خبر أيام قرارات حاسمة مصيرية -اسرائيل اليوم

الساعة 08:43 ص|25 ابريل 2012

أيام قرارات حاسمة مصيرية -اسرائيل اليوم

بقلم: دان مرغليت

        (المضمون: عدد من القرارات الحاسمة التي اتخذتها القيادة الاسرائيلية طوال سني وجودها وكانت في ظروف عدم يقين ومع ضغط داخلي وخارجي، لكن يتبين الآن بالنظر الى الوراء أنها كانت قرارات صائبة صحيحة - المصدر).

        ان الأكثرية الغالبة من القرارات الاستراتيجية المركزية تم اتخاذها في سني استقلال اسرائيل الـ 64 بصورة عقلانية وباحتمالية يقبلها العقل، لكن مع مخاطرة كان يمكن ان تكون نتائجها كارثة. وقد كان مجرد بت أمر انشاء سيادة يهودية من هذا القبيل. وقد تكون سنة الاستقلال الـ 65 كهذه ايضا.

        لم ترسل الادارة الامريكية وزير الخارجية المرشح موشيه شريت في 1948 الى البلاد لاقناع دافيد بن غوريون بتأجيل اعلان الدولة أو الموافقة على نظام وصاية من البحر المتوسط الى الاردن فحسب بل حذره رئيس هيئة الاركان الفعلي يغئال يادين من ان احتمالات بقاء اسرائيل أمام هجوم الجيوش العربية لا تزيد على 50 في المائة.

        وفي نهاية الامر لم يفرض دافيد بن غوريون على شريت ان يوفر على اعضاء مجلس الشعب الوصف الذي هو أشد سوادا من السواد الذي جاء به من وراء المحيط فقط بل صعب عليه ان يصوغ أكثرية من ستة في مقابل اربعة لانشاء الدولة فورا.

        كان من جوهر الاشياء إغراء مفهوم بالاستجابة الى طلب تأجيل انشاء الدولة، وقد كان الاستيطان العبري معرضا منذ خمسة اشهر لارهاب عربي فلسطيني إثر قرار الامم المتحدة على التقسيم، وتولت الامور في بريطانيا التي كان جيشها منتشرا في المنطقة، حكومة معادية. ولم تنجح غولدا مئير في اقناع الملك عبد الله بأن يترك الفيلق الاردني خارج ميدان المعارك. فأصبح معلوما أنه سيغزو البلاد. فلماذا لا تُستمع نصيحة الولايات المتحدة التي لولا أنها وقفت الى جانب اليهود لما وجدت في الجمعية العامة للامم المتحدة أكثرية لقرار التقسيم من اجل انشاء دولتين للشعبين في غربي ارض اسرائيل؟.

        يهز المؤرخون أكتافهم حينما يُسألون ماذا كان سيحدث لو أن الناس الذين يبحثون في اعمالهم سلكوا سلوكا مختلفا عما استقر رأيهم عليه بالفعل، ومع ذلك فان هذا السؤال شديد الالحاح. أكان بن غوريون سيحظى باعلان انشاء الدولة لو أنه أجله حينما نشأت نافذة تاريخية في أيار 1948؟ ولو ان الاستيطان العبري هُزم في الحرب أكان بن غوريون سيُذكر في كتب التاريخ لا باعتباره الأب المؤسس للسيادة بل بأنه شبتاي تسفي القرن العشرين؟.

        كان هناك احتمال لقراره الحازم على عدم ترك الفرصة التاريخية تفلت من يديه؛ لكن الخطر كان لا يستهان به ايضا.

        وكان الامر في الحقيقة مثل عدة قرارات استراتيجية اخرى اتخذت في اثناء الاستقلال. فمتى كانت ستصبح القدس عاصمة اسرائيل (إن أصبحت أصلا) لولا اتخذ بن غوريون اجراءا من طرف واحد ونقل الكنيست من دار سينما "كيسم" في تل ابيب الى بيت فرومين؟ وماذا كان سيكون وجه اسرائيل لو أنها لم تخرق الحصار الخانق الذي فرضه عليها جمال عبد الناصر مرتين في 1956 وفي 1967؟ وماذا كانت ستكون مكانتها لولا ان اتخذ مناحيم بيغن في 1981 القرار الحاسم – مخالفا كثيرين وأفاضل – على تدمير المفاعل الذري "اوسيراك" لصدام حسين في العراق؟ بعد سنين كثيرة من ذلك الوقت سأل اهود باراك مسؤولا رفيع المستوى في الادارة الامريكية أكانت الولايات المتحدة ستخرج لمحاربة الطاغية من بغداد لو كان يملك سلاحا ذريا، وكان الجواب ضرب اليدين بعضهما ببعض.

        المفاعل السوري

        يستطيع وزير الدفاع الآن ان يسأل الامريكيين ماذا كان سيكون مصير طلبهم ان يستقيل بشار الاسد الذي يذبح شعبه لولا أن حكومة اهود اولمرت قد استقر رأيها على تدمير المفاعل الذري الذي كان قد أخذ يُبنى سرا في سوريا. رفض جورج بوش القيام بذلك العمل، لكنه أثنى على قرار اسرائيل على تنفيذ المهمة.

