رغم كل شيء، أغفر- معاريف
بقلم: ايلان غرابل
سُجن في مصر وحرر بعد جهد دبلوماسي واسع
(المضمون: اعتقالي والاحداث في مصر أثبتت بأن الثورة حققت تغييرات سطحية فقط، ومع ذلك يجب الايمان بان الاسرائيليين والعرب يمكنهم ان يعيشوا معا - المصدر).
عندما وصلت الى مصر كي أعمل في الصيف في منظمة غير حكومية تقدم المساعدة القانونية لطالب اللجوء السياسي من السودان ومن العراق، كان الشرق الاوسط غريبا عليّ. تعلمت العربية في القاهرة وخدمت في الجيش الاسرائيلي. أملت في أن اقنع العرب ممن التقيتهم بان حقيقة اني صهيوني ليست بالضرورة تتعارض مع مصالحهم واننا يمكننا أن نعمل معا من أجل السلام. ولكن في مصر ما بعد الثورة محاولاتي العمل مع السكان المحليين أدت الى اعتقالي، حبسي في الانعزالي وأخيرا التخوف من ان احاكم لخمسة مؤبدات على "التجسس" و "التحريض".
في زيارات سابقة لي الى مصر، الصداقات التي اقمتها تغلبت على الدعاية المناهضة لاسرائيل في العالم العربي. بل ان بعضا من المؤيدين السابقين للاخوان المسلمين حتى تمنوا لي النجاح حين سافرت لاداء واجب الخدمة الاحتياط في البلاد. معظم المصريين الذين التقيتهم وتحدثت معهم على كأس قهوة، اعترفوا في نهاية اللقاء بانه كان لهم مفهوم مغلوط عن الاسرائيليين. في اثناء الصيف شددت على خلفيتي الاسرائيلية، حتى عندما دخلت مصر بجواز سفر امريكي. عرفت نفسي امام كل اصدقائي المصريين كاسرائيلي صهيوني. علمتهم العبرية وأريتهم أفلاما اسرائيلية، وبالمقابل اعطوني دروسا بالعربية، في الاسلام وفي الثقافة المصرية.
في 12 حزيران 2011، أكثر من 20 من رجال جهاز الامن اقتحموا غرفتي في النزل، قيدوا يدي، اغمضوا عيني ونقلوني الى النائب العام. والناس يسألونني: "هل خفت؟" كنت مفزوعا ومشوشا. على مدى الزمن صرت منعزلا أيضا، وثار فيّ الغضب. الاسبوعان الاولان كانا "الافضل"، وذلك لانه على الاقل كان لي اتصال مع الناس. النائب العام وأنا تحدثنا في السياسة، في الدين وفي النزاع في الشرق الاوسط. وكانت المحادثات مفرحة وفي معظمها غير ضارة، رغم الاتهامات بين الحين والاخر مثل: "حسب تقارير جهاز الامن هربت أنت السلاح من الثوار الليبيين الى مصر"؛ او الاكثر تحببا لدي: "يا ايلان، انت استغليت قواك في الاغواء كي تجند المصريات – وهذه جريمة".
بعد الاسبوعين الاولين توقفت التحقيقات، ولكن عندها بدأت العزلة. كانت هذه عزلة شبه تامة. مرتان في الشهر فقط حظيت بزيارة القنصل استمرت لاربعين دقيقة. ولكن بفضل عمل الكثير من الموظفين الرسميين في البلاد وفي الولايات المتحدة، لم ينسوني. أبواي وموظفون امريكيون بعثوا لي بالكتب. قرأتها ببطء إذ لم اعرف اذا كنت سأتلقى المزيد، وكم من الوقت سيحتجزونني. الناس يسألون: "هل عذبوك؟" لم يضربوني، ولكن فكروا كيف يكون عندما يقضي المرء قرابة 150 يوم (3.600 ساعة) في غرفة صغيرة، مع سرير، كرسي، نافذة صغيرة مع قضبان حديدية – ودون أي فكرة ماذا سيحصل.
الناس يسألون: "إذن ماذا تفكر الان عن مصر؟" جوابي كل الوقت يتغير. اعتقالي والاحداث الاخيرة في مصر تثبت بان الثورة حققت تغييرات سطحية فقط. تركيز الطغمة على الجهات الخارجية هو تعبير يائس عن محاولة الامتناع عن أخذ الذنب والتخلي عن الحكم. أجهزة الامن سيئة الصيت والسمعة لا تزال تعتقل المدنيين بشكل تعسفي (مثلما فعلت لي)، ومن اعتقل لا يحظى بأي شيء يذكر بالنظام السليم. المدعون والقضاة يخلقون الانطباع بانه تجرى اجراءات قانونية، ولكن عمليا المجلس العسكري الاعلى يقرر كل شيء.
هل رحلتي كانت "متهورة" أو "مغلوطة"؟ لا. رغم المصاعب والمخاطر، فان الادارة الامريكية تبعث بمتطوعي سلاح السلام الى المناطق غير المستقرة في محاولة لتنمية الديمقراطية من الميدان. اذا أخذنا بالحسبان الاساطير التي تنتشر في اجزاء واسعة من العالم العربي، فان الاعلام الاسرائيلي يمكنه أن يكسب من مثل هذه السياسة. اعلامي عرض رؤية غيرت عقلية رجال الاخوان المسلمين السابقين بل ورؤية النائب العام والسجانين لي. الكلمات الاخيرة التي قالها لي السجانون كانت "سلاما، نأمل أن تغفر لنا". الاسرائيليون والعرب يمكنهم أن يواصلوا الوضع الراهن للدعاية المتبادلة أو يمكنهم ان يتجرأوا على العيش معا. ولاولئك الذين احتجزوني دون ذنب اقترفته يداي، أقول ببساطة – اني أغفر لكم.