نشرته "العربية نت"

خبر الكشف عن وثائق التحقيقات السرية لهروب بن علي

الساعة 08:26 ص|15 يناير 2012

وكالات

تنشر 'العربية نت' أسرار الساعات الحاسمة في تاريخ تونس الحديث، والتي بني عليها الفيلم الوثائقي الدرامي التي بثته قناة العربية. سردت وقائع وأحداث تمت في كواليس وأروقة السلطة بمختلف مراتبها منقولة على لسان كل الشخصيات المهمة التي خضعت للتحقيق لتقديم شهاداتهم عن تفاصيل الايام الثلاثة الاخيرة في تاريخ الثوة التونسية وليس عن فترة حكم بن علي.

يوم الرابع عشر من يناير

يوم الرابع عشر من يناير2011 كما عاشه التونسيون تعيد طرح التساؤل من جديد حول الاسباب التي دفعت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي مغادرة قصره ومن ثمة الهروب من بلاده.

على كرسي الاعتراف تروي هنا القيادات السياسية والعسكرية والامنية واقارب الرئيس ما حدث في الايام الاخيرة في تونس العاصمة تحديدا و بشكل خاص مقرات السيادة والقرار وهي القصر الرئاسي بقرطاج ، مقر اقامة الرئيس السابق بسيدي بوسعيد ، وزارة الداخلية ووزراة الدفاع وشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة ومطار تونس قرطاج الدولي والثكنة العسكرية بالعوينة حيث المطار العسكري والوزارة الاولى بالقصبة .

وكانت الثورة التونسية دفعت كل الاجهزة والقيادات للاستسلام وخاصة في اليوم الثالث. فقد تسارعت الاحداث من الساعة الثامنة صباحا حينما وصل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي الى مكتبه في قصر قرطاج وكذلك وصول كل من وزراء الداخلية والدفاع والوزير الاول محمد الغنوشي وهو نفس التوقيت الذي يبدأ فيه عدد قليل من المتظاهرين التوافد على شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة امام وزارة الداخلية التونسية تتقدمهم المحامية والناشطة الحقوقية راضية النصراوي المرشحة لجائزة نوبل للسلام والمطالبة في حينها بإطلاق سراح زوجها زعيم حزب العمال الشيوعي المسجون في وزراة الداخلية .

 

بداية حالة التأزم

بدات الحالة في التازم إعتبارا من الساعة الحادية عشر صباحا حينما بدا بن علي يتلقى تقارير ومعلومات متضاربة تحذره من ان الثورة بلغت ذروتها في حدود الساعة الواحدة ظهرا. بلغ تعداد المتظاهرين نحو سبعين الف متظاهر وبرزت حالة من الانفلات الامني في عدد من المناطق المحيطة بالعاصمة حيث اقدم المتظاهرون على حرق مراكز ومقرات الشرطة والحرس الوطني وإزداد الامر تعقيدا حينما شهدت السجون الكبرى في كل من العاصمة ومدن اخرى حالات عصيان وتمرد ضاعفت من تشتيت قدرات الامن والجيش التونسيين..

واللذين كانا في حالة من العجز نتيجة استمرار الثورة في الضغط والتقدم نحو ثلاثة اسابيع من الاحتجاجات والمظاهرات المتواصلة، في تلك اللحظات تكشف المعلومات ان الرئيس الرئيس السابق قرر تهريب زوجته وإبنه محمد وأبنته حليمة الى جدة بالمملكة العربية السعودية بحجة اداء العمرة، وبدا فعليا مدير التشريفات بتجهيز الرحلة بشكل مستعجل وحتى الآن يتضح انه لم يكن في نية بن علي الهروب ايضا. تلقت زوجته ليلى بن علي التي تعتبر من اكثر الشخصيات مكروهة في الشارع التونسي امرا من قبل زوجها بتجهيز حقائبها بنية السفر الى جدة ، في نفس الوقت تكشف التحقيقات اللاحقة ان اجهزة الامن تقول انها تلقت معلومات تداولتها اجهزة اللاسلكي التابعة لامن الرئيس بتفاصيل متضاربة عن اعتزام طائرة مروحية الهجوم على القصر الرئاسي بهدف قتل الرئيس ومعلومات اخرى عن اعتزام زوارق حربية مهاجمة القصر من جهة البحر، فوقعت حالة هلع في القصر الرئاسي .

