خبر الحرب في حضرة ... الجهاد الإسلامي

الساعة 07:01 م|17 مارس 2012

وكالات

كتب – ثابت العمور

لا يستهدف العنوان أو مضامين الموضوع استحضار فصيل ما دون غيره، فالجميع في دائرة الاستهداف والقصف الصهيوني لا يفرق بين الدم الفلسطيني، ولكن اختصت حركة الجهاد الإسلامي لعدة اعتبارات ودلالات من اهمها، الرصيد المرتفع في عدد شهدائها ووجودها في قلب الاستهداف الصهيوني بل باتت احد محددات التصعيد من عدمه، ثم اصرارها السياسي والعسكري على رفض اي تهدئة او هدنة واعلانها بأنه لا زال في جعبتها المزيد من المفاجآت، ثم ظهور راجمة الصواريخ للمرة الثانية خلال عام، مضافا لذلك حجم الصواريخ التي قصفت بها المغتصبات الصهيونية كما ونوعا.

 

وبالطبع دون اغفال اكبر ملحمتين تقودهما الحركة في السجون الصهيونية، ملحمة الشيخ المجاهد خضر عدنان، وملحمة الأسيرة هنا شلبي، وكونهما من جنين ، فإن هذا يعيد للذاكرة معركة جنين خلال انتفاضة الاقصى، وهو ما يستحضر ايضا دور وفاعلية وحضور حركة الجهاد الإسلامي في تلك المعركة البطولية والتاريخية، والتي عرفت "بجنين جراد"، وقد كان لها ما بعدها.

 

بدت حركة الجهاد الإسلامي خلال معركة بشائر الانتصار أكثر فاعلية وأكثر تحررا وأكثر ثقة في الذهاب صوب الحرب والتصعيد مع الكيان الصهيوني، وربما ما وفر لها هذه الأريحية الابتعاد عن مقتضيات العمل السياسي الرسمي وتكاليفه وحساباته، ثم تغليب العسكري والجهادي على اي اعتبارات او حسابات أخرى فبدأت الكلمة العليا لرجال الميدان، وهو الفعل الذي نصف كثيرا مما يقال ويشاع عن فصائل المقاومة الاسلامية عموما وحركة الجهاد بوجه خاص، والتي كانت في دائرة الاستهداف والتقييم والتقويم، وقطعا كان لرد الفعل الجهادي عدة دلالات وعدة اعتبارات وحملت المواجهة عدة رسائل، وسيترتب عليها جملة نتائج اهمها استبعاد فكرة وممارسة الاقصاء والاستبعاد، وهو أحد المضامين التي حملها التصريح الاعلامي للحركة واتيانه على ذكر "حتى لو تخلى الجميع عنا وبقينا في الساحة وحدنا"، وهي عبارة لها مدلولاتها ولم ترد سهوا، بل كانت ثاني ما أكد عليه البيان. ولست بصدد اجراء قراءة لما ورد في البيان فرسائله ودلالاته التي جاءت في اربعمائة وستين كلمة تتجاوز اي قراءة واي توصيف واي توظيف.

 

إن ابتداء البيان بعبارة "لا تهدئة في ظل العدوان وعلى العدو توقع الأسوأ"، ثم اختتامه بعبارة "جهادنا مستمر وعملياتنا متواصلة"، يعني بأنه وإن حدثت تهدئة أو هدنة فإنها مؤقتة وأنها من موقف قوة وهي استجابة لكثر من المقتضيات والمتطلبات، وقد لوحظ بجانب البيان تصريحات اعلامية لقادة الجهاد حرصت على أن تكون التهدئة بشروط المقاومة لا بشروط الكيان الصهيوني، وهو ما حدث بالفعل، في الخطاب السياسي الذي عبر عنه الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في رده على وساطة الرئاسة الفلسطينية بأنه لا تهدئة إلا بوقف الاغتيالات الصهيونية وأن يتعهد الكيان الصهيوني بذلك، ولكلمة يتعهد ابعادها القانونية والسياسية، وهي سابقة تحدث في الفعل وفي الادراك وفي الاشتراطات الفلسطينية، وفي الخطاب العسكري جاء على لسان سرايا القدس "على من يسعى لتثبيت التهدئة أن يتوجه برسائله للعدو الذي انتهك المحرمات". وبالتالي إذا دخلت التهدئة حيز التنفيذ، فإنها تعني استجابة صهيونية لشروط المقاومة عموما واشتراطات حركة الجهاد الإسلامي بوجه خاص، وتعني بأن مفاعيل مئة وثمانين صاروخا تبنتها حركة الجهاد الاسلامي من مجموع مئتين صاروخ رصدتها الصحافة الصهيونية وتحديدا صحيفة "يديعوت أحرنوت" حتى مساء يوم الاثنين، قد أتت بنتائجها وثمارها وفعلت مفاعيلها في الكيان الصهيوني الذي بات يتخبط مستوطنيه تيها ما بين الملاجئ ومواسير الصرف الصحي، حتى بدأ الأمر كمنع تجول تفرضه المقاومة الفلسطينية على نصف سكان الكيان. وبالفعل بدأت الكلمة العليا للمقاومة وألزمت العدو بشروطها.

