للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، قرر الاتحاد الأوروبي توجيه اهتمامه نحو السياسة الاسرائيلية في مناطق «ج» من الضفة الغربية، التي تخضع لسلطة أمنية وإدارية إسرائيلية، بحسب اتفاقية أوسلو، بعدما حسم تقرير رسمي صاغه رؤساء الممثليات الاوروبية في القدس ورام الله، خيار التوجه نحو اتخاذ اجراءات دعم للفلسطينيين في هذه المنطقة، وخاصةً بعدما قطعت إسرائيل أشواطاً بعيدة في فرض وقائع تجعل من المتعذر موضوعياً اقامة دولة فلسطينية تتمتع بحد أدنى من التواصل الجغرافي، ضمن أي اتفاقية نهائية يجري التوصل إليها. وفي ظل حقيقة أن أي حديث عن اقامة دولة فلسطينية لا معنى عملياً له، من دون المناطق المصنفة «ج»، التي تبلغ نحو 62 في المئة من مساحة الضفة الغربية البالغة ما يقرب من خمسة آلاف و760 كيلومتراً مربعاً، قرر الاتحاد الأوروبي اتخاذ اجراءات دعم للفلسطينيين، في مناطق «ج»، رغم أن جميع مواقفهم الاعتراضية النظرية، لم تترجم خطوات جدية وفاعلة في ما مضى من السنوات لكبح السياسة الاسرائيلية، ورغم فشله في ارغام اسرائيل على السماح لرئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض بتنفيذ خطته في دعم سكان مناطق «ج»، مع العلم انه يمتلك الوسائل اللازمة للضغط على الدولة العبرية وقادتها.
وظهرت نتائج سياسات الدولة العبرية من خلال ارتفاع عدد المستوطنين إلى نحو 310 آلاف، في حين أن عددهم كان يبلغ في العام 1972 نحو 1200 مستوطن. كما انعكست سياسة التضييق على الفلسطينيين، في انخفاض نسبتهم في تلك المناطق إلى مجمل عددهم في الضفة نحو 5.8 في المئة.
وقرر الاتحاد الأوروبي تعميق مشاركته في مساعدة السكان الفلسطينيين لدعم صمودهم في تلك المنطقة، استناداً إلى توصيات تقرير رسمي حذر فيه من أن عدم كبح أو تغيير السياسة الإسرائيلية في تلك المنطقة، سوف يبدد الأمل بحل الدولتين واقامة دولة فلسطينية ضمن حدود العام 1967، خاصة بعد تراجع أعداد الفلسطينيين بشكل خطير، في المناطق التي يفترض أن تشكل الأساس الجغرافي للدولة الفلسطينية المرتقبة.
يضاف إلى ذلك، حقيقة أن 90 في المئة من منطقة غور الأردن البالغ عدد سكانها نحو 56 ألف شخص تندرج ضمن اطار مناطق «ج»، فيما 70 في المئة منهم يعيشون في أريحا التي تندرج ضمن مناطق «أ»، مع الاشارة إلى أن عدد سكان الغور قبل العام 1967، كان يراوح بين 200 و320 ألف فلسطيني.
وفي ما يتعلق بالخطط التي اتبعتها اسرائيل وصولاً الى الواقع القائم في مناطق «ج»، يتناول التقرير المؤلف من 16 صفحة، الوضع من الناحيتين المادية والقانونية، موضحاً أن سياسة التخطيط التي اتبعتها اسرائيل في التشجيع على بناء المستوطنات وفي منع الفلسطينيين من بناء المنازل، فضلاً عن نهج تدمير المنازل الفلسطينية، بحجة أنها لم تحظ بالمصادقة القانونية، وعن المنع المتعمد لتطوير البنية التحتية، والقيود المفروضة على حركة المرور، ومنع الحصول على المياه والموارد الطبيعية.
أما في ما يتعلق بتنفيذ التوصيات التي خلص إليها التقرير، فرأى مصدر دبلوماسي أوروبي أن ذلك مرتبط ببروكسل، فيما رأى آخر أن القضية لا تتصل بنشاطات دراماتيكية بل تدرجية وبطيئة، رغم الحديث عن أن التقرير صيغ انطلاقاً من الشعور بضرورة الاستعجال.
من جهةٍ ثانية، لم يعف التقرير السلطة الفلسطينية من المسؤولية عما آلت اليه مناطق «ج» في الضفة، لكونها لم تولها الاهتمام الكافي في خططها الوطنية. ورأى التقرير أن «خطة الاصلاحات والتطوير الفلسطيني 2008 – 2010، لم تأخذ تقريباً بالحسبان مناطق «ج»، ولم تقدم توصيات حول كيفية توفير الحاجات اللازمة للسكان الفلسطينيين». والامر نفسه ينطبق وفقاً للتقرير «على الخطة الفلسطينية الجديدة للتطوير، 2011 – 2013، التي لم توضح كيف يتعامل الفلسطينيون مع مناطق «ج » وخط المواجهة وشرقي القدس».