التحقيقات تقول ايضا انه شهد مطار تونس قرطاج الدولي وتحديدا القاعة الشرفية بالمطار التي يستخدمها كبار الزوار حادثة مفصلية في ذلك اليوم حيث اقدم المقدم بفرقة مكافحة الارهاب سمير الطرهوني مصحوبا بعناصر من فرقته بإقتحام المطار مانعا عائلة الطرابلسي وهم اصهار الرئيس بن علي من مغادرة البلاد وقد تم ذلك دون اذن من روؤسائه المباشرين في وزارة الداخلية وقد اعتبر الامر تمردا خاصة وان فرقة طلائع الحرس الوطني قد انسحبت من حراسة القصر الرئاسي والتحقت بالمطار لتساهم في هذه العملية التي شغلت القيادات الامنية، وفي هذه الاثناء حلت زوجة الرئيس بن علي بالقصر الرئاسي لتوديع زوجها ومعها ابنه محمد لكن وبطريقة فجئية ووسط حالة الخوف والشائعات فجأة قرر الرئيس المخلوع مرافقتهم الى الثكنة العسكرية لتامين مغادرتهم، وفق محاضر التحقيق..

ليلى تقود سيارة في الركب الرئاسي 

موكب الركب الرئاسي من تسعة سيارات كانت زوجته ليلى تقود إحداها بسرعة جنونية وتقل الرئيس وابنه لتصل الى الثكنة العسكرية بالعوينة وتقف مباشرة امام الطائرة الرئاسية التي كانت تتزود بالوقود داخل المستودع في مخالفة لقوانين السلامة. وفي تلك اللحظات قرر بن علي السفر قائلا للحاضرين انه يريد مرافقة عائلته الى جدة والعودة الى بلاده. هنا لا احد متأكد ان كان بن علي خطط مبكرا لخروجه ام ان قياداته العسكرية طلبت منه الخروج.

في يوم الاثنين 10/01 /2011 تلقى تعليمات من السرياطي مديره المباشر ، تقضي باتخاذ الاحتياطات الامنية الاستثنائية بتعزيز حماية القصر الرئاسي بقرطاج وجميع المراكز التابعة للرئاسة ، وقد تم تنفيذ تلك التعليمات الى غاية يوم الخميس 13 /01 /2011 حيث حضر في اجتماع باشراف المدير العام للامن الرئاسي بمكتبه وقد تمحور الاجتماع حول اتخاذ الاحتياطات القصوى وبداية العمل بنظام 12/12 اي كل فرد يعمل 12 ساعة متواصلة ويركن الى الراحة 12 ساعة.وأثناء هذا الاجتماع تلقى علي السرياطي مكالمة هاتفية من الرئيس السابق وقد رد السرياطي بحضور الجميع مخاطبا الرئيس ، بأن البلاد اصبحت تعيش حالة عصيان مدني وانه تم تركيز نقاط حراسة إضافية وغلق جميع المنافذ المؤدية الى القصر الرئاسي بقرطاج من جميع الجهات ومضاعفة عدد اعوان الحراسة ببقية المقرات الرئاسية وتم تمكين الاعوان العاملين بالزي المدني من مسدسات.

وفي مرحلة ثانية يوم 14 /01/2011 تم تمكين الاعوان من سلاح بيريتا ومخزن ب 20 طلقة وتم الامر بارتداء الازياء القتالية كما تحولت بعض وحدات المرافقة الى بعض مساكن زوجة الرئيس السابق لاخراجهم من بيوتهم بعد التهديدات التي بلغتهم وحالة الذعر التي باتوا عليها.وفي يوم 14/ 01 /2011 تم اتخاذ جميع الاحتياطات الضرورية ومتابعة الاوضاع بدقة عالية، وقد ترددت عبر اجهزة اللاسلكي معلومات عن اعتزام مجموعات من المتظاهرين قادمين من جهة حي الكرم الوصول إلى القصر الرئاسي بغاية الاعتصام.وفي حدود الساعة الرابعة عصرا حينما كان العقيد سالم سيك سالم يجري عملية تفقد على وحداته وفي طريق عودته اعترضته سيارة اودي سوداء اللون يقودها المدير العام للامن الرئاسي علي السرياطي ويرافقه محسن رحيم المدير العام للتشريفات وقد كانت السيارة تسير بسرعة غير عادية، حينها سمع سالم سيك سالم عبر جهاز اللاسلكي اليدوي الذي يحمله مكالمة تخبر عن مغادرة الرئيس القصر.

