خبر سجناء في ذكرى المحرقة- هآرتس

الساعة 10:45 ص|15 فبراير 2012

سجناء في ذكرى المحرقة- هآرتس

بقلم: أوري مسغاف

(المضمون: ينظر الشعب اليهودي الى تاريخ اوروبا بمنظار المحرقة أي بمنظار الماضي لكن الماضي برغم أهميته يجب ألا يصرف الانتباه عن التحديات الحقيقية في اوروبا في الحاضر والمستقبل - المصدر).

        في الاستعراض المفرط الانتشائي لتعيين العميد أمير ايشل قائدا لسلاح الجو أُبرز جدا اسهامه في الطلعة الجوية لطائرات "اف 15" في سماء اوشفيتس. وكانت تلك طلعة رياء قاد ايشل في اطارها في 2003 ثلاث طائرات هجومية متقدمة بطلعة جوية فوق أنقاض معسكر الابادة عُرضت باعتبارها دُرة تاج خدمته العسكرية. وهي في ظاهر الامر شهادة على وعي متطور لماضي شعب نشر في المدة الاخيرة فقط ان 98 في المائة من أبنائه يرون ذكرى المحرقة أهم مبدأ موجِه في وجودهم الوطني؛ وهي في واقع الامر تقليد تاريخي عفى عليه الزمن مختلف فيه وتذكير ايضا بصورة نظر أكثر الاسرائيليين للتاريخ الاوروبي وكأنه طريق أعوج ضيق يمر بالمحرقة فقط. يصعب ان نتهمهم اذا أخذنا في الحسبان حجم الصدمة الشعورية، لكنهم يضيعون جزءا كبيرا من الصورة.

        لن يُذكر هذا العام في كتب التاريخ مرور سبعين سنة على مؤتمر فانزا الذي هو رمز صوغ "الحل النهائي" وبدء الابادة المنهجية. ان 1942 ترمز ايضا الى السنة التي صدت فيها قوى الحلفاء زخم الفيرماخت (الجيش الالماني). ومن ذلك الوقت فصاعدا انقلبت الامور ووضعت بالتدريج أسس النظام ما بعد الحرب التي أُديرت بحسبها اوروبا حتى الآن. قد يكون الحديث عن نظام قديم يوشك ان ينهار. واللهب الذي هاج هذا الاسبوع في أثينا قد ينتشر ايضا الى جارات جنوبية اخرى ويكون بمثابة "اليونان أولا".

        في سيناريو قاتم لكنه ليس بلا أساس سيتم تذكر سنة 2012 باعتبارها سنة انهيار داخلي للقارة الاوروبية لا في ظروف عسكرية هذه المرة بل في سياقات اقتصادية اجتماعية. ونقول بالمناسبة ان اليأس الحقيقي يحدث في الحواشي عامة بعيدا عن العين الاعلامية. فمن زاروا اليونان في الفترة الاخيرة والبرتغال ايضا يُبلغون عن وجود مدن هامشية موصدة وبلدات أشباح بلا أمل.

        كانت امريكا هي التي خلصت غرب القارة من دمار الحرب العالمية الثانية، بقدر كبير بواسطة خطة مارشال الطموحة. وكان اسمها الرسمي "خطة شفاء اوروبا". وكان المبدأ الموجِه ان يُستبدل بالقوة العسكرية قاعدة اقتصادية وديمقراطية مع حوافز الى التعاون والتكافل. وقد حولت الولايات المتحدة بحسب حسابات اليوم الى القارة نحوا من 100 مليار دولار. وقد واجه الرئيس هاري ترومان ووزير خارجيته جورج مارشال آنذاك مجلس نواب أراد التمايز حكمته أكثرية جمهورية. وفي نيسان 1948 فقط بعد ثلاث سنين من انقضاء الحرب انطلق الاجراء في طريقه.

        بيد ان الولايات المتحدة في عهد براك اوباما حتى لو انتُخب لولاية ثانية لن تستطيع ان تخلص اوروبا هذه المرة. فتسامح الجمهور الامريكي مع سياسة خارجية فعالة ضعف ضعفا شديدا بسبب المغامرتين الهوجاوين في افغانستان والعراق، وتغرق امريكا في ازمة تخصها. وقد سجلت انجازات التعمير الكبرى لخطة مارشال في ذلك العهد في المانيا. وتُرى برلين الآن وفي هذا ما فيه من المفارقة التاريخية المجلجلة، تُرى قائدة جهد كتلة اليورو لانقاذ القارة الاوروبية. ان الالمان يحرقون أسنانهم في السنة الاخيرة ويترددون في تأدية الدور حتى النهاية. وهم يُرون في اليونان منذ زمن رب البيت الحقيقي وشيئا ما بين حاضنة ووكيل مصنع ينحل. وهذا أمر مشحون. في الاسبوع الماضي التقيت في القدس مع خبراء قانون وخبراء مدنيين ضموا مندوبين المان ويونان وكان التوتر بينهم يفعم الهواء.

        أنذر عنوان رئيس في صحيفة "هآرتس" هذا الاسبوع بأن "المانيا لا تملك موارد للعثور على مجرمين نازيين واحتجازهم". وهذا حسن، فقد كانت محاكمة جون دميانيوك في العام الماضي انعطافة. ولا داعي الى ان يطارد الالمان مجرمي حرب في التسعينيات من أعمارهم ولا ان يحلق اسرائيليون في سماء اوشفيتس. فمن المهم التعلم من الماضي، لكن التحديات الحقيقية موجودة في الحاضر وفي المستقبل.