        لم تكن هذه القرارات الحاسمة دائما حادة – حالية. فقد أخضع شلومو هيلل الشاب ليفي اشكول حينما عُرّض له عشية بعثته السرية الى العراق بأن من المناسب تبطئة تيار المهاجرين لاسباب اقتصادية كما كشف عن ذلك في كتابه "روح كديم". ورفض بن غوريون (بتأييد من بيغن وبخلاف لكثيرين أفاضل من المؤسسة السياسية والاقتصادية والصحية) رفض تعويق الهجرة من شمال افريقيا بسبب تلك الاسباب. وماذا كان سيكون حال الديمغرافية اليهودية (والتكافل؟) لولا تم اتخاذ تلك القرارات برغم المخاطرة التي اشتملت عليها من قبل متخصصين مستقيمين حذروا من نقص الادوية ومن الأوبئة؟ وكان القرار الأشد أسرا هو القرار الحاسم لمسألة المشروع الذري الاسرائيلي الذي ابتدأ في خمسينيات القرن الماضي. ولم يكن هناك قرار حاسم واحد بل قرار نامٍ متطور. فان بن غوريون وشمعون بيرس وموشيه ديان بتأييد من ناس قليلين من المؤسسة العلمية (دافيد آرنست بيرغمان) والمهندس العسكري (مناس برات) وشباب جُندوا من وقت قريب للمشروع من أبناء جيل يوفال نئمان واجهوا العالم كله تقريبا. وقد زعمت المؤسسة العلمية أن هذا الشيء لن ينجح. وتحفظ ناس كبار مثل يغئال الون واسرائيل غليلي وطلبا الى بن غوريون ان يباحثهما في معنى ذلك لمنع قرار حاسم يتعلق بتطوير الخيار الذري.

        انشأ اشخاص ذوو منزلة مثل اليعيزر لفني وإشعيا ليفوفيتش والبروفيسور افرايم اليميلخ اورباخ اللجنة من اجل تجريد الشرق الاوسط من السلاح الذري. وقد التقوا مع طلاب جامعات في مقاهي في القدس وقالوا انه لن ينشأ شيء عن المفاعل الذري في ديمونة سوى اسم جديد على خريطة النقب. بل انهم تنبأوا باحتمال تعاون عسكري امريكي سوفييتي على تدمير المنشأة.

        "دُمى خطيرة"

        كانت آنذاك في الستينيات الاولى اسباب جيدة لعدم المغامرة بسبب المعارضة في الداخل وبسبب ضغط امريكي ثقيل خاصة في فترة ادارة جون كنيدي. لو استجابت القيادة له وامتنعت عن فعل شيء لما استطاع أحد ان يوجه الدعاوى عليها.

        ولم يكن في المستطاع بناء قضية مبرهن عليها لا يعتريها أي شك تقول ان المشروع سينجح. وحينما ضغطت امريكا لوحظ نكوص عن التصميم في موقف ليفي اشكول الى درجة ان الباحث الدكتور افنير كوهين الذي كان يسعى بلا كلل لتقويض سياسة الغموض التي تلف المفاعل في ديمونة بنجاح، أثار تخمين ان لفني كف عن انتقاده لأنه قدّر ان صديقه اشكول لن يسعى الى انتاج سلاح ذري.

        ما كان أحد يستطيع ان يعرف من بين أصحاب بن غوريون في سنة 1960 ان غولدا مئير ستُدعى بعد عشر سنين الى البيت الابيض وان الدكتور هنري كيسنجر سينقل هناك تأكيد موقف الولايات المتحدة من معارضة مفاعل ديمونة الى طلب غموض ذري فقط يُطلب الى اسرائيل في اطاره ألا تعلن قدراتها على الملأ.

        حدث ذلك في ايلول 1969، وكانت حاشية غولدا مئير سعيدة جدا ومتأثرة حينما تحدثت عن ان كيسنجر أخذ غولدا مئير لنزهة في الحديقة (التي لم تكن فيها كما يبدو اجهزة تنصت) وعرض الصفقة عليها. وحينما استجابت دعاها الرئيس ريتشارد نيكسون الى جولة اخرى في الحديقة وسألها كما ورد في كتاب كوهين هل يوجد عندها "لُعب خطيرة". وفاجأت نفسها ايضا وأجابت بنعم. ولو ان الرئيس سألها كم تملك منها لما عرفت بماذا تخبره في ذلك المكان. فلم يستطع بن غوريون وصحابته قبل ذلك بعشر سنين أنهم سيتخلصون على هذا النحو من الضغط للتخلي عن ديمونة. وقد اتخذوا قرارا منطقيا ذا مضمون خطير في ظروف عدم يقين.

