خبر عباس والعباسيون ..عبد الحليم قنديل

الساعة 08:18 ص|09 يناير 2012

عباس والعباسيون ..عبد الحليم قنديل

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يبدو أمر الرئيس عباس عجباً، فما يكاد يسترد بعضاً من ثقة الفلسطينيين، حتى يعود إلى هوايته وغوايته المزمنة، ويسعى مجدداً إلى كسب ثقة الإسرائيليين، ويستعطف الأمريكيين، ويعود إلى أوهامه ومفاوضاته "الدون كيشوتية".

 

 

 

يتحدث عباس كثيراً عن خيارات أخرى، بل ومفتوحة، ثم لا نجد له خياراً غير مفاوضات أدمنها، تروح وتجئ وفودها، وتتعاقب مواعيدها، وبلا فوائد ولا عوائد تتحصل أو ترجى، اللهم إلا المزيد من تكريس الاحتلال الإسرائيلي، وترسيخ أركانه، ومضاعفة مستوطناته في الضفة الغربية، والتهام القدس حتى لا يبقى فيها أثر لفلسطينية ولا لفلسطيني، ثم يتفاوض على الأطلال، ويستأنف العبث إياه للمرة الألف، وعبر عشرين سنة مضت، وكأنه يبحث عن وظيفة مفاوض يدمن الفشل.

 

 

 

ولا يسأل الرئيس عباس نفسه علام يفاوض، وماذا لديه ليضغط به، وما الذي يجعل "إسرائيل" مضطرة لتبييض وجهه، أو إعطاء حق هنا أو هناك للفلسطينيين، وهي المرتاحة موضوعياً لحالة عباس، وتتعامل معه كأنه مجرد موظف في الخارجية الإسرائيلية، وتتكرم عليه بإرسال موظف إسرائيلي ليفاوضه، أو ليفاوض معاونيه، وعلى سبيل الإيحاء بأن شيئاً ما يحدث، أو أن أمراً يتحرك، بينما الوضع كله "محلك سر"، ولا يفعل عباس نفسه شيئاً لتحريكه، اللهم إلا إبداء قلقه من تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي منفلت اللسان، والذي هدد بحصار عباس حتى القتل على طريقة ما جرى للرئيس عرفات في آخر أيامه، ولم يرد عباس بما يحفظ عليه كرامته كفلسطيني، بل بالغ في استعطاف الإسرائيليين، وإبداء حسن النية، وأعلن بوضوح أنه لا يقبل أبدا مبدأ الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.

 

 

 

والغريب أن عباس الذي يرفض الانتفاضة الثالثة، ويرفض مبدأ المقاومة الفلسطينية من أصله، يرفض المقاومة ويفضل المساومة، يرفض المقاومة كأنها عار وشنار، ولا يحدثنا عن خياراته الأخرى التي يطنطن بها كثيراً، فليس من خياراته - مثلاً - حل سلطة أفلام الكارتون الفلسطينية، ولا ترك الأمر للشعب الفلسطيني وقواه الوطنية والفدائية، ولا حتى الاستمرار في سكة اللجوء للمنظمات الدولية، والتي حققت نصراً رمزياً يتيماً بقبول عضوية فلسطين في منظمة اليونسكو، فالقضية الفلسطينية لا ينقصها التأييد الدولي، وصدرت لصالحها مئات القرارات الدولية جف حبرها على الورق، لكن عباس لا يلتفت إلى شيء من ذلك، ولا يربطه بخيار متكامل يجمع أوراق قوة لصالح معركة التحرير الوطني الفلسطيني، ويكتفي بأوراق الضعف، ويستجدي الإدارة الأمريكية، ويأمل في الرباعية الدولية، ويتفاءل بلقاء عمان الأخير الذي جمع نبيل شعت وإسحاق مولخو، ويعود إلى نقطة الصفر نفسها، ويتيح ل"إسرائيل" كسب وقت إضافي مفتوح، تستكمل فيه عملية تغيير شاملة لخرائط الجغرافيا والديموجرافيا، وتطمس فيه ما تبقى من الهوية الفلسطينية للقدس والضفة الغربية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ولا تبدو من صعوبة في تفسير سلوك عباس، فهو يحصر خياراته في هدف وحيد، وهو أن يبقى محتفظا بصفة الرئيس الفلسطيني، وهي صفة وهمية تماماً، فعباس لا يملك أن يروح ولا أن يجئ، ولا أن يركب سيارة، أو يصعد إلى طائرة، وحين أحس أن "إسرائيل" لم تعد تلقى إليه بالاً، وتستصغر شأنه، وتنعى عليه ضعفه المزاد المنقح، حاول أن يثبت ل"إسرائيل" أنه جدير بالوظيفة، ويستحق اهتماماً أكثر، ووظف خيار اللجوء للأمم المتحدة، لا ليضيف ورقة ضغط لصالح قضية الشعب الفلسطيني، بل ليعبر عن غضبه من إهمال الإسرائيليين له ولطاقمه، وإلتفاتهم عنه، وعلى أمل استعادة بعض الرضا المفقود، وقد عاقبته "إسرائيل" على مشاغباته، وهددت بفصله من الخدمة، بل وهدد أفيجدور ليبرمان - وزير الخارجية الإسرائيلي - بقتل عباس، وهو ما جعله يعيد النظر في حساباته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عاد عباس ليتسول عطف الأمريكيين، ويستجدي استمرار معوناتهم، فهو لا يعيش بدونها، وناشد عباس الأمريكيين أن يهتموا بحكايته، وألا تشغلهم عنه حوادث عام الانتخابات الأمريكية الذي بدأ بالفعل، وأن يضغطوا على الإسرائيليين ليقبلوا استئناف التفاوض معه، وأن يحفظوا له بعض ما تبقى من ماء الوجه، وقدم "العربون" بإعلان موقف صارم ضد دعوات الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، وفتح الباب لاستئناف حملة اعتقالات بحق المقاومين أو الراغبين في المقاومة، وأياً كانت صورة المقاومة شعبية أو مسلحة، إضافة للتلاعب الجاري في ملف المصالحة بين عباس وحماس، وتجميد كل الاتفاقات التي عقدت برعاية القاهرة بعد الثورة المصرية، والتنفيذ العملي لأوامر "إسرائيل" والإدارة الأمريكية، والتي هددت عباس بمحو سلطته إن هو تصالح فعلياً مع حماس، أو إن مضى في طريق استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية باستحقاقاته، وقد امتثل عباس، ووصلت الرسالة إلى حماس، وهي أن المصالحة لن تتم فعلياً، ولن تتوالى إجراءاتها المتفق على مبادئها، إلا حين يحدث المطلوب أمريكياً وإسرائيلياً، وهو أن تصبح حماس على صورة عباس.

 

 

 

وقد قلنا - مراراً - أن عباس انتهى أمره، وأن جماعة العباسيين انتهت إلى الالتحاق موضوعياً برغبات الأمريكيين والإسرائيليين، وتفقد باطراد معنى الانتساب للهم الفلسطيني، وأن الخشية - كل الخشية - أن تصاب حماس بعدوى عباس والعباسيين.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

واللهم قد بلغنا، واللهم فاشهد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

* كاتب مصري