خبر نعتاد على ثمن الاحتلال- هآرتس

الساعة 08:35 ص|15 ابريل 2012

 

بقلم: رامي لفني

هل لفظت مسيرة السلام أنفاسها، وأنهى الصيف حل الدولتين؟ أشك في وجود لحظة مميزة نعلم بعدها أنه لم يعد داع للحديث عن تقسيم البلاد. فوزير التاريخ لن يجمع مؤتمرا صحفيا ووزارة الخارجية الامريكية ستستمر في دفع ضريبة شتوية الى "رؤيا الدولتين"، ولن تعلن منظمات السلام عن اغلاق مسطبتها وسيموت السلام بصوت واهن ضعيف، فيتحدث ناس أقل فأقل عن تسوية سياسية ويقل الناس الذين يتحدثون عنها تباعا، وهكذا ستتبخر من حياتنا بالتدريج.

تشير استطلاعات رأي الى أكثرية دائمة في اسرائيل وبين الفلسطينيين ايضا تؤيد اتفاق سلام في اطار خطة دولتين. لكن استطلاعات الرأي مضللة. فمقدار تأييد الاتفاق لا يتنبأ بامكانه. ولا يوجد وزن سياسي لتأييد عام كبير لفكرة الدولتين اذا لم تكن مصحوبة باعتراف بأهمية الاجراء وإلحاحه، وادراك الثمن المسمى للسلام والاستعداد لتجنيد النفس في صندوق الاقتراع من اجل من تكون هذه التسوية في مقدمة اهتماماته.

ان محاولة تهديد الاسرائيليين بأننا اذا لم نُعجل في اعادة المناطق فسنواجه دولة ثنائية القومية فشلت فشلا ذريعا. فالتهديد يبدو أجوف وهستيريا ومجردا. ولا يمكن في واقع فصل تخيل وضع يشارك فيه محمد وعائشة من رام الله في انتخابات للكنيست ويحددان من يكون رئيس الوزراء في اسرائيل، وما لا يمكن تخيله لا يمكن ان يخيف.

قامت ثلاثة عوامل رئيسة في أساس الدعم الذي منحه الرأي العام لـ 12 سنة مسارات سياسية من اوسلو الى الانفصال. الاول هو الطموح الى حياة طبيعية والى ترتيب الوجود الاسرائيلي – الصهيوني، يتحققان بفضل شرعية في الشرق الاوسط وفي العالم، والنمو الاقتصادي الذي سيأتي في أعقاب السلام. والثاني هو الطموح الى الانفصال عن الفلسطينيين ومضاءلة الاحتكاك العنيف. والثالث هو الخوف من العالم.

ولم تعد هذه التقديرات موجودة. فالاسرائيليون يتمتعون بثمار السلام من غير ان يدفعوا ثمنه: فالعالم كله يُتم اعمالا مع اسرائيل والاقتصاد في نمو برغم أننا لم نتخل عن الاحتلال. وتشعر اسرائيل بفضل نجاحها الاقتصادي بحياة أكثر طبيعية مما كانت دائما وتُعرف التشدد على الفلسطينيين بأنه تحرر من الأوهام. وتم قمع المقاومة الفلسطينية. وبفضل الجدار والفصل في المناطق لا يرى الاسرائيلي العادي الفلسطينيين ألبتة، وحينما لا يُرى الفلسطينيون لا تُرى مشكلة فلسطينية. وانهار ايضا مبدأ "لن يُبيح العالم استمرار الاحتلال" مع انهيار الاجراء الفلسطيني لاحراز اعتراف من الامم المتحدة.

تبتعد النخب الاسرائيلية والفلسطينية عن حل الدولتين. فالفلسطينيون يئسوا في حين وجهت بقايا اليسار في اسرائيل معظم عنايتها الى النضالات الاجتماعية التي تنتهي عند الخط الاخضر والى جدالات داخلية. وتغيرت حركة السلام ايضا، فقد قل وزن منظمات السلام التي تعمل على تقدم المسيرة السياسية، وزاد وزن منظمات الاحتلال التي تحصر عنايتها في جوانب انسانية من السيطرة على المناطق، لكنها لا تمس مباشرة بسؤال حل الصراع. ويدل هذا الوضع على تغلغل تصور ان الاحتلال دائم.

هل سيتحطم الكبت؟ وهل ستنتهي أمة تختار العمى على عمد الى ان يقرع الواقع بابها ويطلب الدفع بربا مضاعف أضعافا؟ ينبغي ان نعترف في صدق بأن هذا السيناريو غير مرئي الآن: فلا توجد يقظة سياسية اسرائيلية ولا ضغط دولي فعال ولا خطوات فلسطينية تضعضع التوازن ضعضعة شديدة. ان ثمن الاحتلال ندفعه بآلاف السُبل وهو باهظ لكن أكثر مواطني اسرائيل تعلموا كيف يتعايشون معه كما يتعلم السجناء العيش في سجنهم، بالتعود.