 

 

        وسام شرف لكيسنجر

        منذ ذلك الحين تدفقت مواد كثيرة في مفاعل ديمونة الذري، لكن لم توجد زيارات لمراقبين امريكيين ولم تستطع اسرائيل ان تمنح كيسنجر وسام شرف مناسبا، وهو الذي سيُتم في الشهر القادم 89 سنة، بل بقي في الجانب الشرير غير الصحيح من الذاكرة الجماعية لاسرائيل.

        لا يعني هذا ان قيادة الدولة وهي تريد ان تغير صورة العالم والانسانية والشعب اليهودي وارض اسرائيل لم تتخذ ايضا قرارات استراتيجية من الطراز الاول كانت حمقاء كلها، فقد كان تجفيف بحيرة الحولة واحدا منها. وكان الكثير غيرها مما لا يمكن اصلاحه سريعا. لكن يمكن ان نقول بالنظر العام ان أخطرها قد تم اتخاذه في مستوى احتمال عال في جرأة وشجاعة وأنه يمكن في اختبار النجاح ان نصفها بأنها مقامرة ما ايضا. ان الوصف الذي يشتمل عليه اتخاذ قرارات مركزية في تاريخ اسرائيل ذو صلة بسنة الاستقلال الـ 65 التي تنطلق غدا في طريقها. ويبدو على نحو سافر انه سيُفرض على اسرائيل ان تتخذ قرارا في المستوى القومي – الوجودي وليكن مضمونه ما كان وليكن جوهره صعبا ما كان.

        ان من استمع قبل اسبوع لنتنياهو وباراك فهم ان الحكومة قد دُفعت بالضبط الى وضع يجب عليها فيه ان تتخذ قرارا حاسما ذا أهمية مصيرية مع الجهد للاعتماد على مستوى عال من الاحتمال، لكن في ظروف عدم يقين معناها حاسم يتعلق بالحياة أو الموت والخير أو الشر. وليس هذا القرار الحاسم واحدا بل هو مجموعة متصلة من القرارات تؤدي في نهاية الامر الى التصويت الحاسم. ولا شك في ان اسرائيل تفضل ان يستوعب العالم المشابهات التاريخية من ثلاثينيات القرن الماضي وان يجتث المشروع الذري لآيات الله وهو ما يزال في مهده من غير حاجة الى استعمال قوة عسكرية دولية أو اسرائيلية على ايران. لكن حتى الحل السياسي المفضل يشتمل على قرار صعب على اسرائيل.

        اذا زيدت العقوبات شدة وزادت عمقا وأضرت كما ينبغي بالاقتصاد الايراني، واصبحت قيادة آيات الله مستعدة للتوقف عن سعيها الى انتاج سلاح ذري فسيوجه طلب من دول الشرق الاوسط لاتخاذ خطوات مشابهة مع اسرائيل ايضا.

        ان مصر حسني مبارك لم تدع الشأن الاسرائيلي فكيف تكون الحكومة التي نشأت إثر الربيع العربي ومعها دول اخرى وعلى رأسها ايران.

        يخطر بالبال ان وزراء الُثمانية لن يبحثوا فقط مسألة في أية ظروف وبحسب أية معطيات يكون الهجوم الاسرائيلي ضروريا أو يؤجل، بل ماذا سيحدث اذا أفضى التوجه الدبلوماسي الى التخلي الايراني الأكبر ثم وجهت بعد ذلك اصبع الطلب الى النقب الاسرائيلي.

 

 

        الخيار الذري

        ان هذه القضايا جزء من العاب الحرب المستعملة في معاهد البحث والادارات الغربية وفي الشرق المتقدم ايضا وبين اكاديميين عرب عادوا الى بلدانهم من جامعات في امريكا واوروبا. وهي تُعرض على أنها اسئلة نظرية اكاديمية لكن لها تطبيقات عملية في وزارات الخارجية والدفاع لدول كثيرة.

        وسيُعرض السؤال على النحو التالي تقريبا: اذا كان ممكنا ابطال المشروع الذري الايراني كليا وتجريد الشرق الاوسط من السلاح الذري ومن ضمن ذلك المفاعل الذري في ديمونة، فماذا يجب على اسرائيل ان تفعل؟ لو أنني استطعت ان أتناول هذه الامكانية بصورة عملية لأجبت بأنه حسن لحينه وبأن تزن اسرائيل هذه الامكانية على نحو ايجابي. لكن لو تحقق الخيار الذي يبدو مثل حلم وهو ان تصبح ايران من غير قنبلة ذرية، لرفضت ان تتخلى دولة اليهود عن كل ما يُنسب اليها.

        أُفضل قبل كل شيء ان تملك اسرائيل قدرة ذرية حتى لو ملك الطرف الآخر قدرة كهذه. وهذا قرار حاسم آخر سيُتخذ على نحو عقلاني وفي ظروف احتمال يقبلها العقل، لكن مع عدم يقين مُثقل ومقلق. هذا ما يبدو لي صحيحا في اليوم الذي ينبغي فيه ان نتذكر ونتذكر ونتذكر.