خبر فرية الأقصى- اسرائيل اليوم

الساعة 09:21 ص|27 ابريل 2012

 

بقلم: نداف شرغاي

(المضمون: يستعمل الفلسطينيون ولا سيما الشيخ رائد صلاح وحركته الاسلامية الاسرائيلية ما يسميه فرية الاقصى وزعم ان الاقصى في خطر للتشهير باسرائيل في العالم وادعاء أنها تعمل على هدم مسجد الصخرة والمسجد الاقصى واقامة هيكل ثالث مكانهما - المصدر).

في شهر كانون الاول من سنة 2000 بعد شهرين فقط من نشوب الانتفاضة الثانية كتب محمد أبو سمرة، وهو ضابط استخبارات برتبة عقيد من حركة فتح، رسالة الى "رئيسه" ياسر عرفات وطلب ابلاغه عن "خطة صهيونية لهدم المسجد الاقصى بهزة ارضية صناعية".

"تدل تقارير عسكرية وامريكية نشرت في المدة الاخيرة"، قال أبو سمرة، "على أنه تم تأليف في سنة 1997 لجنة اسرائيلية شارك في عضويتها علماء من جامعة التخنيون في حيفا ومن معهد وايزمن في رحوفوت ومن بئر السبع. وصاغت اللجنة خطة لهدم المسجد الاقصى بغير ترك بصمات بواسطة إحداث هزة ارضية صناعية، واستعمال موجات صوتية متصادمة، واستعمال إحداث تفريغ هواء وإحداث عواصف رعدية محلية صناعية. وقد تم أكثر التجارب"، كتب أبو سمرة بلغة موضوعية جافة: "في 1999 تحت سطح البحر الميت وفي صحراء النقب ايضا. وتشير التقارير الى أن ارضية المسجد أصبحت مفرغة نتيجة الحفريات الاسرائيلية (الأثرية). ويتوقع الخبراء الصهاينة ان يُهدم المبنى نتيجة اختلال التوازن بين ضغط الهواء الخارجي والضغط الداخلي. أريد أمركم وتوجيهكم".

تطرق عرفات وهو أسير الفرية التي حبكها هو وزملاؤه وأصبحوا وكلاءها الأتقياء، تطرق الى تقرير أبو سمرة بكامل الجدية. فقد أمر خطيا بنقل المعلومات الى طائفة من الاشخاص في شرقي القدس منهم فيصل الحسيني وزياد أبو زياد.

كان سلوك الرئيس عرفات مصطبغا بعبارات الفرية طوال السنين. وتقول الفرية التي ولدت في ايام المفتي الكبير الحاج أمين الحسيني شريك هتلر، ان الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل تتآمران وتسعيان بالفعل الى هدم مسجدي جبل الهيكل لتبني بدلا منهما الهيكل الثالث. وأصبحت هذه الفرية السلاح الوحيد الذي تستعمله كل جهة مسلمة وعربية ترغب في توحيد الجماهير على "جهاد من اجل القدس"، وأداة تدفع الى الأمام بالمكانة الشخصية والقيادية والسياسية للداعين اليها. ويشيعها اليوم جهات متطرفة وايران وحماس وحزب الله والاخوان المسلمين، لكن يشيعها ايضا من كان يُعرف حتى المدة الاخيرة بأنه معتدل نسبيا – كجهات في الاردن ومصر وفي السلطة الفلسطينية. ويقبل جموع المسلمين في أنحاء العالم اليوم هذه الفرية على أنها حقيقة محضة دونما أية صلة بالحقائق والواقع الميداني، وإن كانت تدل على العكس تماما. ومن المفهوم ان هذا الامر يسكب الزيت على شعلة الصراع الاسرائيلي العربي وتزيدها توهجا على علم.

كانت رسالة أبو سمرة وعرفات من التعبيرات المعتدلة نسبيا عن الفرية. ان رسومات كاريكاتورية على هيئة تنينات أو أفاعي تحيط بها نجمة داود وتحدق بقبة الصخرة، أو مناجذ تحفر تحتها، قد نشرت في العالم العربي بصورة دائمة. وقد أعطت رسومات فظيعة يبدو فيها يهود ذوو نظرات شيطانية يلتهمون البوظة أو الكعك على صورة المسجد الاقصى، هذه الفرية صبغة مخيفة اخرى. ونشرت ايضا أنباء واشاعات باطلة عن خطط اسرائيلية لقصف المسجد الاقصى بالصواريخ، وتم اتهام دولة اسرائيل بتدبير عمليات ومشاركة فيها خطط لها أو حاول تنفيذها متطرفون يهود أو مسيحيون في مساجد جبل الهيكل.

