خبر السلطة الفلسطينية تتآكل تحت الضربات الإسرائيلية المتواصلة

الساعة 06:59 ص|02 مارس 2012

فلسطين اليوم

عندما شكلت منظمة التحرير الفلسطينية السلطة الوطنية في العام 1994، كانت تتطلع إلى تحويلها إلى دولة مستقلة في نهاية الفترة الانتقالية، ومدتها خمس سنوات. لكن اليوم، بعد مرور 18 عاماً، تجد السلطة نفسها تتآكل يومياً تحت الضربات الإسرائيلية المتلاحقة.

كانت أولى الضربات التي وجهتها إسرائيل إلى السلطة إعادة احتلال مناطق السيادة الفلسطينية، أثناء الانتفاضة الأخيرة، وهي المدن الرئيسة التي تشكل 14 في المئة من مساحة الضفة، وأطلق عليها في اتفاق أوسلو وتوابعه اسم «المنطقة أ».

وبعد انتهاء الانتفاضة، حافظت "إسرائيل" على سياسة اجتياح هذه المناطق، محدثة تغيير «الأمر الواقع» في الاتفاق الانتقالي الذي ينص على عدم قيام "إسرائيل" بدخول تلك المناطق سوى في حالة واحدة هي المطاردة الساخنة، وهو ما يطلق على ملاحقة مهاجم لهدف "إسرائيلي"، وتم اكتشافه، وجرت ملاحقته في الحال، ودخل في تلك الأثناء إلى منطقة السلطة.

ولم تنجح سلسلة لقاءات عقدها قادة الأمن الفلسطيني وقادة الامن الاسرائيلي في السنوات التي تلت انتهاء الانتفاضة في العام 2005 في إعادة الوضع الى ما كان عليه.

وتذرعت اسرائيل على الدوام بوجود اسباب أمنية لهذا التغيير الأمر الذي يشكّك فيه قادة الامن الفلسطينيون.

وقال مسؤول أمني رفيع لـ»الحياة»: «نحن نعرف أن المسألة سياسية وليست أمنية، فالقادة الاسرائيليون يعترفون بان أجهزة الامن الفلسطينية أعادت بناء نفسها، وأنها باتت أكثر قدرة حتى من إسرائيل في الحفاظ على الأمن الداخلي، لكنهم يريدون الحفاظ على حرية إقتحام مناطق السلطة من دون قيود لتحقيق أغراض سياسية اهمها تغيير قواعد اتفاق اوسلو».

وقال المسؤول الأمني إن رئيس الحكومة الاسرائيلية الحالي بنيامين نتانياهو الذي عارض بشدة اتفاق اوسلو، وتعهد عند توقيعه بالعمل على إسقاطه، يعمل على الغاء هذا الاتفاق بهدف قتل إمكان تحويل السلطة الى دولة.

وجاء التطور الاكبر في إقدام اسرائيل أخيراً على إعادة إحياء مؤسسة الادارة المدنية وهي مؤسسة منبثقة عن الجيش الاسرائيلي عملت على إدارة الضفة الغربية وقطاع غزة في فترة ما قبل تأسيس السلطة.

وكانت اسرائيل استخدمت الجيش في ادارة الاراضي الفلسطينية بعد احتلالها عام 1967، تحت مسمى الحكم العسكري، وخصصت لكل محافظة حاكماً عسكرياً يحمل رتبة عالية في الجيش.

وفي العام 1982 بعد الحرب على المقاومة الفلسطينية في لبنان، أسست اسرائيل ادارة مدنية لادارة مختلف شؤون الحياة في الاراضي الفلسطينية من صحة وتعليم وشرطة وضرائب وتجارة خارجية وغيرها في محاولة لتحويل الحكم العسكري الى حكم مدني يحمل صفة الاستمرارية. لكنها اختارت رجالات الإدارة المدنية من المؤسسة العسكرية.

وجرى تغيير الادارة المدنية بعد تأسيس السلطة وتحويل مكاتبها الى مكاتب ارتباط مدني، أنيط بها التنسيق مع مؤسسة ارتباط مدني مماثلة في السلطة الفلسطينية لتسيير الشؤون التي تتطلب تعاوناً مشتركاً. وأصبح الفلسطيني الذي يحتاج الى خدمة اسرائيلية لا يتعامل مباشرة مع الجانب الاسرائيلي، إنما يتقدم بطلب الى مكتب الارتباط الفلسطيني الذي ينقل بدوره الطلب الى الارتباط الاسرائيلي.