إثرها وردت مكالمة ثانية تفيد بان الركب لم ينعطف باتجاه مقر اقامة الرئيس بسيدي بوسعيد، فتوجه سيك سالم مباشرة الى قاعة العمليات ، ومنها تم اعلامه ان الموكب الرئاسي متجه الى المطار الرئاسي حيث يتم اعداد الطائرة الرئاسية.وفي قاعة العمليات استمع سالم سيك سالم الى عديد الاتصالات عبر اجهزة اللاسلكي تفيد 'اعتزام عدد 7 سبعة الاف من سكان جهة المرسى و5 خمسة الاف من متساكني جهة الكرم مهاجمة القصر الرئاسي، ومكالمة تتحدث عن توجه بارجة حربية الى القصر من ناحية البحر، ومكالمة تتحدث عن اعتزام طائرة مروحية مهاجمة القصر، فاتصل بالمقدم الياس الزلاق رئيس ادارة مرافقات الرئيس ، واستفسره عن هذه الاحداث فاعلمه بانه لا علم له بما يجري ثم اخبره انه تلقى اتصالا من المدير العام للأمن الرئاسي علي السرياطي يطلب منه فيها أي الياس الزلاق الالتحاق به في المطار.

فقام سالم سيك سالم بالاتصال مستخدما هاتفه الجوال بعلي السرياطي لكنه لم يجبه فتعاظمت مخاوفه وازداد ارتباكه ، وقام بالاتصال بمديره المباشر في العمل العقيد عدنان الحطاب وطلب منه توضيح ما يجري من احداث خاصة وانه هو اعلى مسؤول في الامن الرئاسي موجود بالقصر الرئاسي.لكن اجابة مديره المباشر كانت محيرة وباعثة على المزيد من الخوف حيث اعلمه حرفيا بأنه غير موجود وطلب من ' البحث عن مكان للاختباء ' قائلا له باللهجة التونسية ' شوف تركينة وتخبي راسك ' عززت كلمات عدنان الحطاب من مخاوف سالم الذي يعد المسؤول المباشر عن عشرات الاعوان والضباط المكلفين بحماية القصر والذين بدت عليهم علامات التوتر والخوف من المجهول حيث باتت حياتهم مهددة بسبب ما تلقوه من انباء تتحدث عن مهاجمة القصر الرئاسي الذي يتولون حراسته.

كان التوتر سيد الموقف بدا البعض في مغادرة نقاط عملهم ، وعم الهلع ارجاء القصر الرئاسي بقرطاج وشعر الجميع بخطورة التهديدات ، حينها عاد سالم سيك سالم الى قاعة العمليات وطلب الاتصال بالجنرال رشيد عمار رئيس اركان جيش البر الذي كان حينها يتولى تنسيق العمليات في وزارة الداخلية ، وحينما كان عامل الهاتف يجتهد في تامين اتصاله بالجنرال ، اتصل عبر هاتفه بالنقيب بشير شهيدة التابع لجهاز امن الرئيس والمكلف بحماية الوزير الاول وكان حينها في القصبة ، فطلب منه سالم سيك سالم الدخول على الوزير الاول وتمكينه من محادثته عبر هاتفه ، وفيما تحرك البشير شهيدة في اتجاه مكتب الوزير الاول تلقى سالم من موظف البدالة اتصالا اخبره خلاله انه تمكن من الاتصال بقاعة عمليات وزارة الدفاع الوطني حيث كان قد طلب منه تامين اتصاله بالجنرال رشيد عمار ولكن على الطرف الاخر كان الجنرال احمد شابير الذي حل محل الجنرال رشيد عمار في تنسيق العمليات بوزارة الدفاع بعد ان تحول الجنرال عمار الى وزارة الداخلية لتنسيق العمليات الامنية هناك.

