خبر ما هكذا يا رئيس الجامعة! بقلم أيوب عثمان

الساعة 08:49 ص|14 فبراير 2012

كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة

 

في البدء كان الكلمة

ويوم صارت

أصبحت متهمة

فطوردت وحوصرت واعتقلتها الأنظمة

في البدء كان الخاتمة!!!

                            (لافتات أحمد مطر)

 

من أهم وأعظم الخصائص والمواهب الفطرية التي ميز الله بها الإنسان، وجعلها في مُكْنته، حقه في أن يكون له رأي، وحقه في التعبير عنه وحرية البيان في شأنه. فالبيان الفطري إنما يتجسد في صدق تعبير الإنسان وصراحته عما في عقله وقلبه ونفسه. أما الذين "يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك" كما في سورة آل عمران، والذين "يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم" كما في سورة الفتح، فإنما هم منافقون، أي زائفون مزيفون. ففطرة الإنسان تتمثل في تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، أي في تعبيره الصادق عما في قلبه والموافق والمطابق لما في عقله وضميره. ألم يُعَلِّمْ الله سبحانه وتعالى آدم عليه السلام الأسماء كلها ليمكِّنه من قول ما يريد وعلى النحو الذي يريد؟! ألم يُعَلِّمْه سبحانه أن يسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، وإن كان ما بتْنا نراه اليوم من تسمية للأشياء بأسمائها الحقيقية إنما يُنتج محاذير وتبعات ويجر إلى مخاطر وأهوال وضوائق وأزمات؟! أليس الله سبحانه وتعالى هو الذي "خلق الإنسان علمه البيان" كما في سورة الرحمن؟!

فأن يكون المرء حراً في التعبير عن فكره ورأيه لهو أمر واجب وضروري ولازم، ذلك أن حرية التعبير حق قضت برعايته وكفلت حمايته وصيانته الشرائع الإلهية والقوانين الدنيوية الوضعية. فأول شيء علَّمه الله سبحانه وتعالى لآدم عليه السلام لم يكن كيف يصلي، كما لم يكن كيف يكسب قوت يومه، ولم يكن كيف يستر عورته، وإنما كان البيان، أي الكلام والتعبير، حيث قال في سورة الرحمن: "خلق الإنسان، علمه البيان"، وقال عن الإنسان في سورة البلد: "ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين"، تأكيداً على أهمية التعبير ووظيفة البيان للإنسان، ذلك أن الذي لا ينطق فلا يعبر عما فيه، أو عما يشعر به، أو عما يراه، ليس بإنسان، وإنما هو تمثال جامد لإنسان، مصداقاً لقوله تعالى في سورة البقرة: "صم بكم عمي فهم لا يرجعون". ولهذا، فإن نبي الله إبراهيم عليه السلام، قد عرَّض بالأصنام وتفاهتها وعجزها، مؤكداً أنها أعجز من أن تنطق، حيث قال في سورة الأنبياء: "أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون".

********************

إذا كان المجتمع الدولي قد أكد - منذ ما يزيد على نصف قرن، من خلال منظماته ومؤسساته وهيئاته الدولية - على حق الإنسان في أن يكون له رأي، وعلى حقه أيضا في تبيانه والتعبير عنه، باعتبارهما حقين يعدَّان من حقوقه التي لا يساوم عليها وركناً أساسياً للديمقراطية،

 وإذا كان القرار رقم (59) الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أكثر من ستة عقود، قد نص على أن "حرية الإعلام حق من حقوق الإنسان الأساسية، وهي المعيار الذي تقاس به جميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لها"،

 وإذا كان القانون الدولي قد وفر الحماية التي تصون حرية التعبير عن الرأي، وتؤمّن تدفق المعلومات، على اعتبار أن حرية التعبير هي حجر الزاوية في بناء جميع الحريات والحقوق الأخرى للإنسان الحديث،

وإذا كانت المادة (19) من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، الذي تبنته الأمم المتحدة عام 1966، قد أكدت على "حق الإنسان في التمتع بحرية الرأي والتعبير، والتماس مختلف دروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها، دون إساءة استعمالها"،

وإذا كانت اليونسكو قد تبنت وثيقة خاصة تؤكد على "حق ممارسة حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الإعلام، باعتبار ذلك جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وضمان الحصول على المعلومات"،

وإذا كانت المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد أكدت على حرية الرأي والتعبير والصحافة والإعلام النشر بأي وسيلة شرعية يتم اختيارها،

