من قصور مدريد الى أزقة غزة- يديعوت
بقلم: افرايم هليفي
يوجد من يتذكرون في هذه الايام بدء "المسيرة السياسية" بيننا وبين العالم العربي على هيئة مؤتمر مدريد الذي عُقد برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي. بل ان رئيسي هاتين الدولتين – الرئيس بوش الأب وميخائيل غوربتشوف – شرّفا تلك الحادثة بحضورهما.
كان ذلك واحدا من العروض الأخيرة للقوة السوفييتية على مسرح التاريخ. وحينما كنت أجلس في القاعة شاهدت لأول مرة صورة الأمير السعودي، بندر ابن سلطان، الذي جلس في الخلف، وكان ذلك عرضا مكشوفا أول للسعودية في حادثة كهذه. وقد ترأس الوفد الاسرائيلي رئيس الوزراء اسحق شمير والى جانبه بنيامين نتنياهو الذي كان آنذاك نائب وزير في ديوانه وركز آلة الدعاية الاسرائيلية التي صاحبت المباحثات.
اشمأز شمير من الرعاية الدولية للمسيرة لأنه خشي، وكان على حق كبير في رأيي، من ان تنشيء تلك الهيئة اطارا لاستعمال ضغط دولي على اسرائيل خلال التفاوض المرتقب الى درجة محاولات فرض حلول لا توافق هوى اسرائيل. لهذا اشترط ألا يعود هذا المنتدى للقاء بعد انقضاء المؤتمر الافتتاحي حتى نهاية التفاوض. وكما أعلم فان التفاوض بين اسرائيل وجاراتها لم ينته بعد ولهذا من المستحسن ألا يُعقد هذا المنتدى مرة اخرى، فمجرد عقده يفتح الباب لمسار ينتهي الى محاولة حل مفروض.
كانت هناك مشكلة مركزية كادت تمنع مجرد عقد المؤتمر هي مسألة صورة تمثيل الفلسطينيين. فقد رفضت اسرائيل الاعتراف بهم باعتبارهم شريكا مساويا في المكانة في المسيرة السياسية وتفضلت في نهاية الامر بمصالحة أصبح الفلسطينيون بمقتضاها شركاء مع الاردن باعتبارهم وفدا واحدا تقوده المملكة الهاشمية. ويضيق المقام هنا عن وصف توابع هذه القضية في جولات التفاوض في واشنطن حينما اجتمع الاسرائيليون والفلسطينيون على أريكة في دهليز وزارة الخارجية الامريكية لا حول مائدة المباحثات والعياذ بالله. ان الايهام و"انقاذ ماء الوجه" هما من وسائل عمل الدبلوماسية بعامة ولا يوجد الشرق الاوسط في كون الغث يُرى هو الأساس نحو الخارج. وهذا مهم احيانا للجانب العربي – الفلسطيني، ولاسرائيل ايضا في أكثر من مرة واحدة.
يتناول كثيرون في الشهور الاخيرة قضية سياستنا نحو حماس ويفحصون في خلال ذلك بعدسة تكبير التصريحات المتطرفة لقادة المنظمة. نحن نطلب الى حماس ان تعترف بحق اسرائيل في الوجود بصفة دولة شرطا مسبقا لمحادثتها أو لتمكينها من المشاركة في التمثيل الفلسطيني ازاءنا. ونحن في نفس الوقت نسمي قطاع غزة "حماستان" مثل قولنا باكستان أو اوزباكستان وغير ذلك. ونحن نلقي على حماس ايضا مسؤولية السيد عن كل ما يحدث في المنطقة التي تسيطر عليها هذه الحركة. "حماس مسؤولة عن..." هو تعبير رائج على شفة كل زعيم في اسرائيل.
ان ازدواجية اللغة هذه استنفدت نفسها. فتجربة مدريد تبرهن على ان قوة الايهام الدبلوماسي محدودة بقوتها وزمنها. اجل ان الشخصيات الرئيسة في قيادة الدولة وقيادة الجيش الاسرائيلي تتشدد في تصريحاتها وتبدو كأنها تهييء الجمهور لمواجهة عسكرية واسعة النطاق مع حماس – أوسع وأهم من عملية "الرصاص المصبوب".
اذا كان القضاء على حماس باعتبارها قوة محاربة وحركة سياسية في متناول اليد فلن يتغير تغيرا كاملا اذا نظام علاقاتنا مع الفلسطينيين بل نظام علاقاتنا ايضا بالعالم العربي المحيط بنا. وتحقيق هذا الهدف يوجب تجنيد الجمهور كله ووقوف الشعب من وراء حكومته. وستكون هذه حربا تحتاج الى حسم حاد واضح ونهائي في الأساس. وستحتاج القيادة السياسية والقيادة العسكرية الى تحديد هذا الهدف بوضوح وصيغ مفهومة جيدا لكل جندي ولكل من يبقى في الجبهة الداخلية.
ان تجربة جولات المواجهة مع حماس تُبين ان الخروج لمعركة من اجل أقل من هذا أمر مريب جدا. في هذه الحال لن يكون مناص من السير في طريق آخر.