خبر هرتسل والثورة المصرية- هآرتس

الساعة 11:39 ص|30 يناير 2012

هرتسل والثورة المصرية- هآرتس

بقلم: شلومو أفنيري

(المضمون: تنبأ هرتسل الزعيم الصهيوني الكبير حينما زار مصر في بداية القرن العشرين بان يكون للفلاحين المصريين شأن كبير في القضاء على الاستعمار البريطاني في مصر - المصدر).

        مع انقضاء سنة منذ سقط نظام رئيس مصر حسني مبارك، من المهم أن نذكر ان المتنبىء بالدولة بنيامين زئيف هرتسل في اطار نشاطه السياسي كان حساسا بما يحدث في المجتمعات العربية ايضا. فبعد ان يئس من احراز موافقة من الحكم العثماني على استيطان يهودي في ارض اسرائيل كان يخيل اليه للحظة أنه ربما يتاح امكان استيطان كهذا في العريش شمالي سيناء ("فلسطين المصرية"، بلغة هرتسل).

        كانت مكانة مصر الدولية آنذاك فريدة في نوعها لانه برغم وجود ادارة مصرية برئاسة الخديوي من اسرة محمد علي، كان الحكم الفعلي لمصر في ايدي البريطانيين.

        ارسل وفد استطلاع صهيوني للفحص عن احتمال استيطان زراعي في منطقة العريش، وفي آذار 1903 شخص هرتسل نفسه الى مصر، فالتقى الحاكم البريطاني ووزير الخارجية المصري ايضا بطرس غالي (جد بطرس بطرس غالي) الذي قتل بعد ذلك بسبع سنين حينما كان رئيس حكومة على يدي قومي مصري. ولم ينتج شيء عن الخطة نفسها لانه تبين أيضا انه  يوجد إمكان تطوير زراعي ذي شأن في سيناء بسبب نقص الماء ولان البريطانيين والمصريين ايضا عارضوا الفكرة آخر الامر.

        وقد جال هرتسل في منطقة الاهرامات مثل كل زائر لمصر. لكنه لم يتطرق في يومياته الى الاثر الذي خلفته فيه بل ذكر خاصة زعزعته من الفقر الفظيع للفلاحين الذين رآهم في طريقه الى الجيزة. وقد نذر بطريقة وكيل ميزت الليبرالي الاوروبي في عصره قائلا: "التزم أن ارى رأيي في الفلاحين حينما تصبح القوة في يدي". ومن الواضح أن القصد ليس الى الفلاحين المصريين بل الى فلاحي أرض اسرائيل.

        لكن القطعة التي تثير أشد اهتماما من تأثره بمصر تظهر في تقرير عن محاضرة خبير بريطاني عن مشكلات الري في بلاد الرافدين. لم يتأثر هرتسل بالمحاضرة لكن الجمهور أثر فيه (وبخاصة العدد الكبير من المصريين الشباب ذوي النظارات الذكية الذين ملأوا القاعة).

        واضاف هرتسل عن تفهم لحراك المسارات التي تحفزها بريطانيا في مصر، اضاف بلغة تذكر بكلام كارل ماركس عن النتائج الجدلية للحكم البريطاني في الهند: "هؤلاء هم أسياد المستقبل ومن العجب ان الانجليز لا يلحظون هذا. فهم يعتقدون انهم سيعاملون الفلاحين الى الابد. يكفي اليوم جيش من 18 الف جندي لهذا البلد الكبير. لكن الى متى؟

        ان دور الانجليز ضخم – فهم  يطهرون الشرق، ويجلبون النار والهواء الى الزوايا الملوثة ويقضون على نظم الاستبداد القديمة ويضعضعون أسس اعوجاج الحكم. لكنهم يعلمون الفلاحين مع الحرية والتقدم ما هو التمرد. ان المدرسة الانجليزية في المستعمرات إما ان تهدم السلطة الانجليزية الاستعمارية وإما ان يكون فيها قاعدة لحكم بريطانيا للعالم. كنت أود أن اعود الى هنا بعد خمسين سنة لارى كيف تجري الامور".

        هذه نبوءة غير سيئة لصحفي اوروبي فهم باحساسه السياسي والتاريخي شيئا ما استطاع قليلون من معاصريه مواجهته وهو كيف ينشيء الاستعمار الاوروبي بيديه القاعدة الفكرية والاجتماعية التي ستؤدي الى خرابه. وبعد خمسين سنة تقريبا من كتابة هرتسل هذا الكلام في الثالث والعشرين من تموز 1952 قضت ثورة "الضباط الاحرار" بقيادة محمد نجيب وجمال عبد الناصر على بقايا الاستعمار البريطاني في مصر.