وإذا كان الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان لم يؤكد على حرية التعبير والنشر فحسب، بل عمل أيضاً على حماية هذه الحرية وصيانتها، فكفل لكل إنسان الحق في حرية التعبير والحق في تلقي المعلومات والأفكار ونقلها بدون تدخل من السلطة العامة، ودونما اعتبار للحدود،

وإذا كانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قد أكدت في ديسمبر 1976، على أهمية "حرية التعبير وعلاقتها بخلق مجتمع ديمقراطي"، قائلة في حكم لها: "إن حرية التعبير عن الرأي هي إحدى الأسس الجوهرية (للمجتمع الديمقراطي)، وإحدى الشروط الأولية لتقدمه ولنمو كل إنسان"،

وإذا كان الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان قد أعطى اهتماماً كبيراً لحرية التعبير، مؤكداً على أن لكل إنسان "الحق في حرية الفكر والتعبير، مشتملاً على الحرية في البحث عن المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها بكل أنواعها دونماً اعتبار للحدود، سواء كانت شفهية، أو مكتوبة، أو مطبوعة، أو في شكل فني، أو من خلال أي طريقة أخرى يتم اختيارها، على أن ممارسة هذا الحق لا يخضع لرقابة مسبقة، وإنما يخضع لمساءلة قانونية لاحقة"،

وإذا كانت حرية الفكر والرأي والتعبير والصحافة والإعلام والنشر ترتبط ارتباطاً وثيقاً بقضايا حقوق الإنسان التي أقرتها المؤسسات والهيئات الحقوقية والإنسانية، وكفلتها القوانين والأعراف والمواثيق الدولية،

وإذا كان الأصل في التشريعات المحلية أو الدولية الخاصة بالحريات العامة وحقوق الإنسان هو الإباحة، ما يعني أن التقييد والتقنين هو الاستثناء،

وإذا كان من حق كل إنسان أن يعتقد ما يشاء، ويعبر عن اعتقاده كيف يشاء، مستخدماً من وسائل التعبير المشروعة ما يشاء،

وإذا كانت الصحافة ووسائل الإعلام الحرة هي من أفضل السبل وأقواها لتحقيق مجتمع ديمقراطي حر يدافع عن حقوق الإنسان ويصونها،

وإذا كانت وثيقة إعلان الاستقلال الوطني الفلسطيني لعام 1988 قد تعهدت بحماية الرأي وصيانته في ظل نظام ديمقراطي برلماني تعددي، حيث جاء فيها أن "دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب... في ظل دستور يؤمن بسيادة القانون والقضاء المستقل"،

وإذا كانت هذه الوثيقة قد أعلنت أن دولة فلسطين تلتزم بمبادئ الأمم المتحدة وأهدافها، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مضيفة أن نظام دولة فلسطين هو "نظام ديمقراطي برلماني يقوم على حرية الرأي وحرية تكوين الأحزاب"،

وإذا كان الرئيس الراحل/ ياسر عرفات - بصفته رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية - قد أعلن في 30/9/1993 عن التزام منظمة التحرير الفلسطينية باحترام المواثيق والمعاهدات الدولية التي تضمن حقوق الإنسان ومن ضمنها حق التعبير وحرية الرأي،

وإذا كانت السلطة الوطنية الفلسطينية قد تعهدت بحماية حرية الصحافة والطباعة والتعبير عن الرأي حين اعتمد رئيسها الراحل/ ياسر عرفات في 25/ 6/ 1995 قانون المطبوعات والنشر الفلسطيني، الذي ينص في مادته (2)  على أن "الصحافة والطباعة حرتان، وحرية الرأي مكفولة لكل فلسطيني وله أن يعرب عن رأيه بحرية، قولاً، وكتابة، وتصويراً، ورسماً، في وسائل التعبير والإعلام"،

وإذا كانت المادة (4) من القانون ذاته تنص على "إفساح المجال للمواطنين لنشر آرائهم، والبحث عن المعلومات والأخبار والإحصائيات التي تهم المواطنين من مصادرها المختلفة، وتحليلها، وتداولها، ونشرها، والتعليق عليها في حدود القانون، وحق المواطنين والأحزاب السياسية والمؤسسات الثقافية والاجتماعية والنقابات في التعبير عن الفكر والرأي والإنجاز في مجالات نشاطاتها المختلفة من خلال المطبوعات"،

وإذا كانت المادة (7) من ذات القانون قد أعطت للمواطنين جميعاً الحق في حرية الفكر والرأي والتعبير، فنصت على أنه ينبغي للمطبوعات " أن تمتنع عن نشر ما يتعارض مع مبادئ الحرية والمسؤولية الوطنية وحقوق الإنسان واحترام الحقيقة، وأن تعتبر حرية الفكر والرأي والتعبير والاطلاع حقا للمواطنين كما هي حق لها"،

