الأسيران المحرران زكريا عيسى وسامح الوادية غادرا معا بعد رحلة معاناة مع السرطان
كتب.. عبد الناصر عوني فروانة
" زكريا عيسى " و" سامح " الوادية " ، اعتقلا في سجون الاحتلال الإسرائيلي في أوقات مختلفة ، ولفترات متفاوتة ، وجمعهما مرض السرطان بالمعدة في زمن متقارب ، وخطفهما الموت في أسبوع واحد .
فالأول من بلدة الخضر جنوب بيت لحم وينتمي لحركة " حماس " ، ظهرت عليه أعراض مرض السرطان بالمعدة قبل عامين تقريباً أثناء وجوده في السجن ، والثاني من حي الشجاعية شرق مدينة غزة وينتمي لحركة " فتح " ، ظهر عليه نفس المرض قبل عامين ولكن بعد تحرره من السجن ببضع سنوات .
ليفتحا سوياً بموتهما ملفات عدة ، أولها ملف الأسرى المرضى الذين لا يزالوا يقبعون في سجون الاحتلال وأسباب انتشار الأمراض الخطيرة والخبيثة بين صفوف الأسرى .
وثانيها ملف الأسرى المحررين وضرورة الاهتمام بهم وتوفير الرعاية الصحية لهم ومعرفة أسباب ظهور الأمراض الخبيثة لدى الكثيرين منهم بعد فترة وجيزة أو بعد سنوات من تحررهم ، لا سيما وأن هنالك دراسات علمية تؤكد بأن الأعراض والأمراض المزمنة والمستعصية والتي ظهرت وبدأت تظهر على الأسرى المحررين لها علاقة بصورة دالة إحصائياً بخبرة السجن والتعذيب .
" زكريا عيسى " ، رياضي ولاعب متميز تشهد له ملاعب كرة القدم الفلسطينية ، يبلغ من العمر ( 43 عاماً ) ومتزوج ولديه أربعة أبناء ، ومن سكان بلدة الخضر جنوب بيت لحم ، اعتقلته سلطات الاحتلال في العاشر من شباط / فبراير عام 2003 بتهمة الانتماء لحركة حماس ومقاومة الاحتلال وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة ( 16 ) عاماً ، وأثناء فترة أسره ظهرت عليه أعراض مرض خبيث ، وبعد الفحوصات تأكد إصابته بمرض سرطان في المعدة وهشاشة في العظام لينضم إلى مجموعة من الأسرى الذين داهمتهم الأمراض الخبيثة ، وبعد تدهور حالته الصحية ووصولها إلى درجة ميئوس منها أقدمت سلطات الاحتلال على اطلاق سراحه قبل انتهاء فترة محكوميته وذلك في 22 آب / أغسطس الماضي ، لينتقل بعدها للعلاج في المستشفيات الفلسطينية والعربية إلى أن فارق الحياة أول أمس الاثنين ( 2-1 ) .
وبالأمس الأربعاء ( 4-1 ) رحل الأسير المحرر " سامح خليل الوادية " ( 40 عاماً ) من سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة ، والذي كان قد أعتقل خلال الانتفاضة الأولى بتهمة الانتماء لحركة فتح ومقاومة الاحتلال وأمضى قرابة عامين في معتقل النقب الصحراوي .
وبعد تحرره واصل عطائه ونضاله والتحق بأحد الأجهزة الأمنية الفلسطينية وواصل تعليمه الأكاديمي وحصل على درجة الدكتوراة في القانون الدولي وأصدر كتاباً بعنوان " المسئولية الدولية عن جرائم الحرب الإسرائيلية " ، وقبل عامين ظهر عليه المرض الخبيث وتأكد إصابته بمرض " السرطان بالمعدة " تنقل للعلاج في المستشفيات المختلفة إلى أن فارق الحياة يوم أمس الأربعاء .
" زكريا عيسى " أسير فلسطيني أصيب بمرض السرطان وهو داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي وأفرج عنه لسوء حالته الصحية ليلتحق بإخوانه الأسرى الذين تحرروا للأسباب ذاتها وتوفوا بعد تحررهم ببضعة شهور أمثال هايل أبو زيد ، سيطان الولي ، مراد أبو ساكوت ، فايز زيدات .
و" سامح الوادية " أسير محرر رحل بعدما ظهر عليه مرض السرطان بعد تحرره ليلتحق هو الآخر بقافلة طويلة من الأسرى المحررين الذين توفوا بعد تحررهم جراء إصابتهم بمرض السرطان أمثال فايز بدوي ، خميس الفار ، ماجد الداعور ، بشير الحوم ، سعيد شبات ، نافذ الخالدي والإعلامي حيدر الغول من لبنان...الخ
وما بين هذا وذاك قائمة طويلة من الأسرى والأسرى المحررين الذين رحلوا جراء إصابتهم بأمراض خطيرة وخبيثة ورثوها عن سجون الاحتلال .
و ما بين هذا وذاك أيضاً فصول طويلة من المعاناة التي أضحت وكأنها جزء ثابت من حياتنا ، معاناة من يتألمون من شدة الآلام المصاحبة للأمراض المستعصية والخبيثة التي افترست أجسادهم ، بل والأقسى ألماً هم أولئك الذين يجمعون رغماً عنهم ما بين مطرقة الأسر وقساوة السجن وسندان الأمراض المختلفة .
ولعل أكثر المواضيع صعوبة في الكتابة ، هي تلك التي لا تستطيع أن تُعبر عنها الكلمات ، وبتقديري لا يمكن لكاتب متواضع مثلي أو محترف يمكن أن ينجح في وصف معاناة مرضى السرطان عموماً ، والأسرى منهم خصوصاً ، فمعاناتهم تفوق الوصف وتتعدى قاموس اللغات والمفردات .
مرضى السرطان .. معاناة لا توصف ، فما بالكم إن كان الأمر يتعلق بأسرى مرضى يُهمَلُون في السجون ، أو بأسرى يواجهون المصاعب والمعيقات في الحركة والتنقل بعد تحررهم من السجون ، فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من اقتربت ساعة وفاتهم ، أو تمنونها ويتمنوها من شدة الألم ، ان كانوا لا يزالوا داخل السجون ، أو يرقدون على أسرة المستشفيات .
إنه لأمر مؤلم ... عشرات الأسرى يحتضرون في السجون ، ومئات آخرين يتألمون ، وآلاف ينتظرون ما سيصيبهم .. ونحن نكتفي بمراقبتهم عن بُعد ، ونتسابق في تشخيص الحالة وإصدار البيانات والمناشدات ، دون ان نغير في الواقع شيئاً ...!
والسؤال هل استشهاد " زكريا " و" سامح " سيدفعنا للتوحد وحمل هذا الملف المؤلم بكل جدية ، والتأثير على المؤسسات الدولية لتتحرك وتنقذ أسرانا من خطر الموت والأمراض الخبيثة ؟ أم سيبقى موتهما مجرد حدث عابر لا غير ..؟
" زكريا عيسى " و" سامح الوادية " .. داهم السرطان جسديهما في زمن متقارب و خطف الموت حياتهما في أسبوع واحد ، فهل سنتوحد خلف ملف الأسرى المرضى في شهر واحد ..؟