لكن سيك سالم اخبر الجنرال شابير انه يود الحدث بشكل شخصي مع رشيد عمار فاخبره انه يمكنه الاتصال به في وزارة الداخلية ، عندها تلقى اتصالا من الضابط البشير شهيدة وكان قد وصل الى مكتب الوزير الاول محمد الغنوشي وقام بتامين الاتصال بين الطرفين ، فأعلم سالم سيك سالم الوزير الاول بان الرئيس قد هرب مع عائلته وان تونس امانة في رقبته قائلا باللهجة التونسية ' راهو الرئيس هز عائلتو وهرب وتونس امانة في رقبتك '.

وقال له لا تتركنا نتوه جميعا في المجهول 'ما تخليناش نضيعوا الناس الكل' وكان في حالة من الارتباك والخوف الذي بدا من صوته وهو يتحدث بهذه العبارات الى الوزير الاول، الذي اخبره انه ليس هو المعني بالامر وانه يتعين حضور كل من رئيس مجلسي النواب والمستشارين ورئيس المجلس الدستوري ، فاعلمه سالم سيك سالم بانه سيرسل له سيارة مصفحة لاحضاره من مكتبه بالقصبة الى القصر الرئاسي بقرطاج وانه سيتولى احضار رؤساء المجالس التي ذكرها السيد محمد الغنوشي.

وقد قام بتوفير السيارات وارسل بها صحبة ضباط الى منازل المذكورين، وفي انتظار وصولهم، وأمام حالة الفوضى التي كان عليها الوضع في القص، وحالة الهلع التي كان عليها الاعوان خرج الى الساحة الرئيسة وطلب تجميع الاعوان وقام برفع معنوياتهم بالقول نحن هنا نعمل لحماية رئيس الدولة وليس أمن بن علي ، اريدكم رجالا وابطالا ويتعين على كل منكم ملازمة مكانه ويتعين عدم إطلاق اية رصاصة دون اذني المباشر ايا كانت الاسباب ، وفي الاثناء وصل السيد فؤاد المبزع رئيس مجلس النواب والسيد عبد الله القلال رئيس مجلس المستشارين ثم الوزير الاول السيد محمد الغنوشي ، وبوصول الجميع جلسوا بقاعة العمليات التابعة للامن الرئاسي بغرض تسجيل كلمة رئيس مجلس النواب فؤاد المبزع الذي كان يجلس امام كاميرا التلفزة التونسية لكنه سرعان ما نهض من على الكرسي معتذرا عن القيام بهذه العملية لكونه مريضا ولا يقدر علي ذلك مرشحا رئيس مجلس المستشارين للقيام بهذه المهمة.

حينها انتفض سالم سيك سالم صارخا ،لا لايمكن ان يكون ذلك هو الشخص المطلوب لان البلاد ستزداد احتراقا بمجرد ظهوره ، قائلا باللهجة التونسية ' لا هذاكا لا البلاد تزيد تشعل ' عندها تدخل مباشرة السيد محمد الغنوشي الوزير الاول مستظهرا بكتيب الدستور وقال ' يمكن الاعتماد على الفصل 56 من الدستور.

ودخلوا الى احدى القاعات حيث تم تحرير كلمة الوزير الاول التي القاها امام كاميرا التصوير التلفزيوني ، ثم طلب من محافظ الشرطة يوسف ساسي ايصال الشريط الى التلفزيون التونسي ، وبثه بعد ان نسق مع مع ادريس بن يوسف المسؤول عن التنسيق بين الرئاسة والتلفزة التونسية.وفي الاثناء تلقى اتصالا من مديره المباشر عدنان الحطاب مستفسرا عن الاوضاع فطلب منه الالتحاق به فورا بالقصر الرئاسي دون الخوض في التفاصيل عبر الهاتف ، ثم تمكن موزع الهاتف من ربطه بالجنرال رشيد عمار من وزارة الداخلية، حيث طلب منه سالم سيك سالم وهو في حالة من الارتباك الحضور الى القصر الرئاسي بقرطاج فاعلمه ان يتلقى فقط التعليمات من وزير الدفاع وحينما وصل العقيد عدنان الحطاب سرد عليه جميع التفاصيل وطلب منه تولى الاشراف على الوضع باعتباره رئيسه المباشر وامام حالة الانهيار التي بات عليها اخبره انه لم يعد قادرا على مواصلة العمل حيث اتجه الى مكتبه .