وإذا كانت المادة (66) من القانون ذاته قد أكدت على حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام، وحظر الرقابة عليها، أو إنذارها أو وقفها أو إلغائها بالطريق الإداري، مع إباحة استثناء رقابة محددة عليها في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة عند إعلان حالة الطوارئ، ووفقاً للقانون،

وإذا كان قانون النشر والمطبوعات الفلسطيني عام 1995 قد كفل حق الرد، حيث نص في مادته (26) على أنه "إذا نشرت المطبوعة الصحفية خبراً غير صحيح أو مقالاً يتضمن معلومات غير صحيحة تتعلق بالمصلحة العامة، فعلى رئيس التحرير المسؤول أن ينشر مجاناً الرد أو التصحيح الخطي الذي يرده من الجهة المعنية وفي العدد الذي يلي تاريخ ورود الرد أو التصحيح وفي المكان والحروف نفسها التي ظهر فيها وبها الخبر أو المقال في المطبوعة الصحفية"،

وإذا كان القانون الأساسي الفلسطيني المعدل قد قضى في مادته (19) بأنه "لا مساس بحرية الرأي، ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير أو الفن"،

وإذا كان مستوى التوافق والانسجام، قد بلغ - كما رأينا – مبلغاً يكاد يلامس نوعاً من التكامل بين القوانين والاعتبارات والمعايير الفلسطينية والقوانين والمعاهدات والأعراف والمواثيق الدولية في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان التي تقف حرية الفكر والرأي والتعبير والصحافة والإعلام والنشر في صدارتها.

وإذا كان الحَجْر على حرية الفكر والرأي، وحرية التعبير عنهما، أو تشويه تلك الحرية أو قتلها، جريمة كبرى ينبغي لنا أن نصوغ لها من النصوص القانونية الصريحة والصارمة ما يحاسب عليها ويكفل عدم الاقتراب منها بغرض المس بها أو الإساءة إليها.

فكيف يجرؤ رئيس الجامعة – عبر إصداره تعميماً في 2/1/2012 يُمنع بموجبه "منعاً باتا أي موظف من أن يتناول عن جامعة الأزهر أي موضوع خاص أو عام عبر وسائل الإعلام الخارجية المختلفة" – على أن يتجرأ ليس فقط على القانون الدولي أو الميثاق الأوروبي والأمريكي لحقوق الإنسان أو العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وإنما يتجرأ أيضاً على القانون الأساسي الفلسطيني الذي يتناغم ويتوافق ويتطابق مع القانون الدولي والعهود والمواثيق الدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقبل كل ذلك وبعده فإنه يتجاهل أو يتغافل عن المقاصد الإلهية التي تحْمِلها سورة الرحمن في قوله تعالى: "خلق الإنسان علمه البيان"، أو تلك التي تحْمِلها سورة البلد في قوله تعالى: "ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين"؟!

وهل تعي إدارة الجامعة مدى الخطورة فيما هي آتية عليه فتراجع نفسها وتصلح أمرها لتثبت – بالمراجعة الواعية – تفوقها على ذاتها وعلى من سواها، وتدلل على مدى رشد ديمقراطيتها وتميزها حتى عن كل الديمقراطيات العربية التي وصفها المفكر العربي الدكتور/ محمد عابد الجابري في كتابه الشهير "الديمقراطية وحقوق الإنسان" بأنها "مأساة لأن شعوبنا المغلوب على أمرها في هذا الوطن العربي الراهن ليست محرومة فقط من الكلمة، بل وأيضاً من حق طلب الكلمة، الحق الذي من دونه يفقد الإنسان هويته كإنسان"؟!

وهل تتنَبَّه إدارة الجامعة إلى ما كوَّمَتْه من فداحة خطئها في حيثيات التعميم الصادر عن رئيسها في 2/1/2012، والقاضي بمنع أي موظف بالجامعة من تناول أي موضوع يخص جامعة الأزهر حين سبَّبَتْ إصدار هذا التعميم بأنه "حفاظاً على سمعة الجامعة"؟! فما كان لإدارة الجامعة أن تنسى أو تتناسى أن الحفاظ على سمعة الجامعة لا يمكن أن يتحقق أو يتأتى من الامتناع أو الابتعاد عن تناول أي موضوع يخص الجامعة في وسائل الإعلام، لكنه يتأتى بالدرجة الأولى من الابتعاد أصلاً عن كل ما يسيء إلى سمعة الجامعة (أي الابتعاد عن ممارسة الفساد والامتناع عن الخروج على أنظمة الجامعة وقوانينها). أما أن يُمارس الفساد جهراً وعلانية بأشكال مختلفة وتنتهك أنظمة الجامعة وقوانينها بطرق شتى، فيما تكمم الجامعة أفواه العاملين فنراها تُسكِت ألسنتهم وتكسر أسلات أقلامهم حين تطالبهم – بلغة لا تخلو من تحذير أو تهديد أو وعيد –  بالسكوت والتزام الصمت والامتناع عن توجيه النقد بحجة الحفاظ على سمعة الجامعة وإلا صدرت بحقهم إجراءات قانونية عقوبية، فهو أمر لا يشكل حماية للجامعة ولا محافظة على سمعتها، وإنما يشكل حماية للفساد فيها ومحافظة على كل سلوك من شأنه أن ينتهك أنظمتها وقوانينها؟!

