خبر الكذب الذي يمنع السلام .. هآرتس

الساعة 11:28 ص|02 يناير 2012

بقلم: دمتري شومسكي

(المضمون: لن يمكن سلام بين اسرائيل والفلسطينيين قبل ان تعترف اسرائيل والاسرائيليون بأن علاقة اسرائيل بالفلسطينيين هي علاقة السيد بالمسود والحاكم بالمحكوم - المصدر).

لا تستطيع دول ديمقراطية أو شبه ديمقراطية تجري بخلاف مباديء الديمقراطية اضطهادا مدنيا واستعبادا قوميا لشعب آخر، ان تسمح لنفسها بأن تعرض الاضطهاد والاستعباد بواسطة أكاذيب خالصة كما كانت تفعل في اوضاع مشابهة أنظمة استبدادية سافرة.

ان واحدة من الطرق البديلة التي قد تتبناها هي ان تقول الحقيقة جزئية، بأن تصف صورة الوضع بصورة مشابهة كثيرا لصورة الوضع الجاري مع حذف عنصر مركزي من الصورة أو بعرض ذلك العنصر بصورة تغير جوهريا معناه الحقيقي.

ان الكسندر يعقوبسون معتمدا من جملة من اعتمد عليهم على "يمينيين واضحين وكبار" مجاهيل يكتب انه "اذا وحينما يقتنع المجتمع الاسرائيلي بأنه سيكون من الممكن العيش في سلام تقريبا الى جانب دولة فلسطينية فانه سيؤيد اقامتها بأكثرية كبيرة"، ("ما يريده الاسرائيلي"، "هآرتس"، 29/12). وينقص هنا في الظاهر عنصر مركزي واحد في وصف وضع العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين ألا وهو عنصر الاضطهاد المدني واستعباد اسرائيل القومي للفلسطينيين.

ان هذا العنصر في واقع الامر موجود موجود في عرض يعقوبسون للامور. بيد أن اضطهاد الفلسطينيين واستعبادهم يُعرضان عنده – وهكذا يُريان في وعي اسرائيليين كثيرين – بأنهما شيء لا ترغب اسرائيل فيه؛ يكاد يكون أمرا يثير الاشمئزاز العميق فيها، وبأنه حمل ثقيل ستتخلص منه سريعا جدا في أول فرصة تعرض لها.

ولهذا يحصل انطباع ان الديكتاتورية العسكرية في يهودا والسامرة تقيم طرفا ثالثا ما غير مُتحكم فيه ليست اسرائيل مسؤولة عنه وهو تلك "المجموعات المتطرفة" كما عرّفها يعقوبسون، التي تعارض التسوية لاسباب عقائدية وهي أقلية كما يرى داخل المجتمع الاسرائيلي.

ان الوضع الحقيقي يختلف تمام الاختلاف بالطبع. فنظام الاضطهاد المدني والاستعباد القومي للشعب الفلسطيني تدبير فعال ومتصل ونامٍ تقف من ورائه حكومة اسرائيل المنتخبة التي يرأسها اليوم بنيامين نتنياهو ويتمتع بشعبية كبيرة بين الجمهور الاسرائيلي. ان هذا النظام وأساسه انشاء شعب مواطنين أسياد من جهة، وشعب بلا حقوق مواطنة أساسية من جهة اخرى، ازداد عمقا قبل اتفاق اوسلو وبعده ايضا؛ وقبل المجزرة في الحرم الابراهيمي في 1994 وبعدها؛ وقبل العمليات الانتحارية في الحافلات وفي المقاهي الاسرائيلية وبعدها؛ وقبل الانفصال عن غزة وبعده؛ وقبل خطبة بار ايلان وبعدها.

بيد أن يعقوبسون ومعه "اليمينيون الكبار اولئك" المعتدلون الذين يتحدث باسمهم لو أنهم عرضوا عنصر الاستعباد في صورة العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين كما هو في الواقع فان الصورة العامة التي كان يُحصل عليها كانت تكون معوجة الى درجة ذرف الدموع: فاسرائيل الراغبة في الاقتناع بأنه "سيكون من الممكن العيش بسلام الى جانب دولة فلسطينية"، تقيم على الدوام واقعا يمنع الفلسطينيين بصورة منهجية من اقناع الاسرائيليين بذلك. فهل يمكن ان يخطر بالبال بجدية ان سلب أملاك خاصة وسلب كرامة وطنية وهما الاستعباد اليومي للفلسطينيين قد يحثانهم على اظهار نوايا السلام؟.

لكن حتى لو كانت الحقيقة الكاملة عن علاقة اسرائيل بالفلسطينيين تعرضنا في ضوء مأساوي – فكاهي شيئا ما،  أو لأجل ذلك على التخصيص – فانه يحسن بنا ان نتمسك بها لا بالحقيقة الجزئية. لأننا اذا وحينما ندرك مبلغ كون محاولة دفع الشعب الفلسطيني الى احترام حقوقنا القومية في هذه البلاد بائسة ومتناقضة، قبل الغاء علاقات السيد والمسود بين الشعبين – آنذاك فقط سيكون احتمال حقيقي لسلام بين اسرائيل والفلسطينيين. ان الاعتراف بالحقيقة الكاملة فقط قد يفضي اذا الى سلام حقيقي.