خبر رئيس حكومة من لحم ودم -هآرتس

الساعة 08:33 ص|03 مايو 2012

رئيس حكومة من لحم ودم -هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

        (المضمون: كان يجب ان يُترك حداد عائلة نتنياهو لموت الأب الشيخ للعائلة وحدها وألا تشتغل الدولة كلها بهذا الموت كما يُفعل في ممالك وفي نظم مستبدة - المصدر).

        مس بنيامين نتنياهو للحظة واحدة حقا شغاف قلوبنا بصورته قرب قبر أبيه الجديد يذرف دمعة مع صوت مختنق وابنه يعاضده، وهي صورة لم تدع أحدا غير مكترث. فرئيس الحكومة الآلي والأكثر تزينا في اسرائيل بدا فجأة بشرا حقيقيا بخلاف عادته. فالانسان الذي يصبح يتيما من الأب حتى والأب قد تقدم به العمر الى أرذله وصار اليتيم في الثالثة والستين هو مشهد محزن. وشخصية الأب المهيمنة المتوفاة هي ايضا لحظة تأسيسية لابنها.

        لكن حزن رئيس الحكومة شخصي، وحاولت اسرائيل في ايام نتنياهو ان تجعل ذلك حدادا وطنيا. فهي منذ زمن لم تُحد هذا الحداد على مفكر توفي، ولم تُحد هذا الحداد منذ زمن على أب لشخص ما. فقد أصبح البروفيسور بنتسيون نتنياهو في موته، وفي موته فقط، شخصية وطنية. وخلال النهار افتتحت جميع نشرات الاخبار بذكر خبر موته، فصار للشخص الذي رفضته المؤسسة الاكاديمية الاسرائيلية ورعى حقولا اجنبية، مجد متأخر.

        كان البروفيسور نتنياهو مفكرا ومؤرخا أقل جدا المشاركة فيما يجري في اسرائيل، وقضى جزءا كبيرا من حياته مهاجرا في الولايات المتحدة كأكثر اخوته وهو ذو سيرة ذاتية آسرة جدا، لكن يوجد مثله كثيرون أفاضل آخرون. فلولا أنه والد رئيس الحكومة لشككنا في أن يثير موته الذكر أكثر من بضعة أسطر على هامش نشرات الاخبار. ومع جميع المشاركة الصادقة في حزن نتنياهو الذي نرجو ألا يعرف الحزن بعد، يوجد شيء ما مقلق جدا في جعل موت الأب حدادا وطنيا.

        علمت اسرائيل مرة اخرى ان رئيس حكومتها الحالي هو أكثر من مجرد سياسي بكثير. فحينما يخرج ابنه للتنزه بصحبة حراس مسلحين، وحينما تتدخل زوجته فيما يجري أكثر من أكثر الوزراء بكثير؛ وحينما يشبه كل سفر لرئيس الحكومة في شوارع اسرائيل سفر حاكم في جمهورية موز مصحوبا بما لا يحصى من السيارات الصافرة ويجتاز الاشارات المرورية التي تم تعطيلها من اجله؛ وحينما يصبح ديوانه شبيها ببلاط بيزنطي مع من لا يُحصون من مستشاري البلاط والهامسين، وحينما تحظى عطله ايضا بتغطية اعلامية واسعة – أين كان وماذا فعل وماذا أكل وماذا شرب – فان اسرائيل تصبح أشبه بمملكة على رأسها أسرة مالكة أرفع من الشعب.

        ان التزامن العرضي الساخر فقط هو الذي جعل نتنياهو الأب يُدفن في اليوم الذي يحتفي فيه الهولنديون بيوم ميلاد ملكتهم بياتريكس. احتفلت هولندة وصبغ رعاياها وجوههم بألوان العلم وأنشدوا أناشيد للملكة، في اليوم الذي حزنت فيه هنا الأمة لموت ملكها – الأب. لكن هولندة مملكة واسرائيل ليست كذلك (حتى الآن)؛ وعندنا فلافل ورئيس حكومة يُبدل بانتخابات كل بضع سنين، وتعلمون انه لا يجري في عروقه أي دم أزرق. وليس ملكنا عاريا فقط بل أصبح الآن يتيما ايضا.

        جلب موت الأب ايضا أمواج تحليلات وركاما من التحليل لتأثير الوالد في ابنه في حياته وتأثير موته فيه منذ الآن. ان هذا التملق الرخيص من الشعب لرئيس حكومته الذي أصبح يتيما في ستينيات حياته لا يبشر بخير ولا يشهد على جدية النقاش العام. كان هناك من تنبؤوا بأن يغير نتنياهو مواقفه بعد ان تحرر من هيبة أبيه. واعتقد آخرون ان هذا لن يحدث. بل بالغ زميلي أري شبيط أكثر من ذلك فقال: "ان السؤال المصيري الذي يسأل بعد يوم من جنازة بنتسيون نتنياهو هو هل حانت ساعة المصالحة؟" ("في ظل التاريخ"، 1/5). الى هذا الحد. الى هذا الحد أصبح الانشغال برئيس حكومة سيء جدا لاسرائيل انشغالا بسريرة نفسه، وكأن هذا قدم أجوبة قاطعة عن اسئلة مصيرية.

        كان يجب ان يُترك الحداد لأبناء عائلة نتنياهو وحلقة مُجلي الميت. أما التحليل النفسي المنطقي للابن فيمكن ان يُترك للخبراء النفسيين والمؤرخين. بعد انقضاء ايام الحداد السبعة سيعود الواقع ليلطم أصحاب الحداد الحقيقيين والمزيفين معا وسيضطرون الى العودة الى ارض الواقع التي تثير الكآبة وهي أشد بؤسا وحسما من خبر موت البروفيسور الطاعن في السن. ومن السخيف انه يجب ان نذكر ان نتنياهو رئيس حكومة من لحم ودم يُفحص عنه بأعماله فقط وهي للأسف الشديد أقل كثيرا من قائمة اخفاقاته وأخطاره التي أخذت تطول من يوم الى يوم مع أبيه الى جانبه ومن غيره ايضا كما يبدو.