وبعد، فإن كان يحلو للبعض أن يوجهوا سهام نقد متصيد حاقد ولئيم لمنتم ملتزم غيور يرى أن يصوب – على نحو مباشر –  بين الحين والآخر لجامعة الأزهر نقداً بناء يهدف من خلاله إلى تسليط الضوء على سلبياتها ونقاط الضعف والتراجع والانكفاء فيها، فليعلم أولئك أن الغيور الحقيقي إنما يصنع – بنقده الملتزم الغيور – منتقدين بعضهم يختار لنفسه أن ينتقد الغيارى الحقيقيين من موقع جبناء مجهولين فيما بعضهم الآخر يختار لنفسه أن ينتقد من موقع غيارى مدعين! ربما يرى أولئك النفر من المنتقدين الجبناء المجهولين أو الغيارى المدعين، من خلال جهلهم وجهالتهم وادعائهم ونفاقهم، أن من ينتقد جامعة الأزهر في الإعلام إنما ينشر غسيلها القذر كي يشهر بها، على أن حجتهم في ذلك هي أن من أراد انتقاد الجامعة حباً فيها وانتماء لها وغيرة عليها، إنما يستطيع انتقادها في داخل أسوارها دون الخروج إلى الإعلام أو سواه، ناسين أو متناسين أن المنتمي إلى الجامعة والملتزم بها والغيور عليها، إنما يخرج إلى الإعلام ليس رغبة في الخروج لنشر الغسيل، وإنما يضطر إلى الخروج بعد أن تكون ملفات الجامعة قد طفحت بأوراقه وشكاواه وعرائضه وملاحظاته ومقترحاته ومقالاته، وبعد أن يكون مداد قلمه قد جف، ولسانه قد "حفي" من كثرة التلميح والتصريح والكلام والصراخ، وما من سامع وما من مجيب! فإذا كان نقد التخريب والفوضى وتسليط الضوء على المخازي والمفاسد والانفلات والعيوب والسلبيات تشهيراً، فكيف يكون النقد، إذن؟!

أما آخر الكلام، فإن كان ظن رئيس الجامعة أنه بتعميمه القاضي بمنع أي موظف من تناول أي موضوع يخص جامعة الأزهر في وسائل الإعلام الخارجية إنما هو لحماية الجامعة وخوفاً على سمعتها بغية تجنيبها أي محاولة للتشهير بها، فإنه قد جانب الصواب والحكمة ظنه، ذلك أن الفرق كبير بين التعبير والتشهير. فالتعبير حق كفلته شرائع السماء وقوانين الأرض، أما التشهير فجرم حرَّمته شرائع السماء فيما جرَّمته قوانين الأرض. فمن لا يفرُق بين التعبير والتشهير فيخلط بينهما، إنما هو مرجف من المرجفين الذين يخلطون بين الحق والباطل كخلطهم بين الإرهاب والمقاومة. أما أولئك الذين يتعمدون الخلط بيين التعبير والتشهير إنما ينبغي لهم أن يفهموا أن التعبير عن الرأي حق وواجب وضرورة، وأما التشهير فباطل وجرم ورذيلة. وعليه، فإن الأمل كبير في أن يعلم رئيس الجامعة أنه بتكميمه الأفواه عبر ذلك التعميم الصادر عنه، إنما يخالف المنهج الإلهي ويتناقض مع القانون الوضعي، المحلي منه والدولي، كما يعطل مفهوم الحياة الإنسانية التي تشكل حرية الكلمة أساساً لها ونقطة البدء فيها، والذي قال الشاعر العربي العراقي أحمد مطر عنها، وهو يعبر عن أهميتها معلناً عن موتها حال اتهامها ومطاردتها والتضييق عليها ومحاصرتها واعتقالها:

في البدء كان الكلمة

ويوم صارت

أصبحت متهمة

فطوردت وحوصرت واعتقلتها الأنظمة

في البدء كان الخاتمة!