وتحافظ اسرائيل على مكتب الارتباط المدني الذي يتعامل مع وزارة الشؤون المدنية في الجانب الفلسطيني، لكنها اعادت إحياء الادارة المدنية وتشغيلها للتعامل مباشرة مع الجمهور الفلسطيني خصوصاً القاطنين في المناطق المصنفة (ج) التي تشكل 59 في المئة من مساحة الضفة الغربية. وفتحت الادارة المدنية أيضا مكاتبها للتعامل مع سكان باقي المناطق التي تشكل 39 في المئة من مساحة الضفة مثل التصاريح وغيرها.

وأثارت إعادة إحياء وتشغيل الإدارة المدنية قلق السلطة الفلسطينية التي رأت فيه محاولة اسرائيلية لتكريس الاحتلال والسيطرة الاسرائيلية على الاراضي الفلسطينية من وراء واجهة السلطة الفلسطينية (سلطة الحكم الذاتي).

وقال رئيس الوزراء سلام فياض إن «اسرائيل تعمل بذلك على تقويض وهدم ما تبقى من السلطة الفلسطينية»، معتبراً ان من غير الممكن بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه من حيث وجود سلطة رسمية فلسطينية وإحتلال يفعل ما يريد من استيطان وإجتياحات وغيرها.

وأضاف: «هذه الانتهاكات مخالفة واضحة وصريحة لقواعد القانون الدولي، ولكل الالتزامات المترتبة على الجانب الإسرائيلي بموجب الاتفاقات الموقعة بين الطرفين».

وترى السلطة في عودة الاحتلال بصيغته القديمة فشلاً لمشروع العملية السلمية التي جرت برعاية دولية بدءاً من مؤتمر مدريد عام 1991، ومروراً بمحادثات واشنطن، ومفاوضات اوسلو السرية وما تبعها، وتهديداً حقيقياً لبقاء السلطة.

وتدرس قيادة منظمة التحرير اللجوء الى خطوات محلية وأخرى دولية لمواجهة وتغيير هذا الواقع. وتتسم الخطوات المحلية الجاري بحثها بالطابع الاحتجاجي مثل وقف التنسيق الامني مع اسرائيل وغيرها.

اما الخطوات السياسية فتراوح بين مواصلة مشروع التوجه الى الأمم المتحدة ومؤسساتها، والتوجه الى الدول الموقعة على ميثاق جنيف الخاصة بالدول والشعوب والاقاليم الواقعة تحت الاحتلال للعمل على تطبيقه على فلسطين.

ومنها ممارسة ضغوط على الراعي الدولي للعملية السلمية المتمثل في الولايات المتحدة الاميركية واللجنة الرباعية الدولية.

وقال فياض: «هذه السياسات والانتهاكات الخطيرة تظهر مدى فشل وقصور اللجنة الرباعية التي نشأت أساساً لمتابعة تنفيذ الالتزامات بموجب خارطة الطريق والاتفاقات الموقعة بين الطرفين».

وأضاف: «إمعان الحكومة الإسرائيلية في سياسة فرض الوقائع الاستيطانية على الأرض، خصوصاً في مدينة القدس المحتلة ومحيطها، وفي باقي مناطق الضفة الغربية، وتواصل الانتهاكات والاجتياحات العسكرية لمناطق السلطة، يستهدف بصورةٍ أساسية تقويض الانجازات التي حققتها السلطة الوطنية، وتقويض ما تبقى من مكانتها».

وتجري النخب السياسية الفلسطينية نقاشات واسعة في شأن الخروج من المعادلة التي تسعى اسرائيل على فرضها على الفلسطينيين.

وقال الدكتور عبدالمجيد سويلم استاذ العلوم السياسية في جامعة القدس: «اسرائيل تعمل على فرض حل من طرف واحد يقوم على حكم ذاتي ممسوخ على 40 في المئة من الضفة الغربية من دون القدس، مع بقاء السيطرة الاسرائيلية على الباقي». وأضاف: «وحتى هذه الـ40 في المئة ستكون متقطعة الاوصال بواسطة المستوطنات والطرق الاستيطانية والسكك الحديد».

ويرى الدكتور سويلم ان المخرج الفلسطيني لم يتوافر بعد، وانه «لا بد أن يقوم على تجديد شباب المشروع الوطني».