مهما بدت الفرية خيالية فانها وقعت على آذان صاغية. فقد أصبحت شعيرة دائمة كلما بنت اسرائيل أو نفذت اعمال حفر أثرية حول جبل الهيكل. وبرغم ان اسرائيل لم تحفر تحت الجبل، لم يعق ذلك المسلمين عن ان يروا كل نشاط اسرائيلي في منطقة المدينة القديمة حتى لو كان على مبعدة مئات كثيرة من الأمتار عن الجبل، "خطرا على الاقصى".

كان وكلاء الفرية كثيرين ومتنوعين وتنافسوا في تطرفهم. فقد أعلن المتحدثون مثلا في مراسم في مسجد الحاج نمر في نابلس في حضرة عرفات ان "الشعب الفلسطيني لم يتردد قط في الدفاع عن القدس والتضحية بالشباب والدم الطاهر في الطالبية والقطمون والبقعة والمسجد الاقصى... وفي كل مكان لأننا جميعا نستجيب لنداء الله". وأضاف رجال الدين الكبار اشياء من عندهم.

على خلفية فرية الاقصى في خطر والدعوات الى الاتيان والدفاع عن المسجدين حتى بالتضحية بالنفس والدم، واذا أخذنا في الحسبان اللغة والمضامين العنيفة التي استعملها رجال الدين المسلمون في جبل الهيكل وخارجه، لم يكن مفاجئا ان تم استعمال مسجدا جبل الهيكل بين الفينة والاخرى لحاجات ارهابية حقيقية. فقد استمد الارهاب في واقع الامر شرعية استعمال الجبل ومسجديه قاعدة لنشاطاته عن وجهة نظر تقول ان تلك القاعدة "قد هُددت" وتُهدد على أيدي أعداء الاسلام. ولما كان المس بأعداء الاسلام شرعيا، فمن الشرعي التخطيط ايضا للمس بهم من داخل "الاقصى المهدد"، ومن داخل "الاقصى الذي هو في خطر".

ارهاب من جبل الهيكل

ان استعمال منطقة جبل الهيكل للارهاب مثل فرية الاقصى في خطر قد ولد في عهد المفتي الكبير الحاج أمين الحسيني الذي كان رائدا في هذا المجال ايضا. فالمفتي الذي كان مشاركا في تدبيرات دفعت الى الثورة العربية الكبرى على البريطانيين في السنين 1936 – 1939 عزله البريطانيون عن عمله كله وأرادوا اعتقاله لكنه وجد ملاذا في مسجدي جبل الهيكل حيث أُخفي سلاح واختبأ فيهما اعضاء العصابات العربية. وفي تشرين الاول نجح في التدلي عن سور الجبل بحبل متنكرا بزي امرأة وأن يهرب من البلاد.

في اثناء الانتفاضة الاولى والانتفاضة الثانية ايضا وبعدهما استُعمل المسجدان وساحاتهما من اجل الارهاب، واستغل غير قليل من الخلايا قداسة المكان ليخططوا في حمايته لعمليات واعمال ارهابية. وقد نفذت أبرز هذه الخلايا في 15 تشرين الاول 1986 عملية القاء قنابل يدوية على الجنود المبتدئين من لواء جفعاتي. وقُتل في تلك العملية دوف بورات وهو والد جندي كان قد ودع قبل ذلك بدقائق ابنه... والخلية التي اختطفت وقتلت ايضا شرطي حرس الحدود نيسيم توليدانو في كانون الاول 1992 وشرطيي السير دانيال حزوت ومردخاي اسرائيل في آذار 1993 جعلت الجبل ومسجديه مكان لقاء وتخطيط لاعمال ارهابية... وفي 2008 اعتقل شباب التقوا في المسجد الاقصى وخططوا لانشاء قاعدة لمنظمة القاعدة ولتنفيذ عمليات في اسرائيل.

بل ان أحد المعتقلين فحص عن امكانية اسقاط مروحية رئيس الولايات المتحدة جورج بوش وقت زيارته للقدس... وكان مُدبرو مؤامرة اطلاق صاروخ على استاد تيدي في القدس في ربيع 2010 متصلين اتصالا وثيقا بجبل الهيكل، وفي آب 2011 مُنعت في القدس عملية ارهابية شديدة حينما تم اعتقال سعيد القواسمي وهو مخرب منتحر خطط ليفجر نفسه في حي بسغات زئيف مختبئا في جبل الهيكل قرب المسجد الاقصى.

ان الذين ضخموا فرية "الاقصى في خطر" وجعلوها تبلغ ذرى لم يسبق لها مثيل الشيخ رائد صلاح وحركته – الحركة الاسلامية الاسرائيلية... فلا شك في ان صلاح هو التلميذ البارز للمفتي الكبير، الشيخ الحاج أمين الحسيني، أبي فرية "الاقصى في خطر"، وهو تلميذ فاق استاذه. وقد استعمل لغة عنيفة ورسائل متطرفة موجهة على دولة اسرائيل واليهود والحركة الصهيونية في اطار اجتماعات ضخمة سنوية وحملات دعائية تشمل العالم... وقد تأثر صلاح وكان قريبا من عقيدة الاخوان المسلمين وكانت له صلة بالدكتور محمود الزهار من قادة حماس وبالشيخ يوسف القرضاوي، بل ترأس وفود حركته التي جاءت للقاء الشيخ احمد ياسين، مؤسس حماس.

