقارب الآن نحو 11.6 مليون نسمة، منهم 5.97 من اليهود، و 5.63 مليون نسمة من العرب الفلسطينيين أصحاب الوطن الأصليين.

ويتوقع أن تتفوق نسبة السكان العرب على اليهود على امتداد أرض فلسطين التاريخية مع نهاية عام 2014. ولا ننسى في هذا المقام أن المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات بشكل عام هو مجتمع فتي، تصل فيه نسبة من هم دون عشرين عاما إلى نحو 70% من السكان، وهو ما يعبر في حد ذاته عن قوة كامنة مقابل مجتمع يهودي يميل ولو بتدرج بطيء نحو الشيخوخة والكهولة.

فلسطينيو الشتات على مرمى حجر
أما في الدائرة الأوسع، فإن المعطيات المنشورة وفق مصادر عدة منها معطيات المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني في رام الله، ومعطيات وكالة الأونروا وغيرها من الجهات المعنية، تفيد بأن التعداد العام للشعب الفلسطيني يبلغ قرابة 11 مليون فلسطيني مع نهاية عام 2011.

والشيء الهام في هذا الجانب أن قرابة نحو 93% من المجموع العام للشعب العربي الفلسطيني، يعيشون داخل حدود فلسطين التاريخية وفي النطاق المحيط بها في دول الطوق العربية، بمعنى أن اللاجئ الفلسطيني خارج فلسطين ما زال على مقربة من وطنه التاريخي.

فأقصى التجمعات والمخيمات الفلسطينية في (دول الشتات الرئيسية) بعدًا عن أرض فلسطين تقع شمال سوريا (مخيم حندرات) قرب مدينة حلب أو مخيم الرمل قرب مدينة اللاذقية، بمسافة لا تزيد عن 400 كيلومتر من أقرب نقطة إلى فلسطين، في حين تبلغ نسبة الفلسطينيين في الجوار المحيط بفلسطين مباشرة وعلى أبعد أقل من 100 كيلومتر من حدودها، أكثر من 70% من فلسطينيي الشتات، وهو أمر له تعبيراته، ودلالاته القاطعة التي تؤكد أن لاجئي الشعب الفلسطيني ما زالوا في قلب المعادلة، وأن أي حلول تنتقص من حقهم في العودة ستفشل في بناء تسوية دائمة في المنطقة بأسرها.

وخلاصة القول أن الدولة العبرية التي تعيش لحظات قوتها المفرطة وعنجهيتها غير المحدودة، تعيش في الوقت نفسه لحظات متتالية من قلق سؤال الوجود والبقاء. فالمعطيات صارخة وحادة على الأرض، رغم هذا الوجع الثقيل الذي ما زال يرزح تحته الشعب الفلسطيني، واللاجئون منه على وجه الخصوص في مخيمات وتجمعات اللجوء والمنافي في سوريا ولبنان والأردن وغيرها من البلدان.

وتحت هذا الوجع يصرخ اللاجئون بأعلى أصواتهم بأن الحق لا يموت بالتقادم، ولا يلغيه تجبر ظالم. كما يصرخ أبناؤهم الطلبة في مدارس وكالة الغوث صباح كل يوم بنشيد عائدون:
عائدون عائدون .. إننا لعائدون،
فالحدود لن تسود والقلاع لن تدوم
فاصرخوا يا لاجئون إننا لعائدون عائدون

ويرددون بيتين من الشعر ما زالا مرتسمين منذ أربعين عاما على حائط عريض في ثانوية البنين في مخيم اليرموك، وقد كتبهما ابن مدينة يافا الشهيد منير المغربي الذي استشهد عام 1974 في العملية الفدائية التي وقعت في قلب مستعمرة كريات شمونة (الخالصة) شمال فلسطين في منطقة أصبع الجليل:

يا منشئين على خرائب منزلي ..... تحت الخرائب نقمة تتقلب
إن كان جذعي للفؤوس ضحية ......... "حذاري، فدائي" في الثرى يتأهب