خبر أين الحمامة في احتفالات الاستقلال -هآرتس

الساعة 09:26 ص|01 مايو 2012

أين الحمامة في احتفالات الاستقلال -هآرتس

بقلم: أوري مسغاف

        (المضمون: نُسي السلام فلم يعد له ذكر في الخطاب العام الاسرائيلي - المصدر).

        طلبت في الاسبوع الماضي من طلابي ان يصوغوا ألواح زينة احتفاءا بيوم الاستقلال الرابع والستين. فصور واحد وحيد منهم حمامة سلام تطير في السماء وفي منقارها غصن زيتون. يبدو انه ولد نشأ في بيت شاذ. فالحقيقة هي ان السلام غاب عن الوعي الاسرائيلي وكان من نتيجة ذلك انه لم يعد له ذكر في الاحتفالات القومية.

        اعتدنا في طفولتي ان نرفع في يوم الاستقلال أعلاما صغيرة اسرائيلية على نشيد "وُلدتُ للسلام الذي سيأتي"، وتم تذكر يوم الذكرى دائما مع أمل عنيد في ألا يسقط في المستقبل ضحايا آخرون. ولا يتجرأ أحد اليوم على ان يعبر في المراسم عن طموح كهذا لأنه سيكون قولا أجوف في دولة أسقطت السلام رسميا من برنامج عملها كله.

        الحديث عن شأن دراماتي وتاريخي يتم تقبله لسبب ما بغير اكتراث. كان الطموح الى السلام ولو في صعيد التصريح ركنا أساسيا من المشروع الصهيوني. السلام باعتباره قيمة وفكرة أساسية ووجودية. والسلام باعتباره طعم الحياة وتعزية ووعدا. لا ذاك الذي يُمضغ على مر السنين حتى يصبح عبارات لفظية عقيمة وتقنية على صورة "مسيرة سياسية"، و"خريطة الطريق"، و"مخطط كلينتون"، أو "أنابوليس".

        الحقيقة انه كان هناك شيء من الكذب والنفاق والحلم في الطموح المجرد جدا الى السلام. فـ "يدنا الممدودة للسلام" مُدت بصورة ضعيفة جدا، وبضمان محدود جدا، واحترقت احيانا ايضا. وما يزال اليأس من السلام يبدو بعيد المدى وذا معنى قاتم. والحلم بمستقبل أفضل وأكثر منطقا حل محله تسلية النفس بذكرى المحرقة واشتغال يائس بـ "الدعاية الاعلامية" وتمسك وسواسي بـ "التهديدات" (الارهاب وايران ومعاداة السامية).

        يبلغ هذا المسار المدمر بالطبع ذروته تحت سلطة بنيامين نتنياهو وبتشجيعه الحثيث، وهو نفس نتنياهو الذي انتخب لولايته الاولى تحت شعار "نصنع سلاما آمنا". وقد كانت محاولة الفوز في صناديق الاقتراع بغير التزام واضح معلن لروح السلام في تلك الايام مدعاة الى انتحار انتخابي. وبعد مرور أقل من سني جيل انقلبت الامور رأسا على عقب كليا.

        يصعب ان نفهم لماذا ضاق الاسرائيليون ذرعا بالفكرة الأساسية لتسوية دائمة. فاتفاقا السلام الرسميان اللذان وقعت عليهما اسرائيل مع نظامين ذوي سيادة صمدا منذ ذلك الحين بلا اهتزاز. وتم الحفاظ في حرص ايضا على تسوية عدم القتال على الحدود السورية، وهي ليست معاهدة سلام. ان انسحابين من طرف واحد على الخصوص بغير اتفاق وبغير شريك أنتجا استمرار العداء والقتال من اراضي لبنان وغزة. وأفضت اتفاقات مرحلية اشكالية في الضفة الغربية بغير مصالحة حقيقية وقرارات حاسمة حقيقية الى شغب.

        لكن موارد العقل والمبادرة الاسرائيلية التي تنتج الفائزين بجوائز نوبل وقوة هاي تيك ضخمة وصناعة سلاح زاهرة لا تُجند لاحراز السلام. وحينما يقول رئيس "الشباك" السابق ان مسار التحادث مع الفلسطينيين قد أُهمل لاعتبارات ائتلافية يُستعمل عليه فورا جهاز دعاية مُزيت من ساسة بلا مسؤولية وصحفيين مجندين. وتُسمع منهم تشهيرات شخصية مخجلة وشكاوى من "الاسلوب" و"التوقيت" ولا تُسمع أي كلمة تتعلق بالادعاء الذي يثير القشعريرة. وها هي ذي تقترب ايضا انتخابات عامة سيُمكّن الاسرائيليون فيها مرشحيهم مرة اخرى من ان يعرضوا عليهم أفقا بلا سلام.

        كيف أصبح هذا ممكنا؟ يبدو ان الاسرائيليين قد أدمنوا رجال الامن بسبب كثرة الوسواس الامني. وانطمس الفرق بين الوسيلة والهدف وبين التكتيك والاستراتيجية. ونُسي ان اسبارطة لم تطل ايامها وان متسادا سقطت على سيفها. في السنة الرابعة والستين لنهضة اسرائيل عادت مقابلات صحفية مع رئيس هيئة الاركان تبرز في القائمة الاعلامية للعيد وكانت صورة التشكيلة الجوية لسلاح الجو وما تزال هي التمثيل الأبرز ليوم الاستقلال، وظهرت من الغد في الصفحات الاولى للصحف في حين عرضت واحدة منها طائرة اف 15 في سماء تل ابيب كتب فوقها "لحظة فخر". وتعتبر ايضا الصورة المتعبة لتلك الطائرات في سماء اوشفيتس في نظر كثيرين أبرز ظاهرة للمشروع الصهيوني.

        بماذا الفخر الكبير؟ هل بآلات حرب امريكية اشتُريت بملايين الدولارات من نفقة مساعدة امريكية يطير بها اسرائيليون تذكارا ليوم العيد أو بأيام الحداد الوطني؟ سيكون الفخر الحقيقي في ان نطلق الى السماء مرة اخرى حمامة السلام وفي منقارها غصن زيتون تمجيدا لدولة اسرائيل.