 

وبالاضافة للاشتراطات والتعهدات، فإن الحرب النفسية لم تغفل وتغيب من فعل وممارسة وخطاب الحركة، وهو ما يتضح جليا في دلالات القول "نحذر قادة العدو من مغبة اختبار صبرنا إلى ما لا نهاية ، لأن صبرنا إذا نفد سينقلب نارا ودمارا عليهم ، و ندعو المغتصبين الصهاينة لتوطين أنفسهم على البقاء في الملاجئ ومواسير الصرف الصحي لأطول فترة ممكنة، وألا يعتمدوا على تصريحات قادتهم التي ستودي بهم إلى الهلاك لا محالة"، وبدأ كذلك في القول "ان استهداف بيوت المدنيين اذا استمر على نفس النهج ولم يوقف العدو غاراته وعدوانه فنحن مستعدون لتوسيع مدى القصف الصاروخي للمدن الاسرائيلية"، وفي ذلك حرب اعصاب وحرب نفسية تستهدف الرأي العام الصهيوني وتدفع بالعدو في التفكير مليا والتوقف مطولا امام أي احداثيات للتصعيد، وهو ما اتضح من خلال ارتفاع عدد الشهدا في اليوم الاول و نصف اليوم الثاني ثم تراجعه وانخفاضه في اليومين التاليين.وقد حمل القول ايضا اشتراطات ضمنية سبقت شروط الحديث عن التهدئة، تقتضي وقف استهداف بيوت المدنيين ووقف الغارات عليهم، وأنه الم يتحقق ذلك فإن دائرة الاستهداف ستتسع لدى حركة الجهاد الإسلامي لتطول مزيدا من المواقع والمدن الصهيونية. وبالتالي كان هناك نوعين من الاشتراطات القائمة على الفعل ورد الفعل والتوازي والتوازن في الادراك والاستدراك وهو ما تقرر صهيونيا.

 

وفي استحضارالبيان العسكري والخطاب السياسي لبيوت المدنيين، واستخدام ترسانة عسكرية كبيرة لا تستخدم إلا في الحروب بين الدول، وأن هذا العدوان مدعما بموقف امريكي سافر وغربي متآمر وعربي صامت، استحضار لابعاد القانون الدولي عموما والانساني بوجه خاص، وهو خطاب كان غائبا في لغة المقاومة الفلسطينية، واستحضاره يعني تحميل المجتمع الدولي مسؤوليته تجاه الشعب الفلسطيني، ويعني فهم عميق للمكانة القانونية لقطاع غزة كاقليم محتل من حق مواطنيه الدفاع عن انفسهم والسعي بكل الطرق والادوات الممكنة ممارسة هذا الحق من اجل التحرير وتقرير المصير، وان كان البيان يعري ويكشف التواطئ الدولي، فإنه يستحضر حقا مشروعا ومضمونا في المقاومة والدفاع الشرعي، بل ضمن القانون والعرف والتشريع الدولي بأنه لا يجوز لدولة استخدام القوة المسلحة ضد اي وحدات من غير الدول.

 

 

 

وبالتالي اظهر البيان -سالف الذكر- الكيان الصهيوني بأنه أجرم ويمارس جرائم ضد البشرية والانسانية لا في حق الشعب الفلسطيني الأعزل والمحتل والذي لم يرقى لمستوى دولة، ولكن في حق البشرية وفي حق الشرائع والاعراف الدولية، وأنه يجب محاكمته على جرائمه، وانقلاب الموقف الدولي وكيله بمكيال واحد لا ينفي هذه الحقيقة وهذ المسؤولية، وبالتالي فعل المقاومة مشروع ومكفول ومضمون، بل الكيان هو من ابتدأ بالحرب وبالعدوان. إذا المعركة ليست مع الكيان فقط، ولكنها معركة الحق ضد الباطل ومعركة تقودها المقاومة الفلسطينية، دفاعا عن كل الحقوق وكل الشرائع، ومعركة تستهدف استحضار المواثيق الدولية والانتصار لحقوق الشعوب، وليست حق الشعب الفلسطيني فقط، وهذه حقيقة يجب التأكيد عليها، حتى وإن انقلبت المفاهيم، وعربد الكيان الصهيوني واستباح فهذا فعل اجرامي بحقنا وبحق البشرية والانسانية كلها، واذا اقر وقنن فإنه سيكون سابقة خطيرة في تاريخ البشرية وهو لا يهدد شعبا اعزل ينشد الحرية والاستقلال ويطالب بحقوقه وبالحق في الحياة ، بل يهدد السلم والامن الدوليين ايضا.

 

 

وختاما وعن .. "الحرب في حضرة الجهاد الاسلامي"، يحضرني ما قاله الكاتب الصحفي والمختص بالشأن الصهيوني "حلمي موسى" في صحيفة السفير الصادرة يوم الثلاثاء الماضي "إن العبء الأساسي للقتال تركز على حركة الجهاد الإسلامي، التي  تملك قدرات صاروخية مهمة، وهي القدرات التي وضعت ما يزيد عن مليون صهيوني في الملاجئ"،وانتهي بما اورده واشار اليه المراسل العسكري "اليكس فيشمان" في صحيفة "يديعوت أحرنوت" قائلا:"..التقدير هو ان حركة الجهاد الاسلامي ليست مستعدة بعد للتغاضي عن كبريائها، ..والمشكلة هي ايجاد التسوية التي تحمل الجهاد الاسلامي على وقف النار.."، فهل اجبرت حركة الجهاد الإسلامي على قبول وقف اطلاق النار؟، ربما.. ولكن بشروطها وحضورها وبفعلها وبقرائتها لضرورات الواقع ومقتضيات الحال،بل وبقدرتها على التحكم في الاحداثيات والتطورات لاحقا ايضا. وهي القدرة التي سيكون لها ما بعدها حضورا موقعا وموضع