خبر يهودية يهودية ولكن -هآرتس

الساعة 09:02 ص|05 يناير 2012

يهودية يهودية ولكن -هآرتس

بقلم: ميرون ربابورت

        (المضمون: يناضل نتنياهو وليبرمان وأشباههما الحريديين ومحاولتهم السيطرة على الفضاء العام الاسرائيلي لكنهم من جهة اخرى يتبجحون بالحفاظ على الصبغة اليهودية للدولة وما ذاك إلا محاولة لاقصاء العرب خاصة عن المشاركة في الدولة - المصدر).

        ان التوتر العلماني الحريدي ظاهرة دائمة في اسرائيل في عشرات السنين الاخيرة. وهو يغلي تحت السطح وينفجر بين الفينة والاخرى ويستولي على برنامج العمل السياسي. والانفجار الأخير هو حلقة في هذه السلسلة، لكن يُخيل إلينا ان صبغته هذه المرة مختلفة شيئا ما.

        أولا بسبب مدتها الشاذة: فمنذ نحو من ثلاثة اسابيع على التوالي لم يزل الموضوع عن رأس نشرات الأخبار والصفحات الاولى في الصحف. وبسبب مضمونه ايضا: فالانتقاد العلماني لا يمس هذه المرة تقسيم المخصصات أو تقسيم عبء الخدمة العسكرية فقط. بل انه يتطرق الى شكل الحياة الحريدية. ان النضال بسبب استبعاد النساء ما جاء ليحمي النساء فقط بل جاء ليحمي المجتمع كله من ضرر شكل الحياة الحريدية. ان مجرد وجود المجتمع الحريدي أصبح يُرى خطرا على وجود دولة اسرائيل.

        من المثير ان هذا النضال للمجتمع الحريدي وقيمه جاء بعد ان أصبحت "يهودية" دولة اسرائيل في السنين الاخيرة شأنا مركزيا في الساحة العامة. فافيغدور ليبرمان يريد ان يعزز "يهودية" الدولة بمضاءلة عدد العرب الذين يعيشون فيها، ويريد زئيف ألكين ورفاقه حماية "الصبغة اليهودية" للدولة بواسطة المس بمنظمات تعترض عليها في ظاهر الامر، وجعل بنيامين نتنياهو الاعتراف بـ "يهودية" اسرائيل لا بمجرد وجودها فقط اللبنة الأساسية لسياسته الخارجية.

        كان يفترض في الظاهر ان يحول ائتلاف نتنياهو – ليبرمان – ألكين اسرائيل الى دولة أكثر يهودية وأشد اصغاءا لافكار دينية يهودية ولقيم يهودية دينية. لكن العكس هو الذي يحدث تقريبا في الواقع. احيانا يكون الاشخاص أنفسهم الذين يرفعون راية الحفاظ على "الدولة اليهودية" هم الذين يقودون مكافحة التحول الى الحريدية و"تهويد" الفضاء العام مثل ليبرمان. في مقابلة مع صحيفة "يديعوت احرونوت" أراد ليبرمان ان يستغل الجو المعادي للحريديين كي ينقض المجالس الدينية، أي كي ينقض واحدا من الأحجار الأساسية التي تربط الدين (اليهودي) بالدولة (الاسرائيلية).

        كيف يحدث ان ناسا يهمهم كثيرا ان تكون الدولة يهودية، لا يحبون ان تعرض اليهودية وجهها؟ وكيف يمكن ان من يرى الحفاظ على الأكثرية اليهودية في اسرائيل مهمة من الطراز الاول يصد عن الواقع في المدن والأحياء التي فيها أكثرية لمن يحافظ على حياة يهودية؟.

        نحن مُجبرون على الاعتراف بأن البصق على بنت في الثامنة من عمرها عمل متطرف وقبيح، لكنه لا يوجد شيء غير يهودي في الفصل بين النساء والرجال أو في الحرص على السبت والاحوال الشخصية. ان كرة القدم في ايام السبت والجمبري في الايام العادية امور لذيذة جدا، ومن الضروري الحفاظ على حرية تناولها، لكنها امور غير يهودية.

        هذا الفرق يشير الى ان قضية الصبغة "اليهودية" هي في جوهرها قضية سياسية تكاد تبلغ التلاعب. فليبرمان ونتنياهو لا يريدان دولة يهودية بل دولة لا يستطيع فيها غير اليهود، أو بعبارة أبسط العرب، ان يكونوا شركاء فيها، ولا يريدان الحفاظ على قيم يهودية بل ابعاد قيم "الآخر". ان الصبغة "اليهودية" للدولة هي في أساسها وسيلة لاقصاء غير اليهود، أي العرب، عنها. فعليهم، أي على غير اليهود، حُكم ان يجلسوا في المقعد الخلفي من الحافلة الوطنية.

        المفارقة ان مجرد الاشتغال الزائد بالصبغة اليهودية للدولة قد يكون هو الذي يولد الرد الشديد على الحريديين. والحريديون يتناولون شعاراتنا بجدية مفرطة. والحريديون يريدون في الحقيقة ان تكون هذه الدولة يهودية مع خصائصها المميزة. وآخر شيء يريده فرسان "الصبغة اليهودية" للدولة ان تكون لها صبغة يهودية حقا.