خبر لا نحيد عن هرتسل -معاريف

الساعة 09:29 ص|08 يناير 2012

لا نحيد عن هرتسل -معاريف

بقلم: روبين مرحاف

مدير عام وزارة الخارجية سابقا

رئيس منظمة سليلي وسط اوروبا

(المضمون: التهديدات على الديمقراطية تلزمنا بالعودة الى طريق هرتسل الذي وضع رؤيا الدولة، وإن لم نفعل ذلك فليس فقط لن نكون نورا للاغيار بل سيكون هنا ظلام لليهود - المصدر).

        تربينا في ضوء رؤيا هرتسل، الرجل الذي صنع المستحيل – أعطى رؤيا لشعب معزول ومشتت ورسم خطة وطنية، انسانية وقيمية وإن كانت بدت كحلم، إلا أنها تحققت. هرتسل كان الشخصية السائدة الابرز في تاريخنا منذ الخراب. بعد خمسين سنة من المؤتمر الصهيوني، تحققت رؤياه في إقامة الدولة اليهودية: دولة عضو متساوي الحقوق في أسرة الشعوب، ديمقراطية، متسامحة وليبرالية، سليمة ومحافظة على القانون، تمنح مساواة في الحقوق لكل سكانها ويوجد فيها التوازن السليم بين حرية الفرد واحتياجات العموم.

        المهاجرون من وسط اوروبا جاءوا من المحيط الثقافي والاجتماعي الذي صمم شخصية هرتسل؛ فقد عملوا على غرس مبادىء رؤياه في أسس المجتمع والدولة، أدرجوها في قيمهم الجوهرية فور انتظامهم قبل نحو ثمانين سنة – وحافظوا عليها منذئذ. أما نحن، أبناء الجيل الثاني والثالث، فقد تربينا على رؤيا هرتسل. استوعبناها في منازل أهالينا، في الجهاز التعليمي، في حركات الشبيبة، في المحيط القريب والبعيد، في أثناء الخدمة العسكرية وفي ظل وإطار نضوجنا. رأينا جزءا منها يتحقق – في ظل الازمات، الحروب، التقلبات والانجازات الكبرى.

        ولكن وبينما نواصل عملنا في المجالات الاجتماعية، التراث والمجتمع، فاننا لسنا معفيين من أن ننظر حولنا ونرى الواقع الذي تقع فيه ظواهر مقلقة للغاية، تهدد على نحو شديد مجرد شرعية إسرائيل كدولة يهودية، ديمقراطية ومتسامحة، عضو في أسرة الشعوب متساوية الحقوق – بروح رؤيا هرتسل. وها هي الأمور التي لا يمكن التسليم بها: التآكل المتواصل في سلطة القانون، في تطبيقه وفرضه يهددنا بان نتحول الى جمهورية فلافل؛ التهديد الزاحف من جانب مشرعين ودوائر من المتطرفين وذوي المصالح للتأثير على استقلال مؤسسات القضاء، أجهزة الحفاظ على القانون وفصل السلطات؛ سياسة "الغمز" من جانب بعض مؤسسات الدولة تجاه نشاط خارقي القانون؛ ظلم العرب في اسرائيل، ولا سيما في القدس، في تقديم الخدمات البلدية، والاهمال المتواصل في معالجة الجريمة العنيفة في الوسط العربي.

        إلى جانب ذلك، استمرار إهانة العرب في معابر الحدود، في الحواجز وفي اتصالهم بالسلطات، في ظل عرقلة العمل القانوني المضاد؛ التخريب في مؤسسات الدين واحراق الكتب المقدسة الاسلامية في ظل التراخي في العثور على المجرمين ومعاقبتهم؛ الارتفاع المتواصل في عدد الاصوليين الذين لا يدفعون الضرائب، لا يخدمون في الجيش الاسرائيلي ويتلقون دعما شهريا على حساب دافع الضرائب؛ المحاولات المتعاظمة لاستبعاد النساء – الكلمة المغسولة التي تعبر عن ابعاد النساء عن المجال العام – والتي تتم بالذات على أيدي الوسط الذي أساس المعيلين فيه هم نساء. والخطير هو أن الامر يحصل في دولة أسستها الحركة الصهيونية – إحدى الحركات الاولى في العالم التي كانت فيها مساواة حقوق للنساء. وفوق كل شيء: الاحساس بانه "لا قضاء ولا قضاة"، ويكاد يكون "كل يفعل ما يراه مناسبا".

        حذار أن نعلل أنفسنا بالاوهام. علينا أن نعمل هنا والان، الى جانب كل الشركاء المحتملين وكل الوسائل العامة والقانونية القائمة، لوضع سد في وجه هذه الظواهر واعادة اسرائيل الى المسار العقلاني – الصهيوني الاسرائيلي السوي. اذا لم نفعل ذلك، فليس فقط لن نكون نورا للاغيار، بل سنكون ظلاما لليهود: دولة صغيرة ومنعزلة، مكروهة من نفسها، من شعبها ومن أسرة الشعوب التي أردنا أن نكون جزءا منها – النقيض لتلك التي قامت حسب "قانون الشعوب"، بروح رؤيا هرتسل.