تصعيد الكفاح

في تشرين الاول 2000، في الايام الاولى لانتفاضة الاقصى، وبعد زيارة اريئيل شارون، رئيس المعارضة آنذاك، لجبل الهيكل، بدأت موجة أحداث ومظاهرات عنيفة دبرها عرب اسرائيل. وانشأت حكومة اسرائيل برئاسة اهود باراك لجنة تحقيق رسمية للفحص عن الأحداث. وقد رسم اعضاء اللجنة وهم القضاة ثيودور أور وهاشم خطيب والبروفيسور شمعون شمير باستنتاجاتهم خطوطا بمشاركة الحركة الاسلامية في اسرائيل في قضية جبل الهيكل. وذكروا ان "الحركة بنشاطها في هذا الميدان عبرت عن خصائص استراتيجيتها وهي: تصعيد الكفاح والفاعلية العملياتية وتثوير الجمهور. وقد جعلت الحركة الاقصى في رأس اهتماماتها باعتباره نقطة جذب عاطفي لتوحيد المسلمين في اسرائيل حوله وجسرا الى المجتمع الفلسطيني في المناطق والى العالم الاسلامي عامة".

وقالت اللجنة في تأثر: "لا يقبل العقل ان يكون الشيخ صلاح آمن بأن الحكومة الاسرائيلية تنوي هدم المسجدين وبناء الهيكل مكانهما كما زعم، وأنه لا مناص من استنتاج أن أقواله في هذا الشأن كانت ترمي الى حشد ثروة سياسية وتجنيد مؤيدين وشحذ الكفاح".

لم ينفر صلاح من أية وسيلة كي ينشر مذهبه. فقد شبه رئيس الحكومة آنذاك اهود باراك بأبرهة الأشرم القائد الحبشي الذي توجه بحسب الرواية الاسلامية الى مكة بقصد هدم الكعبة، ونظر الى دولة اسرائيل بالفعل على أنها دولة عدو.

سيكرر صلاح بعد ذلك اتهام اسرائيل بأنها تنوي بناء الهيكل بدل المسجد الاقصى، ويقول: "ما أوقحهم إذ يريدون بناء مكان صلاة وما تزال دماؤنا على ملابسهم وأبوابهم وفي طعامهم وشرابهم. ان دمنا ينتقل من جنرال ارهابي الى جنرال ارهابي آخر...". وفي تلك الخطبة كرر صلاح مزاعم معادية للسامية مريضة أُثيرت في الماضي على يهود بهدي من الافتراءات الدموية على اليهود في اوروبا المسيحية في العصور الوسطى: "لسنا أمة تعتمد على الكراهية. ولسنا الذين سمحنا لأنفسنا ذات مرة بأن نأكل اللحم مغموسا بدم الاولاد".

ينبغي ان نعلم ان حلم صلاح ليس هو حصر العناية بالقدس والاقصى فقط. فقد كانا في الحقيقة عنصرا مركزيا في مذهبه، لكنهما كانا مرحلة فقط من سلم أعلى كثيرا يفضي الى هدف أبعد تخشاه اليوم اوروبا كلها وهو اقامة الخلافة الاسلامية العالمية.

ما يزال هذا العنصر من نظرية صلاح غير مهيمن، لكنه أخذ على مر السنين يتبوأ مكانا أكثر مركزية في اعتقاده وسلوكه. ويتبين ان فرية الاقصى في خطر ليست أداة تحريض فقط على الشعب اليهودي وعلى الدولة والحركة الصهيونية، وليست وسيلة فقط لتعظيم قداسة القدس في مقياس القداسة الاسلامي لأن هذه الفرية في الأمد البعيد هي أداة ترمي الى جمع الاسلام العالمي حول القدس باعتبارها عاصمة الخلافة الاسلامية العالمية المخطط لها.

ان صلاح مشغول في السنين الاخيرة في الحقيقة بتوسيع نشاطه ونشاط حركته. فقد تحول صلاح من الاشتغال بالقدس فقط الى اشتغال كثيف بالشأن الفلسطيني بعامة مع اظهار تأييد لحركة حماس وعدد من مبادئها، حتى انه في المدة الاخيرة وصف النشاط المتعلق "بشأن القدس والمسجد الاقصى المحتلين" بأنه اشتغال "فتح للحركة (الاسلامية) الأبواب لانشاء علاقات دولية في جميع القضايا التي تُكثر الاشتغال بها". وقد وصف صلاح وربما لأول مرة علنا: "قضية القدس والمسجد الاقصى" لا باعتبارها جوهرا فقط بل أداة ووسيلة ايضا.